وصية نوح للشعب البحريني، بعدما قرر الالتحاق بالثوار في فلسطين: (الكلام ما عاد ينفع مع هؤلاء الصهاينة الجلادين، وحان موعد الجهاد). وكان طلبه الأخير من البحرينيين (إذا لم تجاهدوا في فلسطين بالنفس، فجاهدوا بالمال).
أشار كل من المؤرخين مبارك الخاطر في كتابه (نابغة البحرين)، وخالد البسام في كتابه (فلسطين أهم من المطبعة)، وكذلك الكاتب أحمد العبيدلي في مقال له بصحيفة الوقت البحرينية. أشاروا إلى دور وحياة الشهيد الفلسطيني نوح إبراهيم أثناء عمله في مطبعة عبدالله الزايد في البحرين. وقد اعتمد (ويكيبيديا) على هذه المصادر وغيرها في البروفايل الذي أعده لتاريخ وحياة ونضالات نوح إبراهيم. وهو المرجع الذي اعتمدناه في هذا التعريف عن حياته في البحرين.
نوح من مواليد مدينة حيفا الفلسطينية، حيث عمل في أحد مطابعها فترة دراسته في المدرسة الإسلامية، وبعد ذلك تم إرساله في بعثة إلى مدرسة دار الأيتام في القدس حيث تعلم هناك تجليد الكتب وبناء الصناديق الكرتونية فضلاً عن الطباعة. وحسب ما ورد في الويكيبيديا، بدأ نوح حياته النضالية والعمالية بعد تخرجه، إذ عمل في شركة الدخان في حيفا، وكان في الشركة ينشر تعاليم النضال والجهاد، ويغرسها في نفوس العمال حتى نجح في تنظيم كثيرين منهم في جماعة الشيخ عز الدين القسام. ثم قرر العمل في مجال الصحافة والإعلام، فسافر إلى يافا ليعمل محرراً في الصحافة التي كانت تصدر فيها. كما ساهم في تأسيس المطبعة التجارية الأهلية في حيفا. وفي عام 1934 انتقل نوح إلى العراق للعمل كخبير فني في إحدى مطابع بغداد.
نوح في مطبعة الزايد بالبحرين
خلال تلك الفترة، قرر عبدالله الزايد، تاجر لؤلؤ بحريني تعرضت أعماله للتراجع، ففكر باستثمارِ قدراتهِ الفكرية والأدبية في إحضار مطبعة إلى البحرين في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، لذلك أرسل صديقه راشد الجلاهمة إلى بغداد لهدفين: الأول التدرّب على أعمال الطباعة، حيث مكث راشد سبعة أشهر يتدرّب في مطابع بغداد، وأما الأمر الثاني فهو إحضار خبير في الطباعة من بغداد ليقوم بتدريب الفريق البحريني الذي سيعمل في المطبعة، فوقع الاختيار على نوح إبراهيم الذي وافق على العرض وسافر مع راشد الجلاهمة إلى بلاد اللؤلؤ بالمركب الشراعي الكبير المقبل من البصرة إلى فرضة المنامة، مرتدياً ثوبهُ الأبيض العربي الذي كان دائماً يصر على ارتدائه.
بعد وصوله إلى المطبعة اكتشف نوح أنه الوحيد الذي يعرف تشغيل آلات الطباعة الحديثة، لذلك بدأ بتدريب البحرينيين على آلات الطباعة وكيفية التعامل معها. وخلال الأشهر الثلاث الأولى استطاع نوح تدريب العديد من العمال في البحرين، ليكون هناك طاقم بحريني كامل من صفافي الحروف والطبّاعين أمثال: عبد الرحمن الحسن، عبد الرحمن عاشير، محمد الجودر، أحمد فليفل، مصطفى بوعلاي، عبد الله المناعي وغيرهم. ومن ثم قام بوضع نظام العمل في المطبعة، وقام بتوزيع العمل بين طبّاع، معاون، عامل بقسم التجليد، عامل بقسم الورق وعامل بقسم التسطير. فأحبه من عمل معه، وتسابقوا في استضافتهِ في بيوتهم ومجالسهم.
قصائد نوح في مدح البحرين وأهلها:
بالرغم من العمل الشاق في المطبعة إلا أن روحه الشاعرة جعلته يحرص على حضور جميع المجالس في المحرق والمنامة التي دعي إليها ليُسمع الحاضرين أناشيده وأهازيجه الوطنية عن فلسطين والثورة ضد الاستعمار الإنجليزي الداعم للهجرة الصهيونية لفلسطين، فراحت المجالس تتنافس على حضورهِ لسماع أناشيدهِ المميزة وروحه المرحة التي عرف بها. خلال هذه الفترة كتب نوح أيضاً أشعارًا وأهازيج خاصة بالبحرين، حيث يقول في أشهرها:
بحرين يا بلاد اللؤلؤ
بحرين منج من طولوا
نخلج طويل بيشفي العليل
والروح تفداك
...
