DELMON POST LOGO

آخر الوكلاء الانجليز بالبحرين.. عباس بن فضل "ندوة السلمان بمجلس الجمري"

المقيم البريطاني لحاكم البحرين : اعلمكم بان الحاج عباس بن فضل سيكون وكيل محلي مقيم لنا أطلب منك أن تكون علاقتك به مثمره
"رجلٌ لم يحالفه الحظ كثيراً في الوظائف الرسمية الكبرى، فقد بقي فقط بين عامي 1889-1890، وكيلًا بالنيابة (Acting Agent) لشركة الهند البريطانية للملاحة البخارية، كما بقي لمدة شهر فقط كآخر وكيل محلي في الوكالة الإخبارية البريطانية في البحرين عام 1900م؟ إنه عباس بن محمد بن فضل بن رمضان.
كانت السلطات البريطانية في الخليج، بحسب الوثائق البريطانية، تكتب اسم عباس بن فضل بهذا الشكل (Hâji Abbâs bin Mohammed bin Fadhel). " هذا ما بدأ به الباحث التاريخي الدكتور محمد حميد السلمان في ندوة بعنوان آخر الوكلاء للانجيلز بالبحرين.. عباس بن فضل بمجلس المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري الأسبوع الماضي.
عباس بن فضل ودخوله عالم الوكالات الأجنبية في البحرين
من حيث التتبع والسرد التاريخي لدخول عباس بن فضل العمل الإداري في الوكالات الأجنبية في البحرين مع بقاء جزء من عمله في تجارة اللؤلؤ؛ كان في حدود عامي 1872- 1873، أي عندما كان عباس بن فضل في ريعان شبابه في عمر الـ 23 سنة تقريبًا. إذ عمل مع الوكيل المحلي أو الوطني الرسمي في البحرين عبدالله بن محمد بن محسن بن رجب لشركة (الهند البريطانية للملاحة البخارية) المعروفة اختصارًا بـ (BI) عام 1872 تقريباً. ثم تم تكليف عبدالله بن محمد بن محسن بن رجب عام 1875، بالإضافة لعمله كوكيل لشركة الهند البريطانية للملاحة البخارية؛ القيام بعمل المدير الثاني لشرق شبه الجزيرة العربية، ومُدير الخدمة البريدية في البحرين، من قِبل مؤسسة (الخدمة البريدية الهندية البريطانية)، بعد تحُسن وتطور الخدمة البريدية في البحرين منذ ذلك التاريخ. بناءً على هذا؛ إزدادت مسؤولية بن فضل في إدارة وكالة (شركة الهند البريطانية للملاحة البخارية) مع بن رجب. وسرعان ما تطورت وظيفة بن فضل بترقيته إلى "نائب الوكيل"(Deputy Agent)، للشركة الملاحية.
وهذه التسمية تعني أن رئيسه المباشر، أي الوكيل عبدالله بن رجب، شخصية مهمة وبارزة في وكالة الشركة بالبحرين، وأنه يتمتع بصلاحية العمل كبديل لهذا الرئيس في حالة غيابه لأي سبب. استمر عبدالله بن رجب في وظيفة مُدير الخدمة البريدية في البحرين حتى عام 1884، بعد أن انتهت مدة انتدابه لها. بينما بقي الوكيل الحصري لشركة (BI) في البحرين لثقتها به، حتى وفاته عام 1889 ثم تسلمها عباس بن فضل بعده مباشرة. في العام الذي توفي فيه رئيسه المباشر الوكيل عبدالله بن رجب، أي 1889. تولى عباس بن فضل منصب وكيل بالنيابة (Acting Agent) لشركة الهند البريطانية للملاحة البخارية بين عامي 1889-1890، إلا أنه وبشكل مفاجئ، قامت السلطات البريطانية في الخليج بتحويل وكالة الشركة تلك إلى شخص يُدعى محمد إسماعيل، وهو قاضي من "بوشهر"، عام 1890.
والوظيفة الثانية الكبرى التي عمل بها بن فضل كانت في الوكالة الإخبارية المحلية في البحرين. ذلك أن الوكيل الرسمي الوكالة الإخبارية المحلية في البحرين، محمد رحيم عبدالنبي صفر، اطمئن ووثق بعباس بن فضل، ذي الـ 43 عامًا عام 1893، نتيجة معرفته به وبدقة عمله السابق وتفوقه فيه، وبالذات من باب حرصه على سرية العمل وأهميته.
