قدم الناقد الدكتور عباس حسن القصّاب عدد من التوصيات لتطوير المسرح البحرين في " الندوة الفكرية .. مهرجان البحرين المسرحي الثالث " الأربعاء الفائت بقاعة متحف البحرين الوطني ، مسببا بان هنالك قلة قليلة من النقاد الأكاديميين المتخصصين في المسرح، وعددهم لا يتجاوز عدد أصبع اليد الواحدة، والتوصيات كالتالي :
- إعداد نقاد مسرحيين من خلال دورات وبرامج تدريبية يقوم بها النقاد المتخصصون في النقد المسرحي.
- تخصيص ملحق خاص في الصحف المحلية مهتمة بالمسرح.
- تشجيع النقاد البحرينيين وتحفيزهم.
- ابتعاث الطلبة الراغبين في النقد المسرحي إلى الدراسة بالخارج في الجامعات والمعاهد المعترف بها.
- إنشاء قسم أكاديمي في جامعتنا الوطنية خاص بالدراسات المسرحية.
وقدم القصاب موجز تاريخي عن تاريخ المسرح البحريني الذي بدأ بالمدارس منذ 1941.
يقول المرحوم الدكتور إبراهيم غلوم "لم تكن التجربة المسرحية في البحرين طوال سنوات العقدين السادس والسابع من هذا القرن تفتقر إلى وضوح تجربة المؤلف المسرحي أو المخرج المسرحي فحسب، بل قد ظلت شخصية الناقد المسرحي أيضا غائبة غيابا يكاد يكون مطلقا عن تلك التجربة ... حيث لا يمكن للنقد أن يؤصل فلسفة أو حركة جمالية كانت أم أيديولوجية إلا من خلال وجود سياق شامل من الإرث في مجال الفكر والأدب والفن".
ولا يبتعد الأستاذ قاسم حداد عن الدكتور غلوم في هذا الرأي إذ يقول "بالرغم من الإنجازات التي حققتها الحركة الأدبية الجديدة في البحرين، إلا ان النقد الأدبي لم يتمكن من موازاة هذه الحركة الجديدة، إلى ان يقول فمن المتوقع ألا يتوفر النقد المسرحي الذي يسهم بفعالية حقيقية في الحركة المسرحية الراهنة".
وألقى الدكتور غلوم اللوم على الصحافة المحلية في توتير العلاقة بين تجربة الناقد وتجربة المبدع، وذلك لأن النقد الصحفي يومئذ اعتمد على منهج الكتابة الصحافية حيث يلقي الأحكام الجاهزة، ووقوفه موقف الأستاذ المتعالي بمعارفه، وأخذ يتعامل مع النصوص والأعمال المسرحية المحلية على أنها تمثل ثقافة ضحلة لا ترتقي إلى ما يحيط به من ألوان الثقافة، وبالتالي أصبحت كل الجهود المسرحية عرضة للتشهير والازدراء.
تجارب نقدية مسرحية بحرينية
يمكن اعتبار كتاب (المسرح البحريني: التجربة والأفق) للأستاذ قاسم حداد أول دراسة نقدية مسرحية لا أقول عنها منهجية، ولكنها دراسة مهمة توضح التجربة المسرحية في البحرين بما تحمل من مراحل تاريخية وخصائص وسمات فنية.
كان نقد الأستاذ قاسم حداد صريحا لاذعا إلى حد كبير أحيانا في تناوله الأعمال المسرحية، أو الكتابات المسرحية، لأنه يرى أن النقد لا يهادن أحدا، فمثلا يقول عن إحدى مسرحيات المرحوم الأستاذ راشد المعاودة: "اختلطت على المؤلف بعض المفاهيم ولم يميز بين الكوميديا التي هي فن مسرحي راق، وبين التهريج الذي اعتاده في هذه المسرحية".
ومن أبرز النقاد المسرحيين في البحرين الدكتور محمد الخزاعي، وهو من أوائل النقاد المسرحيين الأكاديميين، وله عدة مؤلفات نقدية، وهي عبارة عن مقالات متفرقة عن الفن المسرحي في البحرين وخارجها، ومن كتبه (دراسات في الأدب المسرحي)، وتناول فيه الحلقة المفقودة في تطور المسرح العربي، ويخلص إلى أن "الدراما في الأدب العربي قد أضاعت فرصتين لتتطور من خلال شكلين جنينيين محليين هما خيال الظل والتعزية".
