بقلم : محمد الانصاري
يبرر بعض الناس كسلهم بل وحتى فشلهم بأعذار لا غاية منها إلا ذر الرماد في العيون ، وإيجاد أسباب لحفظ ماء وجههم، وهي في الواقع أقل ما يقال عنها تافهة وواهية ، فالناجون كلهم واجهتهم تحديات و عراقيل لكن كافحوا وأوجدوا الحلول للتغلب عليها.
يوماً ما كنت مع مجموعة من الأصدقاء ، ومن بيننا شخص متميز جداً في حرفة النجارة لمستوى الابداع ، فضلاً عن إمكانياته الكبيرة في التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية وبكل طلاقة، هذا الرجل ورغم تجاوزة الأربعين من العمر وللأسف لم يعمل حتى يوماً واحدً في حياته ، ينام طول النهار ويسهر طول الليل و يعتمد على والديه المتقاعدين في الصرف عليه وعلى زوجته وابنه الذي هو الآن في الصف السادس.
سألت صاحبنا لماذا لا تعمل أو تنشىء مشروعاً صغيراً تسترزق منه ؟ ، ما هي مشكلتك ؟ ، فنحن أصدقائك وإننا على استعداد لتقديم المساعدة اللازمة لك ، فبدأ لمدة نصف ساعة يشرح لي وللآخرين انه ضحية الطائفية و ضحية العمالة الوافدة و ضحية الرسوم والضرائب و ضحية طمع رجال الأعمال ، كما قال لي ان ظروف المنطقة حالياً لا تشجع على المجازفة بفتح مشروع ، وان العمل لدى الآخرين فيه مذلة وظلم له و لجهوده ، لقد أعطاني كل المبررات التي تجعله ينام حتى العصر.
في هذه الأثناء إتصل بي صديق قديم وهو بائع الأسماك السيد جواد وعرض علي ما لديه من أسماك ، وقد إشتريت منه كما إشترى منه شخصين آخرين من الحاضرين عندما سمعوني أطلب إحتياجات بيتي وبسعر جيد ومضمون ، كان مجموع مشترياتنا يفوق ٦٠ دينار بحريني ، وقد قام السيد بتوصيلها لنا دون أن يتكاسل ويسوق المبررات للجلوس و التقاعس رغم أنه يتيم الأب و يتكفل بالصرف على والدته وأخوته و وزوجته وأبنائه .
الخيار متروك للإنسان اما أن يستسلم للحياة و يضعف أمام العراقيل التي قد تواجهه ، أو يصمد ويكافح و يحفر في الصخر للوصول لغايته دون انتظار مساعدات الناس و عطفهم عليه ، هذا العطف الذي يفقده شياً فشيئاً كرامته و إحساسه و يجعله بين الناس منبوذاً و منظوراً له بعين الدونية لأنه اختار أن يعيش عالةً على المجتمع.
في المقابل فإن السيد جواد المكافح و أمثاله من الشباب كثر في كل مكان ومجتمع ، بغض النظر عن مقدار دخلهم و مستوى معيشتهم ، هم فخر البلد ، وهم صناع المجد ، و هم أصحاب الكرامة ، هم أمثاله النضال من أجل الكسب الشريف ، وهم مصدر فخرنا ، حيث تبقى سيرتهم مضرباً للأمثال في الخير والعطاء و العزة والكرامة.