عريقات في كتاب عناصر التفاوض بين علي وفيشر: ما قام به عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري مفاوضات وليس تحكيم 3-3
استعراض كتاب الراحل د صائب عريقات بعنوان : عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر
الامام علي : معاوية قد خرج من عناصر الشرعية والإلتزام والمصلحة وإستبدلها بعناصر المنافع الدينوية والشخصية
عريقات : نؤكد بأن علياً كان منتصراً اذا قيست الأمور بمقياس سقف الشرعية الذي التزمه من أول الأمر إلى أخره .. حتى إستشهد
الدولة عند الامام علي حاجة واقعية لكل الناس والتساوي على أساس الشرعية وهو نقطة للإرتكاز بين جميع الناس والمواطنة تقوم على التسليم واليقين والتصديق والإقرار
الكتاب " عناصر التفاوض بين علي وروجر فيشر" الذي بين أيدينا ليس كتاباً دينياً ، بل هو كتاب سياسي بإمتياز ، أسقط فيه المؤلف " الدكتور صائب عريقات " الأمثلة والشواهد والأحداث كعينة جريئة لإثبات صحة نظريته، والكتاب هو دراسة علمية مقارنة بين عناصر التفاوض السبعة التي حددها المفاوض الأمريكي روجر فيشر (وهو دكتور بجامعة هارفورد الأمريكية في ذات المجال) وعناصر التفاوض الإثني عشر عند الأمام علي بن أبي طالب ، التي أثبتها الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، وهي عبارة عن مقارنة بين السلوك التفاوضي الغربي والسلوك التفاوضي العربي - الإسلامي .
القصاص من قتلة عثمان ،،،
بعد إستلام الإمام علي الحكم ، جاء طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام يطالبونه بالقصاص من قتلة عثمان بعد البيعة وهم في المسجد، اذا اعتبروه بأنه جزء من الشرعية .
على الرغم علمهم أن القوة على الأرض بيد المتمردين والقتلة، وهذا الأمر يعلمه الجميع ، ومع ذلك قال الإمام علي: أن هؤلاء لهم مدد وأخشى إن فعلنا ذلك بهم تنقلب علينا الدنيا .. وكيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ،، وان الناس مختلفة على هذا الأمر ، لذا فالانتظار حتى يهدأ الناس وتقع القلوب موقعها وتؤخذ الحقوق فإهدؤوا عني وإنظروا ما يأتيكم ثم عودوا .
لم يغير هذا الكلام بني أمية وبينهم والي الشام معاوية بن ابي سفيان ، الذي رفض مبايعة الإمام علي ، وإشترط أن يأخذ بثأر عثمان وأن يقتص من قاتليه، وإعتبر تأخير ذلك تعطيل لكتاب الله.
نقول إجتهد معاوية، وصحيح أنه لم يطلب أن يبايع كخليفة، بل إشترط المبايعة بقتل قتلة عثمان .. لكن الآية التي كان يستخدمها معاوية تشير إلى أن ولي المقتول له الحق بأن يعفو عن القاتل ، أو أن يأخذ له الأمير القصاص، فطالب الدم وإقامة الحد، إن لم يعفو عليه أن يذهب إلى الحاكم بعد أن يكون قد بايعه أولا ثم يطلب القصاص منه، فكيف يمتنع معاوية من المبايعة ثم يطلب القصاص من الإمام علي ؟.
فالعقوبة في دين الإسلام لا تكون إلا من ولي الأمر المعترف له بإقامة الحدود، لكن الإمام علي إستخدم فن التفاوض والعناصر الإثني عشر في هذا الجانب ، ووظفها لصالحه ، وهي من صفات القائد والمفاوض قد تم توظيفها لجمع الأمة وبدء مرحلة الإعداد والبناء للقضاء على الفوضى والفلتان وتعدد السلطات، وكان على معاوية المبايعة وعدم العصيان .. وما فعله معاوية لا يجوز اصلا.
الجميع يعرف بأن كبار المهاجرين وعددهم 700 شخص دخلوا بيت عثمان للدفاع عنه بالسيف، لكنه أمرهم بالذهاب إلى بيوتهم .