لذلك ضمه لفريق عمله في الوكالة بقسم (السكرتارية)، ذاك الفريق الذي تكون بالترتيب من: عباس بن محمد بن فضل، ويوسف بن أحمد كانو، وعبدالعزيز خرﮔـي أو خَرجي، وقد حصل عباس على وظيفة "مُنشي أول"؛ أو السكرتير الأول، كما هو التعبير الحديث، في تلك الوكالة الإخبارية.
كان الوكلاء الإخباريون في البحرين، يقومون منذ عام 1816م، بمزاولة أعمال الوكالة من بيوتهم الخاصة. وبناءً عليه، كان يُطلق على أماكن عملهم أو مكاتبهم، مثلاً: بيت (آسو)، بيت (بامان)، بيت (ﭽاندو)، بيت (حجي جاسم)، بيت (بن رجب)، وبيت (آل صفر).
- عباس بن فضل وإدارة محمدرحيم صفر للوكالة الإنجليزية في البحرين
من الثابت تاريخيًا أن آخر الأسر الخليجية - البحرينية التي تولت منصب الوكيل البريطاني المُعتمد في البحرين في العقد الأخير من القرن التاسع عشر والسنة الأولي من القرن العشرين، وبالتحديد بين أعوام 1893-1900 م؛ هي عائلة صفر ممثلة في الآغا محمدرحيم عبدالنبي صفر، تحت مُسمى وكيل الإخبار المحلي (Native News Agent)، بحسب ما ذكرته الوثائق البريطانية. وهذه الأُسرة هي التي عمل تحت رئاستها عباس بن فضل منذ عام 1893، وحتى مطلع عام 1900.
إلا أنه في السنوات الأخيرة لوجود محمدرحيم صفر على رأس وكالة البحرين الإخبارية؛ بدأ الضعف يتسرب إلى إدارته ومسؤولية الوكالة ووجوده بقرار من المُقيمية البريطانية في الخليج. وظهر ذلك جليًا ضمن اعترافه شخصيًا بشأن قراراته ونصائحه الداخلية لمن يهمهم الأمر التي لم تعُد تُسمع أو يؤخذ بها. وقد تميزت تلك السنوات ببعض المشاحنات بينه وبين الحكومة، لدرجة أنه كتب، بعلم عباس بن فضل وربما بقلمه أيضًا لإلمامه التام بتفاصيل أحداث الساحة البحرينية آنذاك؛ وبحكم قربه الشديد من الوكيل محمدرحيم؛ تلك الرسالة المطولة إلى (مالكولم جون ميد) المُقيم الإنجليزي في الخليج -"بوشهر"- في يوليو عام 1898م، التي عنونها بهذه العبارة "بنيان الحوادث الداخلية". وضمها معظم الاشكالات التي وقعت بينه وبين الحكومة، وما جرى في المجتمع البحريني والواقع السياسي والاقتصادي وموقف بعض الأسر والقبائل من الوضع، وقال فيها: "إذا ابديت نصيحة فيما يصلح شأنهم ورعاياهم؛ فإنه لا يُعتمد عليها، إلا إذ حصل من سعادتكم اليد ردعًا..." وختمها بإخلاء مسؤليته عن هذا الأمر قائلاً: "إن مقصود محبكم في هذه الشرح وبيانات حوادث البلدية لأجل اطلاعكم على ذلك كيلا يحدث بعد هذا في هذه المواد شي يصير فيه الزحمه ونصير تحت مسئولية ونظركم الأعلى، هذا ما لزم عرضه بخدمتكم ودمتم سالمين والسلام".
كان "البَانيان ضامنين الكمرك" مسألة ضمان الجمارك في المنامة والمحرق وغيرهما، يذكر بعض هؤلاء "البانيان" وجود اتفاقية مع الحكومة لمدة سنتين (أربعة وعشرين شهراً) بهذا الشأن، تبدأ من شهر ذي الحجة عام 1317هـ. يتم فيها دفع مبلغ 4800 روبية في الشهر الأول، ودفع نصف هذا المبلغ وهو 2400 روبية كل نصف شهر، وهكذا..ثم أصدر الحاكم أمراً في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر عام 1899م (جمادى الآخرة لعام 1317هـ)، بتحويل مسؤولية جمارك البحرين في المنامة والمحرق وتوابعهما، لمدة سنة كاملة بدءاً من شهر ربيع الثاني لعام 1318هـ؛ لمجموعة من الهنود البَانيان في البحرين، وهم كما دونت اسمائهم في القرار بخط اليد (قنقوه بن تيكاه، لكي بن كيسو، عكن وراناه بن جيواه، رطنفجد، شيوي كرام)، مُقابل مبلغ 31 ألف روبية هندية، تم استلام منها مبلغ 4000 وربية مقدمًا، والباقي تم توزيعه على 9 أشهر عن كل شهر مبلغ 3000 روبية، على أن يتم استثناء بعض الأشخاص المتنفذين مثل "الصاغة"، من دفع جمارك لبعض البضائع، أو تؤخذ منهم نسبة أقل من غيرهم.
