DELMON POST LOGO

تحت سقف الدولة وفي كنفها -1

بقلم محمد حسن العرادي - البحرين

لا شك في أن جميع المواطنين  في أي بلد كان يرغبون في العيش تحت سقف الدولة وفي كنفها، لكنهم يبحثون عن أجواء آمنة وبيئة حاضنة تتعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق والواجبات، ولا تشعرهم بأنهم مستهدفون أو مشكوك في ولائهم أو متهمون بالعمالة أو الإنتماء لهذا الطرف أو ذاك بسب إختلاف بين المزاج الشعبي والموقف الرسمي، ذلك أن إنتهاج سياسة التمييز وتقسيم المجتمعات إلى طبقات وفئات وفق تقسيمات إثنية أو طبقية أو طائفية أو عنصرية يساهم في زعزعة المجتمع وإضعافه.

لقد علمتنا التجارب بأن الإلتفاف حول الدولة والتمسك بها عملية تبادلية وتكاملية ذات إتجاهين، فكلما تمكنت الدول من تحقيق العدالة الإجتماعية وتعزيز الشعور بالمواطنة المتوازنة كاملة الحقوق بين مختلف فئات شعبها، وفق قاعدة الكفاءة ومقدار الحاجة، كلما إستطاعت أن تخلق مجتمعات أكثر تماسكاً وترابطاً وأقل تناحراً وإختلافاً وتوتراً، وذلك يتطلب بأن ترتقي الدولة ومن يمثلها في أي بلد في طريقة تعاملها ونظرتها لجميع المواطنين المنتمين إليها وتتعامل معهم وفق القانون على حد سواء.

إن تحقيق ذلك ليس صعباً أو مستحيلاً خاصة إذا كانت الدولة تتكون من فسيفساء إجتماعية متعددة الأعراق والمنابت، كما هو الحال في مملكة البحرين، الأمر الذي يتطلب نشر ثقافة مجتمعية تعزز من الارتباط والإنتماء للدولة بين الجميع، وفق قاعدة أولويات الإنتهاء للوطن على الإنتماء للطائفة أو العرق والمذهب، وذلك يتطلب تعاملاً عادلاً من أولي الأمر وأصحاب القرار، يعزز الإنتماء والولاء للوطن من خلال نشر ثقافة الشعور الوطني بأن حضن الدولة يتسع للجميع بدون إستثناءات أو مميزات لأحد على آخر.

ودون شك فإن توحيد المجتمع وتعزيز التفافه حول قيادته ودولته يزداد ويرتفع أمام التحديات التي تواجه الوطن وتهدد وجوده ومصيره المستقبلي، كتلك التحديات التي يمر بها وطننا الحبيب والمنطقة في هذه الفترة الحرجة من الأحداث السياسية والأمنية المنفلتة والمفتوحة على كافة الإحتمالات، الأمر الذي يتطلب ترشيد الخطاب الرسمي بالدرجة الأولى، بهدف ضبط الفعل وردات الفعل بعيداً عن أي شعور بالغبن والظلم الإجتماعي، ثم إعادة النظر في التقسيم الوظيفي والإداري والخدمي المبني على قاعدة القرب والبعد من السلطة، وإستبداله بتكريس المواطنة المتساوية.

إن جميع المواطنين هم أبناء الدولة يرغبون في العيش تحت سقفها وفي كنفها بعيداً عن أي  تفكير في الإنتماء للخارج بسبب ارتباطات مذهبية أو عرقية، ولا يجوز أن يشعر البعض منهم بالأفضلية فيما يشعر آخرون بالدونية، الأمر الذي يتطلب محاربة هذه المشاعر ومعالجتها وفق قاعدة أن الوطن للجميع، وأن فرص المشاركة في بناءه وحمايته والتمتع بخيراته متاحة لجميع المواطنين بقدر عطائهم وتفانيهم في خدمة الوطن، من خلال المواقع التي يشغلونها والادوار التي يؤدونها، وبما يعرفون ويحسنون من عمل يلتزمون القيام به، وليس غير ذلك ، فإذا إنتشرت هذه المفاهيم المجتمعية الجميلة، سيزداد المجتمع تماسكاً وترابطاً وتواصلاً بقيادة الوطن وتكريساً للولاء والإنتماء للدولة وليس للإنتماءات الفرعية.

إننا أمام منعطف سياسي إقليمي ودولي جديد يتطلب من الجميع تقديم الأولويات الوطنية على الأولويات الشخصية والطائفية، وهذا لن يتحقق إلا إذا بادرت الدولة عبر توجيه كافة وزاراتها وأجهزتها لتكريس الحوار الإجتماعي الوطني، وتفهم الحاجة إلى المزيد من الحريات المسؤلة فيما بتعلق بالقضايا الوطنية والعربية والاسلامية، خاصة حقهم في التضامن مع الأشقاء في فلسطين ولبنان أمام هذه الإعتداءات الصهيونية الإرهابية المدعومة من أمريكا والدول الأوربية المنافقة.