كيف يمكن أن يكون الإمام علي قاضياً مميزاً في الأمة عند الرسول وعند الصحابة ، دون أن يكون قد تمكن من جميع العناصر التي حددها للتواصل والمفاوضات؟ واذا كان طلب القصاص يتم من ولي الأمر ، فكيف يطلب القصاص دون مبايعة الأمير؟
عزل الولاة ...
في مسألة القصاص من قتلة عثمان ، إتخذ الإمام علي قراراً بوجوب التريث والبدء بعملية إعادة البناء والتنظيم بهدف إنهاء الفوضى والفلتان، وتكريس وحدانية السلطة وإنهاء كافة مظاهر تعدد السلطات وفي الوقت نفسه ومع إدراك الإمام علي لحالة الضعف التي تعيشها الدولة الاسلامية ، قرر عزل معظم الولاة في خطوة إصلاح إداري شبه شامل، والقرار يعتبر خطوة جريئة ولكن السؤال ،،،
لماذا لم يتريث الإمام علي بهذا القرار ، مثلما تريث في مسالة القصاص من قتلة عثمان ؟
فالمعيار هنا يتمثل بالقدرة وعدم توفر الإمكانيات فكيف يتخذ قراراً يعزل الولاة ومنهم معاوية بن ابي سفيان مع معرفة الإمام علي بأن هذا القرار قد لا يُنفذ ؟ ولا يوجد لديه القدرة على تنفيذه، مما سيؤدي إلى المزيد من العصيان والفلتان وتعدد السلطات ؟؟ وقد تم نصحه بذلك لكنه رفض .
بعد عزلهم سيقولون: أخذ هذا الأمر بغير شورى، وهو قتل صحابنا، ويؤلبون عليه فينتفض عليه أهل الشام وأهل العراق.
ويرد الامام علي : الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعُمال عثمان ، فوالله لا أولى منه أحد أبدا ، فإن قبلوا فذلك خير لهم ، وإن أدبروا فلهم السيف .. فقرر عزل والي الشام، وأيضا والي اليمن والبصرة والكوفة ومصر.
مفاوضات الرسائل ..
- رسائل الإمام علي الى معاوية ، تبدأ بعنصر الشرعية (انه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ) ، والبيعة واجبه عليك وعلى كل المسملين فالقوم إجتمعوا وبايعوني وأصبحت إماماً لهم .
- تدعوا الرسالة معاوية إلى الإلتزام ، لا يوجد مبرر لعدم البيعة
- تُذكر الرسالة معاوية بمصلحة الأمة
- تحث معاوية الإحتكام للمسؤولية والحكمة ، والا البديل سيكون القتال والحرب
- لا إختلاف معه وجوب القصاص من قتلة عثمان ، والعدل سيأخذ مكانه
- تأكيده على الشرعية ، عبر الرسائل .
عناصر الامام علي في عزل معاوية ...
أن معاوية قد خرج من عناصر الشرعية والإلتزام والمصلحة وإستبدلها بعناصر المنافع الدينوية والشخصية، فالمسألة عند معاوية كانت إستمرار حكمه وولايته ومُلكه، وهو كان يدرك بأن إستقرار الأمور يعني في النهاية المطاف عزله، وبالتالي ليس ذلك لصالحه .. لذا فإن رد معاوية ساهم في نجاة قتلة عثمان من القصاص.
ادارة الفتنة والمفاوضات مع معاوية :
الأول : موقعة الجمل
السيدة عائشة عندما سمعت خبر قتل عثمان قالت (وردني أن عثمان قتل مظلوماً ، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر ، فطالبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام، فيجتمع طلحة والزبير والولاة المعزولين في بيت عائشة ويتفقون على مغادرة مكة الى البصرة للتجهيز والتمويل ومعهم 600 ألف شخص، وكانت المواجهة، فلماذا لم يستطع الإمام علي تفادي المواجهة العسكرية ؟
مواقف الامام علي ..