وله كتاب آخر أيضا بعنوان (رابعة الساحرات ومقالات مختارة)، ويضم بعض الموضوعات المتكررة في كتابيه السابقين، وركز فيه كثيرا على المسرح العالمي.
ومن الكتب النقدية أيضا كتاب مهم جدا للأستاذ أحمد عيسى الشملان بعنوان (مقالات في المسرح)، تحدث عن الحركة المسرحية البحرينية ومسار أعمالها وملامح تلك التجربة، وقد تناول عددا من العروض المسرحية المختلفة، ومن ضمنها مسرحيات الأطفال.
ومن الكتب التي تناولت النقد المسرحي في البحرين كتاب (الزمن النحت السرد: قراءات في تجربة عبدالله السعداوي المسرحية)، من إعداد الأستاذ حسام توفيق أبوأصبع، وهي مجموعة من المقالات المختلفة التي تتناول فن السعداوي قد نشرت في صحف محلية وخارجية، ويلاحظ في تلك المقالات التي كتبها عدد من النقاد والفنانين البحرينيين والعرب، ويبدو في معظمها الإشادة بالأستاذ عبدالله السعداوي وحصوله على جائزة الإخراج في المسرح التجريبي العالمي بالقاهرة على مسرحية (الكمامة).
وهناك مجموعة من المؤلفات والكتب المسرحية، بجانب النصوص المسرحية، التي تتناول تاريخ المسرح وتوثيقه بالصور والوثائق المختلفة، مثل مؤلفات الدكتور محمد السلمان في كتابيه (خمسة عقود من اللؤلؤ) و (ملامح تاريخية من المسرح البحريني: المسرح التربوي)، وكتاب المسرح في البحرين عن سلسلسة المختصر المفيد في المسرح العربي الجديد، وهنالك مؤلفات تناولت السير الفنية لعدد من الفناين مثل: محمد عواد فنان لكل العصور، وإبراهيم بحر : إذا القوم قالوا من من فتى، والفنان عبدالله وليد، ورحلة فن وألم : تغطية فنية وحياة فنان بمناسبة تأبين الفنان الراحل محمد الهدهي، وكتاب عبدالله يوسف، وكتاب راشد المعاودة: الإبداع في حب الوطن.
وهناك عدد من الكتاب والفنانين الذين يتناولون العروض المسرحية وقضايا المسرح البحريني في الصحف المحلية والخارجية مثل الدكتور راشد نجم، والأستاذ حبيب آل حيدر، والصحافي في صحيفة البلاد الأستاذ أسامة الماجد والفنان خالد الرويعي، والفنان أحمد جاسم والفنان حسين عبدعلي، وغيرهم.
أنموذج الدكتور إبراهيم غلوم في النقد المسرحي
الدكتور إبراهيم غلوم فكانت كتاباته منهجية وأكاديمية بحتة تتسم بالطابع النقدي العميق، واللغة الأكاديمية العلمية الرصينة، والدقة في استعمال المصطلح النقدي، والرؤية الفكرية الواسعة، والتي ينطلق منها عادة في نظرياته النقدية، ورؤاه الفنية، ولا بأس من تتبع بعض ومضاته النقدية، حيث دراسة المنهج النقدي لأستاذنا الدكتور غلوم بحاجة إلى دراسة مستفيضة وعميقة وجهد عظيم، وقد تناول بعض الباحثين كما قال لي دراساته كرسائل ماجستير أو دكتوراه خارج المملكة.
بدأ الدكتور غلوم كتاباته النقدية المسرحية مبكرا في الصحف المحلية، وكما مر لقد أثارت كتاباته انتباه حداد وأعجب بها، ورآها بداية النقد الأدبي للمسرح، وهو كذلك فعلا، حيث يتصدر الدكتور غلوم المشهد النقدي المسرحي في الوطن العربي، ويعد أحد أعلامه المتقدمين.