بحرين إحنا جيناك
نحب انفرفش بهواك
تكرمين الضيف
في الشتاء والصيف
كما يظهر في هذه الأبيات، كانت حياة نوح مريحة في جزر اللؤلؤ، وراح يرسل رسائل إلى أصدقائهِ وأهلهِ في بغداد وحيفا، يصف عمله الجديد والحياة المريحة والبلاد الخلابة.
لكن مع عشية انتهاء العام الأول من عمله في المطبعة التي بدأت في طباعة أول صحيفة أسبوعية في الخليج برئاسة عبد الله الزايد، صاحب المطبعة. بدأت أخبار ثورة 1936 الفلسطينية تصل إلى البحرين. وبالرغم من استقرارِ وضعهِ في جزر اللؤلؤ ونهضة المطبعة تجارياً، عزم نوح على حزم أمتعته والالتحاق بالثوار ومحاربة الإنجليز والصهاينة في فلسطين، كما أوضح لصديقه راشد الجلاهمة (ما عاد ينفع الكلام مع الصهاينة الجلادين)، حان موعد الجهاد. ووجه نصيحته للشعب البحريني قائلاً (إذا لم تجاهدوا بالنفس لفلسطين، جاهدوا بالمال).
استشهاد نوح وهو يقاوم الإنجليز:
خلال عمله في يافا، التحق نوح بعز الدين القسام، وكان يرافقه في رحلاته إلى المدن والقرى الفلسطينية. وفي عام 1931 أسس مع رفاقهِ عصبة من الكشافة، أطلق عليهم الشيخ عزالدين القسام «عصبة فتيان محمد الأباة» وتولّى نوح التدريب والتثقيف لهذه الجماعة، فكان يعلم الأشبال استعمال السلاح، ويحفّظهم الأناشيد الوطنية.
أما بعد عودته من البحرين، وبعد وفاة القسام بعام، اشترك تنظيم «عصبة محمد الأباة» في الثورة، وتحوّل إلى تنظيم سري يحمل الاسم «عشيرة خالد» حيث راح يجمع التبرعات، ويمد الثوار بالسلاح. وكان لنوح إبراهيم دوره الفاعل والرئيس في تعاون القادة القساميين ليكون تحت إمرة قائد واحد فيما يسمى بالجماعة الجهادية.
وقد تبنّت الجماعة منهج الكفاح المسلح. زجّت حكومة الاستعمار البريطاني نوح إبراهيم في سجن المزرعة وذلك في فبراير عام 1937. ثم في سجن عكا. وذلك إثر انتشار أنشودته «دبّرها يا مستر دل» بها خاطب بسخريّة الجنرال دل عند تعيينه من قبل بريطانيا كالقائد العام للجيش البريطاني في فلسطين لقمع الثورة. وبعد الإفراج عنه، استمر نوح يقاتل ويقارع الاستعمار والحركة الصهيونية من جهة، ويؤلف القصائد والأهازيج الشعبية وينشدها من جهة أخرى، حتى أصبحت هذه القصائد شوكة في حلق سلطات المستعمر البريطاني الغاصب، فقررت منعها وتداولها وذلك في فبراير 1938. حيث أصدر مراقب المطبوعات البريطاني في فلسطين قراراً يمنع فيه السماح بنشر أو طبع قصائده.
استشهد نوح في عمرٍ لم يتجاوز الـ 25 عامًا بعد التحاقه بالثورة حاملًا سلاحه، فضلُا عن قلمه وصوته. فبينما كان ذاهباً لزيارة أقاربه في قرية مجد الكروم، يرافقه ثلاثة من رفاقه، رصد الإنجليز تحركهم، وفاجأتهم قوة عسكرية بريطانية مدعومة بأسراب من طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني، فسقط نوح شهيدًا مع رفاقه الثلاثة وذلك في مساء يوم الجمعة أول يوم من رمضان عام 1357 هـ الموافق الثامن والعشرين من أكتوبر 1938 وألقى الإنجليز جثثهم في بئر. حيث جاء أهل القري وحملوا جثث الشهداء ودفنوهم في قرية طمرة. وقد أقيم لهم نصب تذكاريّ في القرية عام 1986.