الإمام علي يرسل إبن عمه عبد الله بن العباس ويطالبه بلقاء الزبير بن العوام وهو ذو الطبيعة اللينة ويبلغه " يقول لك إبن خالك، عرفتني بالحجاز وأنكرتني في العراق ، فما عدا مما بدا " أي كيف تبايعني بالحجاز وتحاربني بالعراق .. إنها أداة التفاوض، الإتصال والإلتزام بالشرعية .
كما خطب الإمام علي قبل موقعة الجمل وقال: فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جانبه، مالي ولقريش ، والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس وأنا صاحبهم اليوم .
بعد معركة الجمل ..
قتل في معركة الجمل 10 الاف مسلم ، وكانت المعركة لصالح الإمام علي ، ورفض توزيع الغنائم من المهزومين فكان ردهم : تحل لنا دمائهم ويحرم علينا أموالهم !! فكان رد الإمام علي الدبلوماسي التفاوضي: القوم أمثالكم ، فمن صفح عنا فهو منا ونحن منه.
اي حتى بعد الإنتصار ، يتسلح بعنصر الشرعية والإلتزام والعلاقات والإتصال والصبر والثبات والمتغيرات والقيادة والمسؤولية والعلم والمعرفة والعدل ، وهو يوظف خياراته ويدرك البدائل، ويعرف أن مصلحة الدولة الإسلامية يتطلب الوحدة و إنهاء الفتنة .
مفاوضات صفين ..
بعد معركة الجمل، وعدم بيعة معاوية ، لا يريد الإمام علي مواجهة عسكرية أخرى بين المسلمين ، ووظف عناصر التفاوض الإثني عشر مع معاوية للوصول الى هذه الأرضية المشتركة ، والشام هي البلد الوحيد الذي لم يبايع واليه للإمام علي، فأرسل الامام علي جرير بن عبد الله الى معاوية بالشام للمبايعة وتفادي الحرب ط، وهو يعرف أنه رافض لذلك ، فكرة الإمام علي بأنه من الضروري إختيار الخيار الأول بالتفاوض وإعطاء الفرصة لمعاوية بالعودة للشرعية، لكنه طالب بالثأر لمقتل عثمان دون مبايعة الحاكم الشرعي.
معاوية يستند الى الآية : ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ الاسراء 33
الآية تشير إلى أن لولي القتيل أن يعفو ، أو أن يطالب الحاكم الشرعي بالقصاص ، أي لابد من وجود حاكم شرعي ، قبل البت في أخذ القصاص ،،، وهو ما أحرج معاوية .
إستمر الإمام علي في المفاوضات دون كلل ، وأن القتال ليس خياراً ، وعدم بدء القتال ، لكن معاوية وجيشه وصلى الى أرض صفين وسيطرا على نهر يغدي المنطقة بمياه الشرب وقام بقطع الماء عن جيش الإمام علي، وبدأت المناوشات حول الماء والقتال المتقطع .
فأرسل الإمام علي مبعوثاً جديداً وهو صعصعة بن صوحان ، وجاء في الرسالة: إنا جئنا كافين عن قتالكم ، حتى نقيم عليكم الحجة، بعثت إلينا مقدمتك، فقاتلتنا قبل أن نبدأكم ، ثم هذه أخرى تمنعونا الماء ؟.
(جيش الامام عاد وسيطر على المياه وسمح لجيش معاوية الشرب).
أدرك الإمام أن معاوية يمارس الإملاءات وليس المفاوضات ، ولا خيار أمامه إلا القتال ، وأن معاوية أغلق كل الأبواب إلى الوصول لإتفاق عبر المفاوضات.
وقد بدأ القتال بين الجيشين عنيفاً لمدة 10 أيام ، وكان القتال لصالح الإمام علي ، تدَخَل عمرو بن العاص وإقترح رفع المصاحف، ثم نقول لهم التحكيم بيننا وبينكم ، ونفرق شملهم ، فوافق الإمام علي لحقن الدماء .