وقد وضع لنا ما يقارب سبعة كتب في المسرح وعددا من الدراسات والمقالات، تمثل مشروعه النقدي في المسرح، فهي لم تكن مؤلفات عشوائية، بل كانت ممنهجة تسير في رؤية واضحة يريد بها الوصول إلى مشروعه النقدي.
وممكن تقسيم النقد المسرحي عند الدكتور غلوم إلى قسمين رئيسين بشكل إجمالي عام، أولهما: النقد المسرحي التأصيلي النظري، وهو الأكثر حضورا وأهمية لديه، حيث يسعى إلى إيجاد صيغ تأصيلية للمسرح من أجل فهم حقيقة هذا الفن ومدلولاته وأثره، وقد تناول قضايا مسرحية كثيرة في كتبه ودراساته النقدية الأكاديمية، والنقد التطبيقي السوسيولوجي، ولا شك أن (كتابه ظواهر التجربة المسرحية البحرينية) الذي يعد ثاني كتاب يتناول التجربة المسرحية البحرينية يعطي صورة حية تبين منهجية نقدية واضحة مرتبطة بموضوعات الدراسة كلها، حيث تناول في الفصل الأول البداية المسرحية في الخليج العربي بين التأصيل وترف البداية، مركزا فيه إلى درجة كبيرة على تجربة الأستاذ إبراهيم العريض الشعرية المسرحية المتمثلة في مسرحيتيه وامعتصماه وبين الدولتين، بينما يبحث في الفصل الثاني مظاهر المعاناة الاجتماعية في تجربة المسرح الاجتماعي، ثم الفصل الثالث الاتجاه إلى النصوص العربية والعالمية، ثم بقية الفصول الأخرى.
وحينما يتناول الدكتور غلوم العمل المسرحي، فهو يعتمد كثيرا على تفكيكه من الداخل، وتحليله معتمدا على إرجاع الحدث الدرامي إلى البنى الاجتماعية والنفسية التي تخرج من صميم العمل، ومداها كأثر فني في العمل، مستعملا الأسلوب النقدي المتزن غير الانفعالي البعيد عن الإساءات والتحبيط.
ومن أبرز الكتب التي ألفها كتاب (المسرح والتغير الاجتماعي في الخليج العربي) الذي يعد واحدا من أهم المراجع في دراسة المسرح الخليجي، وخصوصا في التجربتين الكويتية والبحرينية، اللتين تعتبران متقدمتين نسبيا، وممكن جدا أن تنسحب على بقية دول مجلس التعاون باعتبار التشابه في البدايات المسرحية، إلا أن تلك المتغيرات تكون أوضح في الكويت والبحرين لتشابههما في الوضع الثقافي والعلمي والانفتاح الحضاري، وكثيرا ما قال عن كتابه هذا، وهي أطروحته للدكتوراه إنه بحاجة إلى إعادة دراسته من قبل الباحثين، لأن فيه قضايا إلى الآن مع الأسف لم تطرق، وتستدعي الحاجة إلى إعادة بحثها ودراستها بعمق أكثر؛ لأنه يفسر فيه الكثير من الظواهر المسرحية الخليجية المتوالدة من حركة المجتمعات الخليجية، والمنسلة من الواقع الاجتماعي خصوصا، وما يتعلق به من تلمس الحركة الثقافية المصاحبة للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في دول الخليج، وبالذات فيما يتعلق بتدفق النفط ونشوء الطبقات الاجتماعية والثقافية وغير ذلك.
كما ألف الدكتور كتبا نقدية مهمة جدا، وقد تناولت بمجهر النقد الشامل لعدد من أعمال الشخصيات المسرحية الكبيرة، حيث ينطلق كما هي عادته من المنطلق البنيوي في دراسة إبداع تلك الشخصية مثل كتاب (مسرح إبراهيم العريض: دراسة نقدية) وامعتصماه، بين الدولتين، حوار. وكتاب بنية الكوميديا الهزلية: دراسة لتجربة الكاتب والمخرج المسرحي الكويتي عبدالرحمن الضويحي وتوثيق لمسرحية انتخبوني، وآخر كتاب نقدي مسرحي مهم جدا هو كتاب مسرح القضية الأصلية: البنية الفكرية في مسرح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهناك مؤلف أيضا بعنوان المسرح الموازي، وهو يضم مجموعة أبحاث نقدية سابقة جمعت في هذا الكتاب.
