بقلم : محمد حسن العرادي - البحرين
لا شيء يبقى على حاله، فالتغيير سنة الحياة، ومن لا يقبل التغيير بشكل طبيعي يجبره الزمن على التغيير، وربما يتم استبداله بصورة كاملة، فيجد نفسه خارج السياق، تتسرب القرارات من بين يديه دون أن تكون له إرادة في ذلك، ولا شك أن الشان السياسي مثلة مثل كافة الشؤون الأخرى، فمن يرى نفسه اليوم في موقع القرار، قد يجد نفسه غداً أو بعد غد غير قادر على التأثير، وربما لا ينتظر منه أحد حتى مجرد رأي عابر أو استشارة غير ملزمة، ويتساوى في ذلك الأمر والمآل الساسة الحاكمون والساسة المعارضون والموالون ايضا، فجميعهم قابل للتغيير بالتخطيط أو بدونه.
لذلك تضع أغلب الدول نصوصاً دستورية وخططاً وبرامجاً وأنظمة محددة لتداول السلطة وانتقالها من عهد إلى عهد، أو من قائد إلى آخر أو من طبقة إلى طبقة أو من جيل إلى جيل وفق آليات متفق عليها، وكلما كانت هذه الآليات واضحة ومرسومة بدقة وبطريقة قابلة للتنفيذ وانتقال للسلطة بطريقة سلسة، كلما كان هذا النظام أكثر استقرارا وأكثر استمرارا في الحكم، وأقل عرضة للهزات السياسية العنيفة، من هنا نجد أن الأنظمة الملكية بصورة عامة أكثر استقرارا، من الأنظمة الجمهورية التي قد تشهد صراعا على السلطة بواسطة الإنقلابات وقوة السلاح في كثير من الاحيان وليس بقوة الإحتكام لصناديق الإقتراع.
لكن الأنظمة التي تجمع بين النظام الملكي المستقر والمتوافق على رأس الحكم وآليات تقاسم إدارة شئون الحكم، في نظم "الملكية الدستورية" هذا الانظمة أكثر قدرة على الموازنة بين الطموح والتغيير والإستقرار، وفي كثير من الأحيان فإن الأنظمة التي تلتزم بآلية تجديد نفسها وشبابها ونهجها الحكومي، وتهتم بنقل السلطة بسلاسة من جيل لآخر وفق آليات متناسقة متوافق عليها، تكون أكثر قدرة على البقاء والصمود في وجه التيارات السياسية المعارضة القائمة التي تسعى للتنافس على السلطة أو تعزيز حصتها فيها.
وربما يكون عجز هذه التيارات بسبب تمسكها بقياداتها القديمة المتكلسة "التي عجزت عن تحقيق منجزات مشهودة على مدى عقود من الزمن"، وبصورة عامة فإن الحكومات تبدو أكثر جرأة وأكثر قدرة على إحداث التغيير من الداخل في منطقتنا العربية، خاصة إذا كانت هذه الأنظمة لا تلتزم بأيدلوجية عقائدية مقارنة مع التيارات السياسية التي تتمسك بالنظريات الأيدلوجية وتعتبرها الحل السحري للتغيير نحو الأفضل، حتى لو ثبت فشلها الذريع والمريع، ويتساوى في ذلك تيارات الإسلام السياسي او التيارات القومية واليسارية.
وأحسب أن ما حدث في البحرين وسط الأسرة الملكية الحاكمة هو أنها تنبهت لأهمية إجراء التغيير بصورة هادئة بدل الجمود وعدم مواكبة المتغيرات المتلاحقة، لذلك بادرت إلى اختيار طريقها بالارادة الحرة في تجديد عناصر القوة لديها بهدوء وعن طيب نفس في خطوة استباقية تتطلب رؤية مستقبلية بعيدة، فتنازلت عن الهيكلية السابقة في تركيبة الحكومة وقدمت نسخة معدلة خفضت بها حصة العائلة الحاكمة ورفعت حصت المكونين للمذهبين الأساس (الشيعة والسنة) في توازن غير مسبوق تجاوز الاتهام باحتكار السلطة.