مفاوضات أم تحكيم ؟
إن ما قام به عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري كان مفاوضات وليس تحكيم ، والخلاف كان حول الشرعية، فالإمام علي حصل على البيعة ورفض معاوية مبايعته إلا بعد القصاص من قتلة عثمان .. في البداية ، ولكن صعد موقفه بطلب من الإمام الاعتزال، وشبيها بصلح الحديبة، رفض بن العاص كتابة (ما قاضى عليه علي بن ابي طالب أمير المؤمنين) اذ قال هو أميركم وليس أميرنا.
ادى السلوك التفاوضي لأبي موسى الأشعري الى تغييب حقيقة كون الإمام علي وجبت طاعته على معاوية ومن معه، وحدثت انشقاقات من قبل مجموعة عرفت باسم الخوارج ، أدى إلى إضعاف موقفه وأدى في النهاية الى قتله، فقد إتخذ الخوارج موقفاً دون حق وبينة، معترضين على موقف الإمام علي، ومتخذين من قبوله التحكيم ذريعة لخروجهم عليه مغتنمين الفرصة وإنشغال الخليفة بالمشكلة مع معاوية .
نتائج مفاوضات التحكيم ..
لم يكن القتال حول الخلافة ، كان على توقيت المبايعة قبل وبعد أخذ القصاص .. وتم الاتفاق بين الطرفين عمرو بن العاص وابو موسى الاشعري على مايلي :
1- وقف الحرب بين الجيشين لمدة عام
2- أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه ، الإمام علي امير المؤمين ومعاوية والي الشام
3- يترك تحديد الخلافة الى مجموعة من الصحابة يكون فيهم الإمام علي ولا يكون بينهم معاوية وبن العاص .
موقف الامام علي من نتائج مفاوضات التحكيم ..
معظم الروايات تشير إلى موافقة الإمام علي على هذه النتائج وأهمها وقف الإقتتال .. ولتحديد أفضل بديل ، أدى ذلك إلى خروج عدد من أفراد جيشه والخروج عليه، إنهم الخوارج، ثم جاء الخوارج بمبدأ " لا حكم الا لله ، فقال علي : نعم
قالوا له وهم مخطئون : تُب من خطيئتك وإرجع عن قضيتك واخرج بنا الى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا .
فرد الامام : لقد أعطينا مواثيقنا على وقف القتال وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً ، وللعلم لقد عارضتكم على ذلك فعصيتموني، لقد قدر للإمام علي أن يقتل على يد الخوارج ، وبعد وفاته بايع الناس الإمام الحسن ، وكان أن اتصل بمعاوية بعد ستة أشهر من مبايعته، جاء معاوية إلى الكوفة وتمت مبايعته من الحسن والحسين وتبعهما الناس واصبح معاوية خليفة المسلمين.
من هنا نؤكد بأن علياً كان منتصراً إذا قيست الأمور بمقياس سقف الشرعية الذي التزمه من أول الأمر إلى آخره .
الإمام الحسن لم يعتزل عن الخلافة، إنما قبل عقد الهدنة بشروط لم يستطع رفضها معاوية ، والشروط تصب في تثبيت الشرعية للإمام الحسن ومن بعده لأخيه الحسين وسلب الشرعية عن معاوية وإبنه يزيد .
الخاتمة وأهم الاستنتاجات ...
إن الدولة عند الإمام علي حاجة واقعية لكل الناس، والتساوي على أساس الشرعية هو نقطة الارتكاز بين جميع الناس، والأعمال الصالحة هي الصفة المشتركة لما يتوجب أن يقوم به الحاكم والمحكوم ، فالحاكم لا يأتي بالوراثة بل يأتي بمبايعة الناس وخيارهم الحر ، وتكون الطاعة واجبة له ما التزم بأحكام الشرعية ، فالحاكم ليس صاحباً للسلطة وإنما قائماً عليها.
والمواطنة تقوم على التسليم واليقين والتصديق والإقرار والأداء والناتج يجب أن تكون فيه الأعمال الصالحة لخدمة الدولة ومكانتها.
والعدل أساس العلاقة بين الناس والدولة وبين الناس بعضهم البعض والعلاقة بين الدولة والدول الأخرى.
https://www.delmonpost.com/post/del-82
https://www.delmonpost.com/post/del-79
انتهى