فيلم المتبقي , عائد الى حيفا هو فيلم اخر مختلف ويستند الى روايه الشهيد غسان كنفاني لكنه لايلتزم بنص الروايه كاملا. بل يحدث في سياق عرضها سينمائيا الى احداث تغييرات جوهريه لاتتفق برايي مع متن الروايه.
ويقوم التحوير هنا في سرديه الاحداث وبنيتها الاساسيه مما يترتب عليه مسارا اخر للفيلم والثيمات التي يطرحها. الفيلم االسوري خلافا للفيلم الفلسطيني يقدم صفيه بانها ام سعيد وليس زوجته .
كما ان حبكته تتمحور حول بطوله ومأساه د. سعيد, كطبيب في حيفا خلال أيام الكارثه التي عاشتها اثر الهجوم الوحشي للعصابات الصهيونيه بشراكه كامله لقوات الاحتلال البريطانيه لاجبار فلسطيني حيفا على مغادرتها الى المنفى ,حيث يستشهد سعيد وزوجته لطيفه فيما كانا يحاولان الرجوع لبيتهما واخذ طفلهما فرحان.وهنا فانه يجري انقاذ فرحان من قبل عائله مسيحيه , جيران د سعيد وزوجته لطيفه في ذات العماره ,عندما تسمع بكاؤه.
بعدها يعود سياق الاحداث شبيها بالفيلم الفلسطيني ,حيث تستولي عائله صهيونيه , البولنديان يورام كوشين وزوجته هانا , على منزل د. سعيد وزوجته لطيفه ,بقرار من قبل مندوب الوكاله اليهوديه والذي يقوم عنوه باخذ الطفل فرحان من العائله الفلسطينيه الى العائله الصهيونيه متوافقا مع رغبتهم حيث ان الزوجه اليهوديه عاقر.وهنا فان فكره الفيلم تتمحور حول اختطاف فرحان من قبل جدته ام سعيد بالحيله ان امكن لذى تعمد ان تكون مربيته المستخدمه من قبل الزوجين اليهوديين . وهنا يدخل عنصر العمل الفدائي حيث ابوسعيد القادم من غزه الى حيفا هو احد قاده المجموعات الفدائيه في حيفا. يخطط وينفذ ابوسعيد عمليه لاختطاف فرحان بمساعده جدته ومربيته صفيه من قبل الفدائي غسان لكن العمليه تفشل . وهنا يطرح الفيلم تطورا مثيرا يتمثل في عمليه فدائيه لتفجير قطار منطلق من حيفا الى تل ابيب محمل بالجنود والاسلحه لتنفيذ عمليه عسكريه ضخمه ضد الفلسطينين, ومن المقرر ان يستقل الزوجين يورام وزوجته هانا والطفل ومربيته سلمى ومسؤؤلين كبار بينهم شمعون قائد القوات الصهيونيه السابق ذات القطار .وهنا يتدخل ابوسعيد القائدالفدائي لاقناع زوجته بعمليه مزدوجه بحمل شنطه ملغومه لتفجير القطار والهروب من القطار حامله فرحان. وهو مايحدث لينتهي الفيلم بتفجير القطار وقفز صفيه حامله الطفل فرحان من القطار لتستشهد صفيه ويسلم الطفل من موت محقق. وهذا افتراق مهم عن مسار الروايه والفيلم الفلسطيني.
فيلم المتبقي عائد لى حيفا, هوفيلم انتاج إيراني سوري مشترك ,من انتاج شركه سيما الفنيه لصاحبها سيف الدين داوود وإخراج سبق الله دواود وتمثيل جمال سليمان والذي يمثل فيه دورالطبيب سعيد وسبق ان مثل دور دوف في الفيلم الفلسطيني ,و انتج في عام 1996 . وقد صور في مدينه صافيتا على الساحل الشمالي السوري لتشابه طبيعتها مع طبيعه حيفا. شارك في التمثيل نجوم السينما السوريه فمثلاجمال سليمان مثل دور د. سعيد و جيانا عيد مثلت دور لطيفه زوجه سعيد وام طفلهما فرحان ,ومثل غسان مسعود دور شمعون ومثل علاء الدين كوكش دور أبو سعيد ومثلت سلمى المصري دور صفيه ام سعيد ومثل بسام كوسا دور اليهودي البولندي يورام ومثلت صباح بركات دور زوجته هانا وغيرهم. اما الفنيين فهم من السورين وبعض الفلسطينين .وقد رصد للفيلم إمكانيات ماديه وتقنيه وبشريه اكبر بكثير من تلك التي توفرت للفيلم الفلسطيني.
