تحت سقف الدولة وفي كنفها - 2
بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
قليلون هم من يريدون التمرد من أجل التمرد، أو المعارضة من أجل المعارضة بسبب مواقف إنفعالية أو نشأة إجتماعية صعبة، ويُخطئ البعض كثيراً حين يُصنف المواطنين بين موالون ومعارضون دون أسس وأسباب منطقية، فالأصل في الإنتماء والولاء هو حب الوطن والإستعداد للدفاع عن حياضه وحدوده، أرضه وبحره وسماءه ووجوده بالغالي والنفيس، ولست أبالغ إذا قلت بأن أكثر من 95% على الأقل من المواطنين في البحرين هم من هذا الصنف الوطني الإنتماء حتى الموت والإستشهاد.
إن هذا التفكير يقودنا بشكل طبيعي إلى الحاجة لوقفة تقييم، تُعيد فيها الدولة دراسة أساليبها في التعامل وبعض الأسس التي بنت عليها سياساتها الداخلية في التعامل مع المواطنين، وأدت إلى تنامي بعض الشعور بهذا التصنيف المجتمعي المقيت الذي يعزز التنافر والبغضاء والكراهية بين المواطنين على حساب المحبة والإنصهار والوحدة الوطنية التي تبني الأوطان وتعزز تماسكها وسؤددها، ونحن إذ نطرح هذا الرأي فإننا نهدف إلى ترسيخ المزيد من الإنتماء الوطني وتعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة أي إحتمالات ومخاطر قد يواجهها الوطن.
إن جميع المواطنين هم أبناء الدولة، ولم يعد مُستساغاً أن يتنامى أي شعور بين المواطنين بأن هناك من يدافع عن الوطن ويحمية في مقابل من يستعدي الوطن ويهدده أو يعرض أمنه للخطر، الأمر الذي يتطلب إعادة بناء المناهج التعليمية والتربوية بشكل يعزز الإنتماء الوطني ويصحح المفاهيم، ويعزز الإنصهار في خدمته بعيداً عن أية إنتماءات فرعية، إثنية أو دينية، كما يتطلب ذلك البدء في التفكير الجاد بإعادة توزيع الثروة بين المواطنين وفق عطاءهم وكفاؤتهم، وليس حسبهم ونسبهم، ومعالجة إحتياجاتهم المعيشية والتنموية في مناطقهم بشكل عادل بعيداً عن أي تصنيف مبتسر يفاقم من أعباء هؤلاء ويقلل من إلتزامات أولئك.
لم يعد مقبولاً أن تشهد مناطق بحرينية معينة مستويات عالية من التنمية وتشييد البنية التحتية وفق أعلى طراز ومستوى متقدم، فيما تقبع مناطق أخرى في التهميش والإهمال بسبب تصنيفها مناطق غير موالية ، أو خارج أطر الولاء والإنتماء للدولة، فجميع المواطنين في الإنتماء سواء، حتى وإن وجد من يحمل فكرة مختلفة أو تطلعات مغايرة وربما طموحات جامحة، فإن ذلك لا يبيح التعامل معه كمخرب أو إرهابي أو خارج عن القانون والنظام، مالم يقدم للعدالة ويدينه القضاء أمام محكمة منصفة ومتوازنة تتوفر فيها كل متطلبات وإشتراطات العدالة والإستقلالية والعلنية أيضاً.
إن ذلك يتطلب إعادة النظر في حجم الصلاحيات الممنوحة لبعض الجهات التي قد تأخذ الناس بالشبهة والظنة، وقد تتعامل مع بعضهم وفق قاعدة التصنيف المسبق، فهذه القرية موالية وتلك القرية معارضة، الأمر الذي قد يدفع بعض من ينفذون الإجراءات الأمنية إلى التعامل وفق الأحكام والرؤى المسبقة، محتجين بتوفر إقامة الدعاوى وضمان حق التقاضي، وفق قاعدة إذا كنت بريئاً سوف تثبت براءتك، فالأصل في الأشياء أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته وليس مداناً حتى تثبت برائته، وذلك يتطلب أن تبذل الأجهزة الأمنية المزيد من الجهود الميدانية والتحريات غير المنحازة قبل أن تلقي القبض على أي مواطن.
كما أن المجتمعات لا تبني وفق نشر هاجس الخوف والترقب والشعور بعدم الأمان والقلق ، بل تبنى وفق نشر قواعد الثقة وضمان العدالة ومعايير المساواة تحت سقف الدولة وفي كنف مؤسساتها الموثوقة، فإذا تمكنت هذه الدول من نشر هذا الشعور وتعميمه بين المواطنين، فإنها حتماً ستحتاج إلى رجال أمنٍ من أبناء الوطن أشد ولاءً وأقل عدداً وعتاداً وتجهيزاً، وبالتاكيد لن تحتاج لإستيراد أو التعاقد مع رجال أمن أو شركات أمنية من خارج الوطن غريببن عن عاداته وتقاليده وبيئته وفهم مكوناته، وحتماً سيصبح الناس أنفسهم حُراساً على مكتسبات الوطن التي تخدمهم وتحميهم، وعندها سيرتفع الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والأمنية لدى المواطنين، ولن يتردد أحد في الدفاع عن مؤسسات الوطن ورفض كافة أشكال الفتنة والصدام مع السلطات والجهات المعنية بسبب سوء فهم أو خطئ تقدير.