بقلم : علي صالح
ما ان عاد مجلس النواب من إجازته الصيفية الطويلة حتى زيّن جلسته الأولى بقرارين عجيبين الأول يتعلق بمنع البث المباشر لجلسات العلنية إلى مابعد ساعتين من اختتامها والثاني تقييد حرية المصورين الصحفيين أثناء الجلسة بمنعهم من التصوير من خلال شرفة الزوار وتقليص مدة تواجدهم في الجلسة .
ومن الواضح ان الإجراء الأول الخاص ببث الجلسات يهدف إلى تطبيق رقابة حكومية عليها وتنقيتها من كل عبارات النقد والاحتجاج وربما توجيه اتهامات للوزارات بالتقصير ، وبعبارة أخرى استغلال هاتين الساعتين لتنقية جلسة مجلس النواب وجعلها خالية من الدسم .
هذان القراران اللذان نشرا في الصحف ولم نر اعتراضا اوحتى تعليقا من مجلس النواب عليهما يضافان إلى حزمة من القرارات والتعديلات والتي شملت الدستور واللائحة الداخلية وهدفت إلى تقليص صلاحيات هذا المجلس وبالتحديد تقليل من دوره كممثل للشعب وكسلطة تشريعية ورقابية والإبقاء عليه كظاهرة صوتية حسب وصف المناضل المرحوم عبدالرحمن النعيمي .
وبعيدا عن التطرق إلى هذه التعديلات وهي معروفة وسبق ان جرى انتقادها مرات عديدة فان هذا المجلس الذي جاء به دستور 2002 كان يفترض ان يتولى صلاحيات التشريع والرقابة مثلما تولاها بجدارة المجلس الوطني لعام 1973 .
ذلك المجلس الذي كان يتكون من ثلاث كتل نيابية تتقدم كل منها بمشروعات القوانين أي بممارسة سلطة التشريع كما تمارس سلطة الرقابة بتوجيه الاستجوابات إلى الوزراء واستخدام الأغلبية في إسقاط مشروعات القوانين الحكومية وإجراء تعديلات مهمة على مشروع الميزانية العامة للدولة .
وبالمقابل فان مجلس النواب الحالي وعلى مدى 22 عاما من عمره عانى من التقليص المنتظم والمبرمج لسلطتي التشريع والرقابة حتى غدت مناقشاته تقتصر على مشروعات القوانين التي تتقدم بها الحكومة والتي عادة ماتسير في مجراها سواء وافق عليها المجلس أو لم يوافق ، اماً صلاحيات المجلس التشريعية فقد أصبحت تقتصر على الاقتراحات بقوانين والاقتراحات برغبة وهي الاقتراحات التي تبقيها الحكومة في ادراجها شهوراً واحيانا سنوات ثم تعيدها للمجلس بالرفض أو اجراء تعديلات جذرية عليها تفقدها مضمونها .
هذا في جانب التشريع امًا في جانب الرقابة فقد عمل مجلس النواب منذ عام 2002 على تشكيل لجان تحقيق في الكثير من القضايا الحيوية والتي تهدف إلى الارتقاء بمعيشة المواطن وتوفير فرص توظيفه وزيادة دخله وتوفير الحماية الاجتماعية له .
كما هدفت هذه اللجان إلى إرجاع مساحات واسعة من الأراضي التي استولى عليها اصحاب النفوذ والى إيقاف اومنع دفّان البحر حماية للثروات البحرية والسمكية ، ولجان أخرى تولت التحقيق في ضياع أموال المشتركين والمتقاعدين في التأمينات الاجتماعية وغيرها ..
لكن توصياتها لم تجد اذناً صاغية من الحكومة .
وخلال دور الانعقاد الحالي ضغط المجلس من اجل قيام الحكومة بزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي وغلاء المعيشة والزيادات المتواصلة في أسعار المستهلك وتدني الرواتب والأجور .
