بقلم : الشيخ حميد المبارك
لقد صرح القرآن الكريم عن نفسه بأنه لسان عربي مبين (الشعراء ١٩٥)، وأنه قابل للتدبر دون اشتراط منزلة علمية خاصة (محمد ٢٤). لكن ذلك لا يعني أنه يُقرأ كما تُقرأ النصوص العامية، بل هو نص وحياني:
(1) جاء في قالب لغوي خاص يختلف جداً عن اللغة العربية التي نمارسها في حواراتنا العادية، ولا يمكن استيضاح تمام مراداته خارج بيئته اللغوية العربية الخاصة.
(2) وقد جاء في سبك بلاغي يتسم بالجزالة ودقة التعابير.
(4) ويعتمد في بيان مقاصده على سياقات يفسر بعضها بعضاً.
(4) كما إنه يشتمل على مضامين عميقة ومتسقة ضمن نظام اعتقادي وسلوكي متكامل. وبالتالي، لا مناص عن أخذ هذه النقاط بعين الاعتبار لأجل فهم متوازن لمقاصد القرآن الكريم. وفيما يلي بعض القواعد المتصلة بذلك :
القاعدة السادسة : لا يشتمل النص القرآني على دعوى أن ما جاء به زائد على أصل ما تقتضيه صبغة الله وفطرته التي فطر الناس عليها، والتعاليم الأساسية التي اشتملت عليها الكتب السابقة، "قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ" (البقرة ١٣٦-١٣٨). وقد عرّف الدين بأنه الفطرة التي لا تتبدل بزيادة ولا نقصان، "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (الروم ٣٠-٣١). وقد نص على اشتمال كتاب موسى على تفصيل كل شيء، "ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (الأنعام ١٥٤-١٥٥).
والمتحصل من هذه المضامين هو إن القرآن الكريم ليس في صدد بيان أمر زائد عما تقدم، ولا يدعي ذلك لنفسه، بل هو تأكيد وتذكير بما تضمنته الفطرة واشتملت عليه الكتب السابقة، ".. قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" (الأنعام ٨٣-٩٠).