هنالك قضية كبرى تشغل الأستاذ الدكتور الراحل أبعد من المسرح وهي قضية الوعي القومي والثقافي والتنوير التي يتجاوز فيها النص والأجناس، إذ يعتبره هاجسا بنيويا تكوينيا، والبحث في كيفية إنتاجه، وهذا ما استدعاه إلى البحث فيما يسميه بالوعي التاريخي أيضا؛ لا لاستعراضه، وإنما إلى نقده واستقصائه.
لمشروعه النقدي المسرحي ملامح بارزة بوضوح في كتبه.
الناقدة الدكتورة زهراء المنصور
الدكتورة زهراء لها حضور نقدي بارز، ونحسب أنها لم تعط الفرصة الكافية لإظهار ما عندها من رؤى نقدية وفنية متقدمة، وربما انشغالها بالدراسة أثر في ذلك الحضور، ولكن لها صيتها في الداخل والخارج؛ لما تتميز به من ثقافة مسرحية وذائقة فنية وأسلوب مهذب في النقد المسرحي.
للأستاذة زهراء مقالات عدة وربما أوراق عمل كثيرة شاركت فيها في مختلف المهرجانات المسرحية محليا وخارجيا، وهي بطبيعة الحال تميل إلى الجانب التطبيقي، على الرغم من توقفها قليلا عند الندوات التطبيقية (النقدية) إذ تستبعد كونها نقدية، حيث تراها انطباعية لافتقادها الأدوات النقدية الصحيحة في التعاطي مع العروض المسرحية.
وأعطت رأيا صريحا في رأيها بالنسبة إلى النقد النظري الذي لا تميل إليه أيضا قائلة: "ما اميل للنقد النظري رغم أهميته وضرورة الاستناد عليه طبعا كخلفية اساسية للنقد التطبيقي، أميل الى الاشتغال بمقاربات حياتية قريبة لواقع القارئ حتى اضمن أن فكرتي تصل لجميع المستويات، لا أطمح لمتلقي متخصص فقط وسعادتي حقيقية حين أرى قراء مهتمين خارج الوسط المسرحي يناقشون معي ما اكتب"، وقد قاربت ذلك في مقالة رزينة وهادئة كعادتها بعنوان (المتن والهامش من الندوات النقدية المسرحية).
ولكن للأمانة قرأت لها ورقة مهمة جدا في النقد النظري، حيث تصدر آراءها النقدية في الفن المسرحي بكل أريحية وثقة فيما تطرح، ولها ورقة جديرة بأن تلقى طريقها للنشر بعنوان (لم على الناقد ان يموت؟ في مديح غياب الميزان)، وفيها مقاربات جد مهمة حول ماهية النقد ووظيفته، وتناقش بروية استشرافات الدكتور نادر كاظم، والغذامي وغيرهما في نظريات نقدية مهمة كموت المؤلف، وموت النقد، وموت الناقد، وربما موت المتلقي قريبا.
وعودة إلى نقدها التطبيقي التي ترى نفسها فيه، فلها بصمة واضحة وبارزة في كتاباتها النقدية التي تتسم بالموضوعية المطلقة، وبعيدا عن الانفعال أو الاستعراضات الفارغة، فأسلوب كتابتها يعتمد دائما على التمهيد لمقاربة الحدث الدرامي، وتركز على مقدمتها باعتبارها المدخل النقدي للعمل سواء كان نصا أم عرضا، ثم تتناول تحليل البناء الدرامي؛ متكئة على التكثيف التحليلي، مندغمة مع العمل نصا أو عرضا أو كليهما في حيثياتهما وحبكتهما وطريقة عرضهما، وتأخذ دائما بعين الاعتبار عناصر العرض المسرحي، ولو بإيجاز، حيث يكون تركيزها منصبا أكثر على الحدث الدرامي والبناء الدرامي، مستدلة بما تراه بأسلوب لبق وراق، وإن لم تتفق مع ما شاهدته أو قرأته، فالدكتورة زهراء تمتلك ثقافة عامة ومسرحية ودرامية من الطراز المتقدم، إذ كثيرا ما تستدل على ما تراه بأعمال أخرى، كما يظهر من كتاباتها النقدية في عدد منها الانحياز إلى المرأة والذود عنها من خلال مقارباتها النقدية، كما أن الدكتورة زهراء تتميز بلغة سليمة مركزة رصينة.
