تحت سقف الدولة .. وفي كنفها - 3
بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
إذا كان للدولة على مواطنيها أن يحسنوا المواطنة ويحفظوا الأمن والنظام والسلم المجتمعي، فإن للمواطنين على الدولة حق الحماية والرعاية وتوفير الأمان وكافة الحقوق الإنسانيه التي أقرتها الشرائع السماوية والأنظمة الأممية وشرعة حقوق الإنسان والعهدين الدوليين، وتطبيق كافة القرارات التي تحفظ كرامة المواطن في دينه وأمنه ومجتمعه وبيئته، كما له أن لا تُنتهك حقوقه وحريته الشخصية وأن يعيش وفق الإحترام المتبادل مع الآخرين دون زيادة أو نقصان، فلا فضل لأحد على غيره بسبب لونه أو عرقه أو دينه ومذهبه أو قربه من أصحاب القرار ومعرفته بهم.
ومن هذا المنطلق لايجوز أن تسمح الدولة ( أي دولة كانت ) لأحد بازدراء الآخرين والتشكيك في ولائهم وإنتمائهم الوطني لمجرد كونه صاحب قلمٍ أو عمودٍ يومي أو مقال محمي أو برنامج تلفزيوني موجه ومدعوم من قبل جهات معينة وفرت له السقف والحصانة التي يستطيع من خلالها توجيه الإهانات والشتائم والطعن في ولاء الآخرين وخصوصياتهم المذهبية والدينية دون حسيب أو رقيب، تحت حجج إفتراضية أو أخبار مختلقة ومزيفة يقوم بتلفيقها هذا الصحفي أو ذاك الناشط من الموتورين، كلما ألمَت بالبلاد أزمة أو عاصفة سياسية أو إجتماعية، هنا يجب على الدولة أن تتدخل فوراً لبسط الأمن المجتمعي وحماية المواطنين من هذا النوع من الفتن، كالتطاول والكيدية المبنية على الرغبة في تحصيل المزيد من المنافع والمكاسب الشخصية تحت دعوى الدفاع عن النظام الذي هو بالأساس ليس بحاجة لهذا الخطاب الذي يهدم ولا يبني الوطن وأمنه وإستقراره.
إن النظام السياسي لأي دولة يجب أن يقوم على حفظ التوازن بين جميع مكوناته، وبمجرد إختلال هذا التوازن فإن هذه المكونات تكون عرضة للإضطرب والقلاقل والصراع فيما بينها وربما تصطدم مع النظام نفسه، إن لم تجد في قراراته الإنصاف والعدالة التي تقرها وتنظمها الدساتير والقوانين والشرعة الدولية المعمول بها، وعليه فإن هذه الدولة مطالبة بحفظ الحق العام والدفاع عنه بشكل كامل وتطبيق القانون بشكلٍ متساوٍ بين الجميع، فلا يُعقل أن يؤخذ البعض بجريرة غيره أو بمجرد وشاية كيدية من قبل شخصٍ ما ويُساق إلى المحاكم والسجون بدون تحقق ومحاكمة عادلة، فيما يُترك مَن يقومون بالتحريض العلني وإساءة الخلق والأدب والتصرف قولاً وفعلاً، يعيثون في الوطن خراباً وفساداً وأذى.
أن نكون جميعاً تحت سقف الدولة وفي كنفها، يعني أن نشعر عملياً وبالقانون بأن مواطنتنا محترمة وحقوقنا محفوظه وغير منتهكة من قبل أي كان، وأن يُحترم حقنا في إبداء الرأي والإختلاف والنقد للأخطاء أو التقصير من قبل الأجهزة الرسمية، ما دام ذلك بهدف التقويم والإصلاح وليس بهدف الإساءة والقدح والذم والإنتقام، وأن لا يُجبر الناس على فحص دي إن أيه (DNA ) لإثبات الولاء والإنتماء في كل منعطفٍ حرجٍ يمُر به الوطن، ذلك أن التنديد أو التلويح بالعقوبات والإستهدافات ومحاكم التفتيش التي شهدها البعض في أزمات سابقة، خلفت مرارات كثيرة لم يتم معالجتها وكانت سيفاً مسلطاً على رقاب كثيرين بسبب انتمائهم المذهبي.
علينا أن نعترف بأن الأزمات التي تمر بها الدول هي نتاج ظروف شارك في صناعتها جميع الأطراف وأولها الدول ذاتها، " كل مشكلة تحتاج إلى طرفين لتنشأ " كما يقول المأثور، وأن بعض هذه الأزمات كانت بسبب إختلال ميزان العدالة الإجتماعية والشعور بعدم المساواة والإنصاف، فالناس لاتخرج محتجة تطالب بشيء متوفر عندها، ولا تُعرِض نفسها وأهلها وطائفتها وقوميتها للمسائلة والصدام مع الأجهزة الأمنية، إذا كانت مؤمنة بأن هذه الأجهزة قائمة لحمايتها وحفظها وإقامة العدالة بالحق والإحسان بين جميع المكونات والطوائف، ولذا إذا حدثت إضطرابات أو إحتياجات في مكان ما، فإن على من يقود الدولة أن يبحث بحكمة عن الأسباب التي تقف وراء تلك الإحتجاجات ويعمل على معالجتها، وليس تجاهلها أو عدم دراستها وتحليلها وإنكار وجودها.
ولا شك أن الجميع سيكون تحت سقف الدولة وفي كنفها وتحت سمائها وأنظمتها إذا وجدوا مؤسساتها وأجهزتها تعاملهم معاملة حسنه وعادلة، توفر لهم إحتياجاتهم وتؤمن لهم الأجواء الإيجابية المحفزة لمزيد من الإلتزام بالقوانين والأنظمة المرعية التي تطبق على الجميع وتقف على مسافة واحدة منهم، تلك هي القواسم المشتركة التي تحقق الأمن والطمأنينة والرضا بين الجميع، بدون إستثناءات تهز من قيمة الأنظمة والقوانين، فإذا تحققت العدالة الإجتماعية تكون هي الشرعة التي تحقق الولاء والنهضة للمجتمع وتحقق التماسك المجتمعي الأفضل.