بقلم : عبد النبي الشعلة
صداقة حميمة وأخوة راسخة وعلاقة متينة جمعتني لسنوات طويلة بعميد عائلة المؤيد الكرام المرحوم فاروق بن يوسف المؤيد، الذي استجاب لدعوة ربه وانتقل إلى جواره وتحت ظلال رحمته يوم أمس، بعد أن قضى حياة مليئة بالإخلاص في العمل والإنجاز والبذل والعطاء.
لقد عرفت المرحوم ورأيته بين أفراد أسرته؛ رب أسرة رؤوما عطوفا حنونا، ورمزا للوفاء والتفاني والإخلاص لهم، وعرفته مثالا للإنسانية وحسن التربية وأصالة المعدن، ودائم السعي لخدمة من حوله ومعاملة الجميع بحب واحترام.
عرفته عنوانا للنجاح؛ فقد استطاع بجهده وتفانيه ورؤيته الثاقبة أن يترك بصمات لا تُنسى في حياته المهنية والاجتماعية؛ فلم يكن فقط رجل أعمال ناجحا، وإداريا متمكنا متمرسا بل كان رائدا في دعمه للأعمال الخيرية والأنشطة التطوعية ومساندة المحتاجين.
برحيل فاروق المؤيد فقدت البحرين علما من أبرز أعلامها، وفقد الوسط التجاري والاقتصادي عمودا من أصلب أعمدته، وفقد المجتمع البحريني واحدا من ألمع وأبرز وأكرم رجالاته وأكثرهم أريحية وبذلا ووفاء وعطاء وحبا لعمل الخير.
عرفته رحمه الله وطنيا وفيا مواليا، يعشق البحرين أرضا وقيادة وشعبا، ويغار عليها ويحرص على سلامتها واستقرارها ووحدتها الوطنية، ولا يوجد في نفسه أو قلبه مكان للكراهية والبغضاء والشقاق والتفرقة بأي شكل من أشكالها.
وفي ميادين التجارة والاقتصاد، رأيته كما رآه الجميع، في مقدمة المؤسسين والمشاركين في تأسيس العديد من المشاريع والشركات التي ساهمت في تطوير وتعزيز الاقتصاد البحريني، وكان دائم الهم والاهتمام بتوسيع النشاط الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل للبحرينيين؛ وكان شديد الحرص على تأهيل واستيعاب وتوظيف الأيدي العاملة الوطنية.
ولم يوفر الفقيد أي جهد للمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني وفي ترسيخ سمعة البحرين ومكانتها المرموقة في المشهد الاقتصادي، وذلك من خلال عضويته في عدة لجان ومنظمات ومنابر، من بينها مجلس التنمية الاقتصادية وعضوية اللجنة الاستشارية لغرفة تجارة وصناعة البحرين، الذي كان عضوا في مجلس إدارتها من قبل، وغيرها من المؤسسات والمنظمات.
رأيته كما رآه الجميع كيف نجح في تطوير وتنمية مؤسساته الخاصة، وبالقدر نفسه نجح في تطوير وتنمية الشركات والمؤسسات العامة التي يشارك ويساهم فيها؛ فكان على استعداد دائم لإدارة دفتها من خلال عضويته أو رئاسته لمجالس إدارتها، بحيث أصبح عدد منها يتربع على قمة أكبر وأنجح الشركات الوطنية وأكثرها ربحية، وعلى كل المنابر وفي كافة المجالس والهيئات كان المرحوم يتمتع بثقة وتقدير واحترام شركائه وزملائه.
رأيته كما رآه الجميع في مقدمة الداعمين لمشاريع وبرامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، كما لعب دورا ملحوظا في المساهمة في تأسيس وإدارة العديد من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بمختلف جوانب النشاط التطوعي وخدمة المجتمع.
برحيل فاروق خسرت البحرين أحد أعلامها المضيئة، وخسرت أنا شخصيا أخا وصديقا غاليا، إن لفراق الأصدقاء والأحبة لوعة وألما عميقين قاسيين لا يخفف من وطأتهما ومرارتهما سوى الإيمان بمشيئة الله سبحانه وتعالى واسترجاع بعض الذكريات الجميلة التي جمعتنا بمن نحبهم ونعزهم، ومنها ذكريات الرحلة البحرية الممتعة التي قضيناها بين شواطئ وعدد من مدن وموانئ البحر الأبيض المتوسط؛ فقد كنا مجموعة من الأصدقاء وزوجاتنا؛ من بيننا المرحوم فاروق وزوجته، وفي إحدى الأمسيات وعلى أحد أسطح الباخرة، وتحت ضوء القمر في السماء الصافية، وبالقرب من الأنوار المشعة في مدينة بورتوفينو الإيطالية، تحيط بنا الشموع المضيئة والألوان الجميلة وألحان الموسيقى العذبة جلسنا جميعًا لنحتفي ونحتفل بعيد ميلاد الصديق العزيز فاروق تغمرنا جميعًا الفرحة والبهجة والسرور والتمنيات له بالصحة والعمر الطويل المديد، ولم نكن نعلم أن كليهما لن يطولا لأكثر من بضعة أشهر، فإنا لله وانا اليه راجعون.
وستبقى ذكرى فاروق المؤيد حاضرة في قلوبنا جميعا، وإرثه الإنساني والمهني شاهدا على حياة مليئة بالمحبة والعطاء والإنجاز، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.