يطرح الفيلم منذ البدايه الصراع المقلق بين بقاء الفلسطيني في ارضه في ظل المجازر الوحشيه التي ترتكبها القوات الصهيونيه بتواطئى ودعم من قبل قوات الاحتلال البريطاني كما هوحال عائله الطبيب د سعيد في حيفا كما تظهره مشاهد الفيلم الأولى او الانتقال الى مناطق امنه نسبيا وهوماتلح عليه امه صفيه والتي تعيش مع زوجها المعارض الفلسطيني البارز في غزه .من اجل ذلك تسافر ام سعيد الى حيفا مفاجئه ابنها وتطلب منه بإلحاح العوده معها الى غزه , لكن تدهور الأوضاع الامنيه سريعا يوجه الاحداث في اتجاه اخر .
تظهر المشاهد مجريات الصراع غير المتكافئ على ارض حيفا مابين الغزاه الصهاينه بدعم من قبل القوات البريطانيه من ناحيه والشعب الفلسطيني ومقاتليه باسلحتهم البدائيه من ناحيه أخرى, وفي ذات الوقت الصراع مابين د سعيد المتشبث بارضه حيفا والقيادي الأمني اليهودي شمعون واللذان كانا زملاء دراسه في الجامعه الاميركيه في بيروت. تكشف لنا حادثه تفجير محطه القطار بقياد شمعون وتبليغ سعيد مركز الشرطه البريطاني عنه عن مدى اختراق الصهاينه للمؤسسه العسكريه والامنيه البريطانيه ,حيث يخاطب شمعون د.سعيد بعدما اختطفه "هذه المره سأعفو عنك مقابل انقاذي من المعتدين العرب في بيروت ولكن عليك مغادره حيفا خلال أسبوع والا فسارميك وعائلتك في البحر". وردا على استغراب د سعيد حول وحشيه قتل الصهاينه للفلسطينين كما في محطه القطار ,يرد شمعون "نحن نقيم دولتنا ولدينا مشروعنا القومي وهذه الأرض لنا, تذكر دير ياسين حيث قتلنا المئات وانا كنت هناك" حيث قتلت عائله اخت د سعيد.
ينقلنا الفيلم الى غزه حيث يجرى حوار متوتر ذا دلاله بين ام سعيد المصره على انتقال عائله ابنها سعيد الى غزه الامنه نسبيا وزوجها أبوسعيد الذي يصر على ضروره بقائه في حيفا كسائر الفلسطينين بتمسكهم بارضهم لئلا تضيع فلسطين. لاجل ذلك تسافر ام سعيد الى حيفا حيث تفاجئ ابنها وسائر اقاربها في مهمه عاجله وهي انتقال عائله د. سعيد الى غزه وهو مايرفضه د سعيد لتتخذ الاحداث مجرى اخر ومصير مختلف لعناصر الحدث.تتفجر الاحداث اثر هجوم شامل للقوات الصهيونيه عاليه التسليح وكبيره العدد في مجزره بحق أبناء حيفا واجبارهم على اخلاء بيوتهم ودفعهم بالقوه والقتل للتوجه نحو ميناء حيفا لدفعهم للنزوح خارج فلسطين.
هنا تبدا ماساه عائله سعيد .د. سعيد الطبيب الذي ينجح في الوصول لعيادته حيث يتدفق الجرحى عبر شوارع مليئه بالجثث وسط ازيزالرصاص والانفجارات.يقوم د سعيد بعمليات اسعاف للعشرات من الجرحى حتى ينفذ مالديه من اسعافات ويداهم الارهابيون الصهاينه حي العياده .يركض د سعيد وسط زخات الرصاص والانفجارات باتجاه بيته وهنا يجدنفسه وجها لوجه مع شمعون الذي يقودمجموعه من القوات حيث يطلق عليه الرصاص ثم تجرحه طلقه من مرافقه . في وسط هذا الرعب يلتقي سعيد بزوجته لطيفه والتي كانت تبحث عنه وذلك بالقرب من بيتهم حيث يسمع بكاء طفلهما فرحان . ورغم المخاطر يحاولان الوصول الى البيت حيث يستشهدان معا وهما يسمعان بكاء ابنهما فرحان وهذا المشهد مؤثر جدا.
