بقلم : الشيخ حميد المبارك
لقد صرح القرآن الكريم عن نفسه بأنه لسان عربي مبين (الشعراء ١٩٥)، وأنه قابل للتدبر دون اشتراط منزلة علمية خاصة (محمد ٢٤). لكن ذلك لا يعني أنه يُقرأ كما تُقرأ النصوص العامية، بل هو نص وحياني:
(١) جاء في قالب لغوي خاص يختلف جداً عن اللغة العربية التي نمارسها في حواراتنا العادية، ولا يمكن استيضاح تمام مراداته خارج بيئته اللغوية العربية الخاصة. (٢) وقد جاء في سبك بلاغي يتسم بالجزالة ودقة التعابير. (٣) ويعتمد في بيان مقاصده على سياقات يفسر بعضها بعضاً.
(4) كما إنه يشتمل على مضامين عميقة ومتسقة ضمن نظام اعتقادي وسلوكي متكامل. وبالتالي، لا مناص عن أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار لأجل فهم متوازن لمقاصد القرآن الكريم. وفيما يلي بعض القواعد المتصلة بذلك:
القاعدة الأولى: الالتزام بالفهم العرفي للنص القرآني من خلال فهم المصطلح في زمن النص، والتقيد بالسّياقات ضمن قواعد التخاطب العرفية. فإن المضمون وإن كان وحيانياً، لكنه جيء به في قالب لغوي مُحدَّد يخضع لقواعد التخاطب والتفهيم في زمانه. وذلك القالب اللغوي أداة تفهيم متفق عليها في اصطلاح لغة معينة، "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .." (إبراهيم ٤). فلابد إذن في فهم ما هو مقصود ومراد المتكلم من ملاحظة قواعد اللُّغة التي أخضع مضامينه لقوالبها. ويترتب على ذلك: (١) عدم استحداث معاني جديدة للألفاظ على خلاف المصطلح في وقت نزول النص. (٢) الاعتماد على الفهم العرفي في انطباق المفهوم وليس المداقة العقلية. مثلاً، المقصود في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ .." (المائدة ٦) هو صدق غسل الوجه واليدين من المرافق بحدودهما العرفية، فلا يشترط فيه التدقيق المليمتري في حدود الوجه ومبتدأ المرفق ومنتهى أطراف الأصابع، ولا التدقيق في عدم وجود حائل ولو كان بمقدار لا يمنع عن صدق أنه غسل وجهه ويديه عُرفاً.