بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
تفائل المجتمع المدني كثيراً بالتغيير الوزاري الذي طرأ على وزارة التنمية الإجتماعية، بعد عهدٍ من التضييق والملاحقات التي طالت عدداً كبيراً من كوادر جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مما أدى إلى تذمر واضح في البيئة الإجتماعية الحاضنة لهذه الجمعيات، خاصة تلك التي تم إحالتها للنيابة العامة لأسباب بسيطة، أو لمجرد إختلاف في وجهات النظر بينها وبين الوزارة في تفسير بعض مواد القانون رقم 21 لسنة 1989 الخاص بالجمعيات والأندية والمؤسسات الشبابية.
ورغم الكثير من محاولات التفاهم والتنسيق التي بذلتها مؤسسات المجتمع المدني وخبرائها، وما بذلوه من سعي جاد لتدوير الزوايا والبحث عن حلول وسط، إلا أن طاقم الوزارة أصر على أن يتمسك بتنفيذ القانون بحذافيره كما يقرأه ويفسره، مطالباً الجميع بعرض حججه ودفاعاته أمام النيابة العامة للدفاع عن التهم الموجهة إليهم، تهم تم توجيهها للنشطاء بتعسف في استخدام القانون لرواد العمل الاجتماعي التطوعي والخيري الذين قضوا خيرة سنوات أعمارهم في خدمة مجتمعهم وبلادهم..
لقد قاد ذلك الكثير من النشطاء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني إلى الإبتعاد وإعتزال العمل الإجتماعي والتطوعي بشكل تام، مخافة التعرض للاتهامات والملاحقات القضائية وتشويه السمعة، التي أفضت في كثير من الأحيان إلى حرمان عدد من الشخصيات النشطة من حقوقها المدنية على خلفية الأحكام القاسية التي صدرت ضدها من النيابة العامة، نتيجة الإحالات المستعجلة والمرتجلة والمنفعلة من قبل طاقم وزارة التنمية، حتى غدت الوزارة في نظر الكثيرين مجرد إدارة تحقيق ، وذهبت سدى كافة النصائح والآراء التي قدمها نشطاء وإداريون أجتمعوا أو التقوا مع الوزير مِراراً وطالبوه بأن يتعامل بروح القانون وليس بنصه الحرفي.
لقد أدى نهج وزارة التنمية الاجتماعية خلال الفترة الماضية إلى جمودٍ وخمولٍ شبه تام في أغلب فعاليات وأنشطة وبرامج الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، بل إن هذه الجمعيات لم تخسر العناصر التي كانت تديرها فحسب، لكنها أخفقت في إستقطاب أية عناصر أو كوادر جديدة، وربما مارست نوعاً من التجميد الذاتي والتراجع والتوقف عن العمل على استقطاب أعضاء جدد نتيجة يأسها والإحباطات المتتالية التي أصابتها نتيجة النهج الوزاري الأمني، حتى تحولت أغلب هذه الجمعيات إلى مجرد أطر وهياكل فارغة تنتظر إصدار شهادة الوفاة بعد سنوات من الموت السريري الذي أصيبت به بسبب تعنت الوزارة من جهة، والتعديلات القاسية التي أدخلت على القانون، ومنعت المنتمين للجمعيات السياسية المنحلة أو المشتغلة بالعمل السياسي من تولي أية مسؤوليات إدارية في هذه الجمعيات.
لقد استبشر الجميع خيراً بهذا التغيير الذي قد يكون تأخر قليلاً، لكن وكما يقال (أن تأتي متاخراً خيراً من أن لا تأتي)، ولا شك أن الوزير الجديد سيجد أمامه ملفات صعبة عالقة لدى الوزارة، وعلاقات شائكة مع المجتمع المدني الذي عانى الكثير، حتى أصبح بدون أفق وأمل في الإصلاح، بالإضافة إلى المسؤليات والمهام الإدارية العديدة والتركة الثقيلة التي تنتظر الوزير الجديد، المطالب بالعمل على إستعادة الثقة المفقودة بين الوزارة ومؤسسات المجتمع المدني التي يتجاوز عددها 660 جمعية ومؤسسة، والتي أبدت في جميع المناسبات إستعدادها التام للتعاون مع الوزارة وبرامجها، إلا أن أبواب الوزارة كانت موصدة بأقفال وبإحكام شديد وقبضة أمنية غير مبررة، وفشل مخجل رافق اللقاءات التي أجراها الوزير مع الجمعيات المختلفة، فالاستماع شيء والتفاعل شيئ آخر.
ولا شك أن مؤسسات المجتمع المدني قاطبة تتطلع إلى التعاون مع الوزير الجديد لوزارة التنمية الإجتماعية، وتتوقع منه أن يباشر بتدشين عهدٍ ونهجٍ جديد يُفعّل العمل الاهلي ويستعيد النشاط المجتمعي في هذه المؤسسات التي رفعت إسم البحرين في مختلف المحافل الإقليمية والعربية والدولية خلال العقود الماضية، وحتى قبل تشكيل الجمعيات السياسية التي جاء بها عهد الإنفتاح والإصلاح، ولنا أن نتصور مقدار القوة التي يمكن أن يشكلها المجتمع المدني من خلال فرضية أن كل جمعية تضم متوسط عشرة نشطاء مستعدون للتعاون والتفاعل مع الوزارة ونهجها الجديد.
ولا شك فإن ذلك سيوفر للوزارة الموقرة مخزون كبير من الخبراء المجتمعيين في كافة ميادين العمل الأهلي والاجتماعي يزيد عددهم على 6500 متطوع، فإذا نجحت الوزارة في الإستفادة من هذا الكم الهائل من الخبرات، فإنها حتما ستتمكن من تنشيط المؤسسات المجتمعية وإعلاء راية الوطن في المجال الاجتماعي والتنموي ، خاصة وأن مملكة البحرين الآن بصدد تفعيل رؤية 2050 والتي دعى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر مؤسسات المجتمع المدني إلى التفاعل معها وإبداء الرأي والملاحظات حولها بهدف ترسيخ أسس نجاحها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، في حقبة تؤكد على أهمية الشراكات المجتمعية بين القطاع الحكومي والخاص والأهلي لإنجاح رؤى التنمية كما جاء في الهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة.
من هنا فإن المجتمع المدني يتطلع لأن يقوم الوزير الجديد الشاب بالمبادرة إلى عقد لقاءات وحوارات مباشرة مع مختلف مؤسسات وجمعيات المجتمع الأهلي من أجل استكشاف آفاق التعاون والتنسيق معهم، والتعرف على تصوراتهم للخطوات المطلوبة من أجل تسهيل عملهم ورفع العراقيل التي تعيق نشاطهم، كما يتوقع من الوزير الجديد أن يبادر إلى إجراء تدوير وتغيير إداري لبعض العناصر والوجوه والكوادر المؤزمة والمتعنتة في الوزارة التي ربما تكون قد ساهمت في تعميق الفجوة مع مؤسسات المجتمع المدني.
فهذه الوزارة هي أحد أهم واجهات العمل الإجتماعي الذي يتصل بجُل الأفراد والأسر في المجتمع البحريني، ولابد من أن يكون كوادرها على درجة عالية من الخبرة والتجربة والقدرة على التعامل المرن مع هذا الطيف الواسع من نشطاء المجتمع المدني والخبرات التي يكتنزونها ويوظفونها لانجاح جمعياتهم ومؤسساتهم، عندها ستنجح وزارة التنمية في أن تكون واحدة من أهم أدوات الحكومة الموقرة لكسب رضا المواطنين وإستحسانهم، والله ولي التوفيق.