لكن السؤال المهم هو: كيف وصل عباس بن محمد بن فضل إلى منصب الوكيل الإخباري المؤقت في البحرين؟
في مطلع شهر يناير عام 1900، أعتلت صحة الوكيل البريطاني في البحرين، محمدرحيم صفر، لذلك قرّر زيارة جرّاح المُقيمية البريطانية في "بوشهر" للإطمئنان على أموره الصحية المُقلقة له وللإنجليز. فغادر البحرين في يوم 17 يناير، بمساعدة ابن أخيه ونائبه في الوكالة محمد خليل صفر، ووصلا إلى "بوشهر" في 18 يناير. كان يعتقد محمدرحيم بأنّه سيعود بعد وقت قصير إلى موقع عمله في وكالة البحرين. وهو ما جعله لا يحتاط لعمل أي ترتيبات لمن يُمثله في جزر البحرين مدة غيابه عنها، بل ترك الوكالة تحت رعاية مؤقتة من كاتبه (المُنشي الأول) والأعلى مقاماً، وأحد أهم مساعديه من سكان العاصمة المنامة؛ عباس بن محمد بن فضل وكان آنذاك يخطو في مطلع السنة الخمسين من عمره.
بسبب الوضع الصحي الطارئ هذا للوكيل محمدرحيم صفر في البحرين؛ أبرقت المُقيمية البريطانية في "بوشهر" مباشرة إلى السلطات الإنجليزية في الهند، تقترح إرسال أحد المساعدين غير المُلزمين، وهو (جون كاليكوت ﮔاسـكن) إلى البحرين كبديل مؤقت لمحمدرحيم في منصبه. خصوصاً وأن صحة محمدرحيم صفر لم تُسترد بعد عشرة أيام، هذا إذا تعافى أصلاً. كما اختار نائبه، محمد خليل، البقاء مع عمّه المريض في "بوشهر"، وتقدم بطلب خاص من المُقيم (مالكولم ميد)، بانتداب عباس بن فضل، لثقتهم الكبيرة به؛ ليُمارس عمل الوكيل بالوكالة إلى حين عودته عمه إلى عمله في البحرين لاحقاً. كما توضح رسالته المباشرة هذه: "سيدي، ترك عمّي عمل الوكالة [في البحرين] إلى أقدم رجل متمرس وهو الحاج عباس، الذي هو محل ثقتنا الكاملة واعتمادنا عليه للإنابة عن الوكالة، حتى أعود إلى هناك برخصتك الرحيمة، لكن في الوقت ذاته نرجو إصدار رسالة توصية منكم إلى حاكم البحرين؛ بشأن عباس بشكل ضروري، كي يكون عمل الحاج عباس مؤثراً بدلاً عن"البَانيَان" المسؤول الحالي هناك". لذلك أسرع المُقيم ببعث رسالة إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في البحرين ذكر فيها:"لي الشرف بإعلامك بأنه بسبب غياب الآغا محمدرحيم عن البحرين؛ سيواصل سكرتيره الخاص، الحاج عباس بن فضل، الواجبات الحالية كوكيل محلي مُقيم لنا هناك. لذلك، أطلب منك أن تكون علاقتك به مثمره، بقبول وتنفيذ أي قرارات قد يتعين على الحاج عباس اتخاذها وتقديمها لك لمصلحة الرعايا البريطانيين المقيمين في البحرين". إلا أن محمدرحيم توفي في مدينة "بوشهر"، كما يذكر تقرير المُقيم البريطاني في الخليج (مالكولم ميد).