وتتميز الدكتورة زهراء بالبراعة في التحليل النصي وكشف أبعاده وتفسيره مستعينة بأدوات نقدية لا لبس فيها، وممكن أعطي مثالا في مقالتها التحليلية (الببغاوات ملت من ترديد كذب الحرس)، التي تناولت فيه نص (الببغاوات) للكاتب المصري المسرحي إبراهيم الحسيني، وطرحت أسئلة مهمة في استكشاف النص بقولها "كيف للببغاوات أن تسكت إن لم تكن تتكلم أصلا"، وهي تفسر ذلك بعبثية الصراعات البشرية بكل أشكالها.
كما أنها تحرص على أن تكون واضحة في تناولها النقدي، صريحة في تعاطيها مع المادة المنقودة، ولذلك تقف موقف المترقب في التباسات مهام المؤلف والمخرج والسينوغرافي وربما التمثيل حينما تختزل في شخص واحد، إذ ترى أن النجاح ربما يكتب لها في بعضها، لكن تكرار النجاح قد لا يتماثل مع التجارب التي تأتي بعدها.
سلكت في مقالاتها النقدية المسرحية مسالك عدة، فهي عادة على الأقل فيما أتذكر أنها تخصص كل مقالة بمنهج نقدي مناسب للمنقود، فتستعمل أدوات النقد الفني (الدرامي) في دراسة عرض مسرحي ما، وتارة تستعمل أدوات النقد الأدبي في دراسة نص ما، وقليلا ما تجنح إلى التنظير، كما أنها انتهجت النقد الثقافي في بعض معالجاتها النقدية، مثل (أدرينالين السرطان يأتي من الخارج)، وتوجت دراساتها وبحوثها برسالة الدكتوراه المهمة (حضور السود في المسرح الخليجي: الآخر من منظور الدراسات الثقافية)، حيث انتهجت منهجية النقد الثقافي، وما يتميز به من أنساق مضمرة، غاصت في أعماقها الدكتورة زهراء لتكشف المستور مسرحيا.
القضية النقدية في فكر الدكتورة زهراء
فيما جاء من رؤى نقدية في مقالها الذي ذكرته سابقا بعنوان (لم على الناقد ان يموت؟ في مديح غياب الميزان)، طرحت أسئلة مهمة وإشكالات مستحقة في ماهية النقد المسرحي المختلف عن النقد الأدبي، في ردها على الدكتور نادر كاظم الذي قال "أنه لم يعد للنقاد من يقرأهم سوى النقاد أمثالهم.."، وهي تقول في ردها "ويمكننا تأويل جزء من هذا القول إلى أهمية تتبع الباحث والناقد لأحدث ما كتب في مجال تخصصه، سواء كان داخل المجال الأكاديمي أم أنه يمارس النقد من باب "الغواية" التي لها أصولها وإتقانها أيضاً. لكن هل حقاً النقد الناتج عن الأعمال الفنية والأدبية، موجه لهذه الفئة "فقط"؟ إن التصور المنطقي والعودة إلى التاريخ - كما أسلفنا - يؤكدان أن النقد عملية تكاملية مع العملية الإبداعية في الآداب والفنون، ولولاه لما عرفنا ما يجب تقويمه حسب وجهة النظر المحايدة المدربة. فلا يلزم الكاتب أو المخرج بالانصياع للناقد أو التقيد بما كتبه عن منتجه تحديداً، إلا بما يتناسب مع وجهة نظره الفنية. ولعل هذه العملية مكرسة بالمسرح أكثر من الأدب مثلاً، لما تختص به التجربة المسرحية من إعادة عرض وإمكانية تغيير ما يمكن أن ينتقص من التجربة الفنية المتكاملة. ورغم هذا، لا يكون هذا النقد موجهاً للمخرج والمؤلف وبقية طاقم العمل، بل للجمهور المتابع، والذي ينبغي الارتقاء بذائقته دون وصاية أو تحديد، ويكون هذا عن طريق الندوات التطبيقية بعد مشاهدة العرض المسرحي، عبر معقب رئيسي - يفترض أن ينتقى بعناية - ويحمل مسئولية نقل الفكرة والتحليل والتفكيك، كما تقتضي الأصول المسرحية، دون أن يكون هذا نقداً بواسطة القواعد* التي تحتم أن يوفر الناقد معياراً يعرف بها الجودة الفنية ويقيسها، على أن تكون مناسبة للعمل الفني، بحيث يمكن استخلاص القيمة وتحديد إلى أي مدى استطاع العمل الفني الاقتراب من الهدف المعياري، وبالطبع غير مسموح للناقد هنا أن يمزج بين إحساسه أو التعاطف الجمالي مع الفن بالعمل والمعيار الذي وضع من أجل التقدير".
