DELMON POST LOGO

القواعد السبع في فهم القرآن الكريم ( القاعدة الرابعة ) 4 -7

بقلم : الشيخ حميد المبارك

لقد صرح القرآن الكريم عن نفسه بأنه لسان عربي مبين (الشعراء ١٩٥)، وأنه قابل للتدبر دون اشتراط منزلة علمية خاصة (محمد ٢٤). لكن ذلك لا يعني أنه يُقرأ كما تُقرأ النصوص العامية، بل هو نص وحياني:

(١) جاء في قالب لغوي خاص يختلف جداً عن اللغة العربية التي نمارسها في حواراتنا العادية، ولا يمكن استيضاح تمام مراداته خارج بيئته اللغوية العربية الخاصة. (٢) وقد جاء في سبك بلاغي يتسم بالجزالة ودقة التعابير. (٣) ويعتمد في بيان مقاصده على سياقات يفسر بعضها بعضاً.

(4) كما إنه يشتمل على مضامين عميقة ومتسقة ضمن نظام اعتقادي وسلوكي متكامل. وبالتالي، لا مناص عن أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار لأجل فهم متوازن لمقاصد القرآن الكريم. وفيما يلي بعض القواعد المتصلة بذلك:

القاعدة الرابعة: لا غنى عن الرجوع إلى الروايات والأحاديث المُنبّهة على دلالات وإشارات النص القرآني، ومنها الأحاديث أو التفاسير التأويلية المُتفقة مع روح المضمون، أي المُنبّهة على مصاديق غير ظاهرة من اللفظ لكنها لا تتعارض مع المقصود النهائي للسّياق. قال ابن كثير في قوله تعالى في سورة الكهف ٨٦: وقوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ..) أي: فسلك طريقاً حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب، وهو مغرب الأرض. وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة والشمس تغرب من ورائه فشيء لا حقيقة له. وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب، واختلاق زنادقتهم وكذبهم. وقوله: (.. وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ..) أي: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه. انتهى كلامه. أقول: فإن المقصود النهائي في السّياق هو بيان سعة مملكة ذي القرنين حتى بلغ أقصى ما يصل إليه ذو سلطان في الشرق والغرب (الكهف ٨٤-٩٠). ومثله في التأويل قوله ".. قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ .." (البقرة ٢٥٨). وقد يكون للتأويل صلة بتفاصيل اعتقادية، نظير قوله "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه ٥)، وقوله ".. وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" (النساء ١٦٤)، لكن شيء من مستويات التأويل في الآيات مُخرجاً عن الديانة إذا كان مستنداً إلى بناء اجتهادي يراه الناظر حجة عليه، "قَالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ .." (المائدة ١١٩).