لقد تجنبت العائلة الحاكمة عبر هذه الخطوة الذكية جداً إمكانية إتهامها بالاستفراد بالسلطة إلى حد كبير، وربما منعت أن يجد أحداً ما مبرر لمحاولة فرض التغيير عليها بالقوة أو بحجة المطالبة بتعزيز المشاركة مع المكونات المجتمعية، وإلى جانب ذلك قامت الحكومة بتجديد شبابها بصورة شبه كاملة، وجاءت بوجوه جديدة كلياً مع الاحتفاظ ببعض الوزراء المخضرمين، ربما لبرهة من الزمن ريثما يحين موعد تغييرهم أيضا، وهي في ذلك نجحت في تغيير صورة المشهد، وخلقت واقعاً جديداً لم تتمكن التيارات السياسية مسايرته أو مواكبته مهما إدعت أو اعتقدت.
لقد دخل إلى الحكومة عدداً كبيراً من الوجوه الجديدة التي تحمل فكراً شاباً متحفزاً، حتى أصبح متوسط أعمار الوزراء في البحرين من أصغر متوسط الأعمار في الحكومات العربية، ولم تكتفي الحكومة بذلك بل سارعت إلى إعتماد آليات التغيير المبنية على التجربة والممارسة حتى بالنسبة للوزراء الجدد الذين جاءت بهم، ثم وجدتهم غير قادرين على مجاراة المشهد، فسنت سنةً حميدة باستبدال الوزراء او احالتهم للتقاعد إن عجزوا عن التعاطي مع المستجدات، وهو أمر حسن يضعنا أمام سياسة وفلسفة جديدة مختلفة عما شهدناه خلال الخمسين سنة الأولى من عمر الدولة ما بعد الاستقلال.
إن الإشادة بعملية التغيير لدى الحكومة لا تعني الجزم بأن هؤلاء الوزراء الشباب هم بالضرورة أفضل الخيارات المتوفرة بين الكفاءات البحرينية، لكنه يعني أن هناك قراراُ نتج عن وعي ورغبة في التغيير وصولاً للأفضل، بعكس المشهد في أوساط التيارات السياسية (الجمعيات السياسية) بشقيها المعارض والموالي، فالقيادات في هذه التيارات لم تتغير منذ زمن، أو إنها غير قابلة للتغيير الا ببطئ شديد، الأمر الذي يجعل مواقفها جامدة ومتخشبة إلى درجة كبيرة، وغير قادرة على تقديم البدائل التي تستطيع تدوير الزوايا والتماهي مع المستجدات الحكومية، ومجارات برامجها وآلياتها تتواكب مع حاجة المجتمع لوجوه شابه قادرة على صناعة قرارات ومسارات جديدة، وأهمها التواصل والمصالحة مع الحكومة ذاتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال، لماذا تمكنت الحكومة من تجديد شبابها، بينما تتشبث قيادات التيارات السياسية ببقائها في مواقعها ومقاعدها، رغم أنها فشلت في تقديم قيادات جديدة ولو جزئياً، بعيداً عن الحجة التي إعتدنا عليها والقائلة بأن الحكومة هي السبب لأنها لا تتيح لهذه التيارات الفرصة لتغيير قياداتها وتربية كوادر جديدة، أعتقد بأن السبب الحقيقي هو إصرار القيادات التاريخية لهذه التيارات على التمسك بمواقعها رغم ان بعضها قد بلغ من العمر عتيا، وهي غير قادرة على تبرير فشلها في تغيير سياساتها بما يشجع الأجيال الجديدة على الإلتحاق بتنظيماتها وتياراتها وهياكلها السياسية، وفي انتظار أن تمتلك التيارات الجرأة للإجابة على هذه التساؤلات يبقى الوضع على حاله.