حدث ذلك من خلال تشكيل لجنة مشتركة مع الحكومة عقدت اجتماعات كثيرة على مدى شهور توقفت بحلول عطلة المجلس الصيفية وقبلها تعذرت الحكومة بعدم قدرتها على اجراء أي زيادة في مخصصات الحماية الاجتماعية لحاجتها لسد عجز الميزانية العآمة وتسديد الدين العام .
علما بان زيادات الحماية الاجتماعية هو الهدف الوحيد الذي تبقى لمجلس النواب والذي بدون تحقيقه يغدوا هذا المجلس حقا ظاهرة صوتية .
التعديلات على الدستور وإللائحة الداخلية لمجلس النواب أوصلت هذا المجلس إلى العجز عن ادخال أي تعديلات أساسية على مشروع الميزانية العامة للدولة عندما تتقدم بها الحكومة كل عامين وبالأخص على المصروفات المتكررة التي بلغت 3 مليارات و 729 مليون دينار ومصروفات القوى العاملة التي بلغت مليار و478 مليون دينار وهذا وذاك يستحوذان على مجمل ايرادات النفط والغاز .
ومجلس النواب لم تعد له قدرة منذ سنوات على إيقاف تنامي الدين العام الذي بدأ بمبلغ 600 مليون دينار بدون ان يكون هناك عجز في ميزانية الدولة واخذت الحكومة تزيد عليه سنويا مليار دينار حتى لوكان عجز الميزانية 30 مليون دينار والى ان وصل اليوم إلى 18 مليار دينار ولو أضفنا عليه ديون الوزارات والشركات الحكومية المضمونة من الحكومة فقد يصل الدين العام إلى 27 مليار دينار وبما يزيد عن 130في المئة من الناتج الإجمالي المحلي .
وكذلك لم يعد بمقدور مجلس النواب وقف تنامي الدين العام بوضع سقف له بحيث لايتجاوز60 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي كما حاول ذلك عدة مرات خلال عمره المديد وهو يعلم ان الدول الأخرى في العالم قد عملت على تقليص الدين العام بعاملين اثنين اولهما تخفيض المصروفات المتكررة ومصروفات القوى العاملة من ناحية وزيادة الضرائب وخاصة ضريبة أرباح الشركات وغيرها من الضرايب التي تعرفها الحكومة وتتهرب منها بل وتستعيض عنها بفرض ضريبة القيمة المضافة التي تخلت عنها الكثير من الدول لأنها تضر بالطبقة الفقيرة والمتوسطة .
واليوم فلا مجلس النواب يستطيع ان يقول لشعب البحرين إلى أين نحن ماضون في ظل تعقد الوضع المالي والاقتصادي وبهتان معزوفة التوازن المالي ولا هو قادر ان يجبر الحكومة على تقديم حلول مقنعة لتسديد الدين العام المتنامي وإيقاف هدر فوائد هذا الدين التي هي الأخرى في زيادة متواصلة حتى فاقت أو بالأحرى ابتلعت كامل الإيرادات غير النفطية ، بل انه غير قادر على اجبار الحكومة بإعادة علاوة الثلاثة في المائة للمتقاعدين والتي اخذتها الحكومة دون وجه حق كما أخذت ملايين الدنانير من صندوق الأجيال وصندوق التعطل وهي كلها حقوق مستقبلية لشعب البحرين .
فإذا اتفقنا على ان ديمقراطيتنا قد سارت في طريق طويل من التراجعات الممنهجة والمدروسة والتي افقدت السلطة التشريعية مكانتها ودورها في الدفاع عن حقوق ومطالب الشعب .
واتفقنا على ان مجلس النواب اختزل دوره في الاجتماع اسبوعياً وتباري الأعضاء في على اصواتهم ومن ثم قيام مركز الاتصال الوطني بغربلة ماقالوه يوم الثلاثاء ونشر ماتريد الحكومة منه يوم الأربعاء فلنكرر مافعلته دولة شقيقة عندما اعترفت أنها ليست دولة ديمقراطية وأنها يكفيها مجلس شورى معين من أربعين عضو وعندنا مثله ولله الحمد.