بعد ذلك يبدا فصل جديد في قيام مندوبي الوكاله اليهوديه باقتحام بيوت الفلسطينيين واستيلاء المستوطنيين اليهود عليها . وهو ماجرى لبيت عائله د سعيد حيث يسلم للزوجين اليهوديين البولنديين يورام كوشين وزوجته هانا.يحدث ان يكون جيران عائله د سعيد ,عائله اميل المسيحيه الفلسطينيه والتي انقذت الطفل فرحان . يامر مندوب الوكاله بتسليم الطفل الى العائله اليهوديه المغتصبه بحجه ان هانا عاقر ويسعدها تربيه الطفل ويطلق عليه اسم موشيه في دلاله لمسخ هويه الطفل الفلسطيني .وهنا تبذل المرأه الفلسطينه جهدها للعنايه بالطفل حتى ظهور صفيه ام سعيد لتتفقد عائله ابنها وتفاجأ بالوضع الجديد حيث تروي لها زوجه اميل تفاصيل ماساه استشهاد ابنها د سعيد وزوجته وما جرى لابنهما فرحان واستيلاء المستوطنين على بيتهم واخذ ابنهم فرحان بالاكراه.هنا يدور حوار مؤثر حول احباط الفلسطينيين من الوعود العربيه بنصرتهم ثم تركهم لمصيرهم الكارثي.وكما عبرت صفيه عن ذلك "خسرت كل شيء اختي وعائلتها وابني وعائلته ولم يبقى لي سوى فرحان وساعمل على اخذه."
هنا تستجمع صفيه قواها وتجالد نفسها وبالتشاور مع زوجه اميل وتقنعان يورام وهانا بقبولها كمربيه لفرحان(موشي) لتبدا احداث دراميه يتشابك فيها العائلي بالوطني. تقبل صفيه باجر تافه ,جنيه أسبوعيا, للقيام بتربيه فرحان والقيام بجميع اعمال المنزل من اجل احتضان فرحان والتخطيط لتحريره من مختطفيه .يصل زوجها أبو سعيد من غزه الى حيفا وتعرف انه قيادي في العمل الفدائي.
على الجانب الاخر يكلف القيادي الأمني شمعون بقياده قطاع الثقافه والفنون .يتقاطع ذلك مع فكره طرحتها هانا على زوجها يورام بتاليف وتمثيل فيلم حول ماجرى لهم (يورام وهانا والطفل موشي) منذ هجرتهما من بولندا حتى استيطانهما في حيفا وحكايه الطفل موشي الذي تركه ابواه الفلسطينيان وانقذته عائله مستوطنه ثم تبنيه من قبلهم.وقد عرضت الفكره على شمعون الذي تبناها ووافق على انتاجها وتنفيذها ولكن في تل ابيب بسبب عدم استقرار الاوضاع في حيفا وذلك يتطلب انتقالهم الى تل ابيب بالقطار . ورغم ان القطار مخصص لنقل العسكريين والاسلحه ,الا ان شمعون يطمئن الزوجين كوشين بانه يستطيع تدبير ترخيص خاص لهما ولمربيه طفلهما صفيه وسيرافقهما ايضا.
هنا تتطور الأوضاع دراماتيكيا حيث يبرز أبو سعيد كقائد مهم للفدائيين. ومن خلال عميل فلسطيني مزدوج ( السيد عوده) يتم التأكد ان عمليه اسرائيليه كبيره ضد الفلسطينيين ستنفذ وانها تتطلب نقل قوات واسلحه عبر القطار .وفي اجتماع عاصف ضم أبو سعيد وزوجته صفيه وغسان وخطيبته يطرح ابوسعيد قرار المقاومه بتفجير القطار باستخدام شنطه ملغومه ,لكن المشكله تكمن في ان الفدائي المكلف بالمهمه قد استشهد وان أي شخص سيكلف بالمهمه يجب ان يكون لديه ترخيص وهويه خاصه صادره عن الامن الإسرائيلي .هنا يطرح ابوسعيد على زوجته صفيه التطوع لهذه المهمه والهروب بفرحان في ذات الوقت . وهنا تعترض صفيه على ذلك لانها لاتريد التضحيه بفرحان في التفجير وتقترح ان يقوم هو بالمهمه,لكنها تدرك انه لايملك الهويه المطلوبه كما ان وضعه الصحي حرج بسبب اصابته بجروح بليغه .عندها تقبل صفيه القيام بالمهمه حيث يشرح لها أبو سعيد سيناريو العمليه الخطره وذلك بان تحمل الحقيبه وفرحان معا وتضغط على زر توقيت التفجير قبل خمس دقائق من التفجير حيث يجب ان يتم ذلك خلال توقف القطار في المحطه الأولى وتنزل بسرعه حامله معها فرحان وتركض بعيدا عن التفجير.