لذلك ففي شهر فبراير عام 1900، أبرق وزير الخارجية الهندي إلى "بوشهر"، للموافقة على اقتراح المُقيم (ميد)؛ لإرسال مساعده (ﮔاسـكن)، لتسلم قيادة الوكالة الإخبارية البريطانية في البحرين مؤقتًا.
وتُثير قضية الحاج عباس عدة أسئلة حول الترتيبات الدقيقة لتسليم الوكالة المحلية له لشهر على الأقل، ولمن بعده. بالرغم من أنّ (ﮔاسـكن) كان يتكلّم العربية بسلاسة، وكان على معرفة جيدة بالبحرين. لذلك تم إيفاده إلى البحرين كتدبير مؤقت دون تفويض بتعيينه الدائم هناك. مع أن آغا محمد رحيم قام بعمل مفيد جدًا للمُقيمية في البحرين، لكنه لبعض الوقت كان يشكو صحيُا من حاله متدهورة في جسده، لم يتمكن على إثرها من أداء واجباته بشكل صحيح.
ونتيجة ثقة السلطات الإنجليزية مرة أخرى في عمل بن فضل، بعد عمله في وكالة الملاحة السابق ذكرها؛ وحرصه التام على الدقة في انجاز ما يقوم به بصمت ودون نشر ما يسمع أو يَعلم به من أسرار الوكالات بين الناس؛ تم تثبيته من قِبل المُقيم السياسي البريطاني في الخليج جون مالكولم ميد (John Malcolm Meade)، في هذا العمل مع الإدارة الإنجليزية الجديدة للوكالة الأخبارية بقيادة الموظف الإنجليزي الرسمي جون كاليكوت ﮔاسـكن (John Calcott Gaskin). لكن يُلاحظ أن البحرين غدا فيها وكيلين إخباريين يتبعان المُقيمية البريطانية في "بوشهر"، هما (ﮔاسكين) وعباس بن فضل، واستمر هذا الوضع الغريب حتى شهر مارس من عام 1900. وهناك تفسير لهذا الأمر يُرجعه البعض إلى أمور ربما تتعلق بملكية الوكالة الإخبارية ذاتها. لأنها في الأساس كمبنى، كانت ضمن أملاك محمد رحيم الخاصّة في البلد. ولربما عباس بن فضل قد شكك في حق (ﮔاسـكن) بتولي المسؤولية عنها في وضع غياب صاحبها، وبدون توجيهات واضحة من المُقيم (ميد)، أو من محمد خليل، ابن أخ محمد رحيم ونائب الوكيل محمدرحيم.
كما أن من احد الاشكالات التي قد تم ترتيبها إنجليزيًا؛ أن (ﮔاسـكن) غدا هو الوكيل السياسي المساعد للمقيم في "بوشهر" بوكالة البحرين، وعباس بن فضل أ صبح الكاتب الأعلى في الوكالة، كما كان في عهد محمدرحيم صفر، أو السكرتير الأول بالمفهوم السياسي اليوم، والمسؤول عمليًا عن تدبير أمور الوكيل السياسي المساعد كافة.
عموماً، بقي الحاج عباس بن محمد بن فضل في عمله ذاك حتى عام 1905،  لما بعد انتهاء خدمة (ﮔاسكين) بسنة واحدة. أي أنه بقي أمينًا وكاتمًا لأسرار تلك الوكالة لحوالي 13 عامًا بل أكثر، حتى بعد تقاعده الاختياري من عمله. وقد تم تكريمه ومنحه لقب "خان صاحب" عام 1906، على يد "بريدو" الوكليل البريطاني الثاني بعد (ﮔاسكين) الذي انتهت ولايته للوكالة في البحرين عام 1904.
- كان عباس بن فضل يوقع اسمه ومنصبه بهذا الشكل:
(عباس بن محمد بن فضل مُنشي وكالة دولة البهية القيصرية في البحرين)
- توجد علاقة حميمة بين عباس بن فضل وعلي غلوم رضا وكيل الوكالة الإخبارية الإنجليزية في الكويت، إذ تم تبادل 14 رسالة بينهما بين أبريل 1900، ويونيه 1901 بوجود (ﮔاسكن) في الوكالة بالبحرين، وكان علي غلوم يُخاطب بن فضل هكذا: إلى جناب الأكرم المكرم الأحشم الحشيم الحاج عباس بن محمد بن فضل المحترم.
حسينية الحاج عباس في المنامة التي تم انشائها عام 1894 احد ذكريات الحاج عباس بن فضل لهذا اليوم .