وفي مقالة أخرى بعنوان "من هي أجمل امرأة؟ تربأ بأن يكون الناقد عدواً وقناصاً يتصيد السلبيات والأخطاء ويتغافل عن أي جمال ومتعة ورسالة قد يبعثها العرض في سياقاته المختلفة، وتقول إن نمطية صورة الناقد خلقت نوعاً من الدفاعيين المتحفزين - لا إرادياً - في سبيل التثبيت على سلامة أعمالهم الفنية، وإن كانوا في قرارة أنفسهم أدركوا الخطأ بعد مشاهدة العين الفاحصة وتحليلها، فتميل النزعة إلى التركيز على الناقد وشخصنة مادته على الالتفات لما قيل ومحاولة الاشتغال عليه، أو حتى التفكير به من أجل تحسين التجربة. كما أنه لا يمكن أيضاً تجاوز أهمية الأسلوب الذي يأتي على تفريق الجيد والسيء، بغير إجحاف للجهد المبذول والتقليل من شأن الآخرين، الذين يكونون قد بذلوا ما بوسعهم، وكل ما يتمنون سماعه في ذلك الحين هو الثناء ولا شيء غيره. وللاعتبارات الانسانية؛ يحق لهم ذلك بالكامل، دون تناسي أن لا شيء مطلق، لا الإيجابي ولا السلبي في اللعبة المسرحية التي نحضر للاستمتاع بالمشاهدة، ولاحقاً نفكر فيما قد تنطوي عليه من معانٍ وأفكار تثار في دواخلنا.
وترى أن يكون النقد عنصراً مسرحياً موجوداً كما العناصر الأخرى التي تكمل العرض المسرحي، فـالنقد ليس طلاقة لغوية خالية من المضمون، ولا تعرية لأخطاء الزملاء، ولا النظر إليهم بفوقية تراتبية العمل المسرحي، ومن الحكمة أن يدرك الناقد أن قواعد الإبداع ليست ثابتة، وبالتالي يجب تقبل التغيير بمنطق الفن والزمن، ولولا هذا لما تعرفنا على التجارب العبثية التي قدمت في الخمسينيات من القرن الماضي، بحكم مغايرتها لما كان يقدم وقتها، لكن نباهة ناقد مثل مارتن أسلن عززت الشكل المسرحي وأبرزت جمالياته التي لم يلتفت إليها أحد.
حضور السود في المسرح الخليجي: الآخر من منظور الدراسات الثقافية
تتبوأ هذه الدراسة مكانة بارزة من حيث جدة موضوعها وأهميتها في الشأن الثقافي الخليجي، وذلك من خلال تسليطها الضوء على المسكوت عنه في الثقافة الخليجية بشكل خاص، المتمثلة في المسرح المتعلق بالنظرة إلى الأسود في السياق المجتمعي، والسياق الثقافي.
انتهجت هذه الأطروحة المميزة الدراسات الثقافية التي تتكئ على العلوم الثقافية ومختلف ميادين الدراسات الإنسانية لترسم لنفسها مجموعة من المناهج والنظريات المعرفية. واستندت على مجموعة من الخطوات التحليلية والمفاهيم النظرية والمصطلحات الإجرائية لمقاربة النصوص والخطابات الثقافية فهماً وتفسيراً، لتحليل صورة الأسود وحضوره.