تسير الاحداث بصوره دراماتيكه مشوقه ومرعبه بداء بمحطه القطار حيث يفحص ترخيص ام سعيد وتفتش حقيبتها تكرارا لكنه لايتم العثور على المتفجرات وهو شيئ لامعقول .كما ان غسان وخطيبته مريم موجودان في المحطه بلباس عسكري إسرائيلي علما ان ليس لديهم الترخيص الخاص والاغرب ان يتم يتحدثا مطولا مع صفيه وهو شيء غير معقول أيضا وهو مالفت انتباه شمعون وكوشين فينبهان الشرطه العسكريه للقبض عليهما و يتم ذلك بسرعه.ورغم استجواب شمغون لصفيه حول مادار من حديث معهما, فان تأكيد صفيه ان ذلك يتعلق بتدقيق غسان في هويتها فان ذلك لايدفع شمعون للامر بالقبض على صفيه وتفتيش حقيبتها .تمضي صفيه في خطتها باخذ الطفل فرحان وتتجه حيث وضعت حقيبتها للنزول في محطه التوقف الأولى مع الضغط على زر التفجير لكن شمعون يتذكر في تلك اللحظه شخصيه المربيه كونها ام سعيد ويتوجه مع كوشين للقبض عليها لكنها تعمد الى الضغط على زر التفجير والقفز من القطار حامله فرحان فيما هو يسير بسرعه .وهنانصل لقمه التشويق وذلك بانفجار الحقيبه وتفجير القطار ومقتل صفيه ولكن نجاه فرحان.
الملاحظ هنا ان المخرج ومن اجل تسويغ عمليه مستحيله بدافع الحماس فانه يظهر الامن الإسرائيلي بسذاجه .اولها انه رغم التدقيق في هويه صفيه وتفتيش حقيبتها الملغومه فانه يسمح لها بركوب القطار دون اكتشاف المتفجرات , كما سوغ المخرج دخول الفدائي غسان وخطيبته للمحطه بلباس عسكري إسرائيلي رغم افتقادهما للهويه المطلوبه.كما ان حديثهما المطول مع صفيه ورغم القبض عليهما والتعرف عليهما كفلسطينيين لايقود للقبض على صفيه .اما قفز صفيه من القطار وهومغلق ويسير بسرعه فهو شبه مستحيل.
الخلاصه ان الفيلم استند الى روايه عائد الى حيفا وهي تسميه الفيلم أيضا لكنه تصرف في مجريات الروايه بعيدا عن فكره مركزيه للروايه كما أرادها مؤلفها الشهيد غسان كنفاني ,أي ان الهويه الفلسطينيه هي قضيه انتماء وممارسه وليس بحكم الولاده من ابوين فلسطينيين ,فيما التربيه والادلجه الصهيونيه للطفل الفلسطيني تجعله يهوديا إسرائيليا.
ومن ناحيه أخرى فان الفيلم يؤكد مره أخرى ان الفلسطينيين لم يتركوا فلسطين طوعا بل بسبب المجازر الصهيونيه وبقوه السلاح من قبل القوات الصهيونيه بتعاون كامل مع قوات الاحتلال في ظل مقاومه بطوليه فلسطينه غير متكافئه بعد انسحاب الجيوش العربيه المخجل .كما انه رغم سذاجه حبكه تفجير القطار فان الفيلم يؤكد على تصميم الفلسطينيين على المقاومه تحت الاحتلال رغم الاختلال الكبير للأوضاع لصالح العدو المحتل .