بقلم : د. عبد العزيز صويلح *
رداً على مقال مقتضب في دلمون بوست في 26 يوليو 2023 كان بعنوان : البقلاوة: كربلاء أو (Kur-bala) أو أرض العبور بالسومري أحد أسماء البحرين قبل دلمون!!!.
طالعت مقالاً مقتضبًا يمس ارث أقدم وأول مملكة حضارية في الخليج العربي، انها مملكة دلمون، ومحاولة صاحب المقال أن يطوع الألفاظ والحروف لخدمة هدف غير علمي، بل ويقزّم ويحط من مكانة حضارة دلمون ويحاول إعادة تاريخها إلى أقل من 1400عام، وهنا سأرد على كل معلومة وردت في المقال، فنص الكاتب سيكون بين قوسين، ثم مباشرة سيأتي ردي: (الباحث التاريخي محمود البقلاوة) .
أتساءل هنا أولاً، هل يحمل الكاتب مؤهل معترف به كباحث معتمد في اختصاص المقال حتى يمكننا أن نقول عنه الباحث التاريخي!!!، ثم أين الإشارات لمصدر المعلومات بمعجم متخصص أو مصدر موثوق به، فالباحث التاريخي يعتمد على مصدر للمعلومة التاريخية.
(أن جزيرة البحرين ذُكرت بأسماء شتى وكثيرة، منها " أرض العبور " أو كربلاء وباللغة المسماريةKur-bala) ).
أن مملكة البحرين، والمقصود هنا دلمون الحضارة والتي لم تكن حدودها فقط جزيرة البحرين بل ساحل الخليج العربي الغربي وحتى ساحل الخليج العربي الشرقي المقابل، وتمتد من جنوب بلاد الرافدين حتى ساحل دولة الإمارات، وتمثلها اليوم الكويت وشرق المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر، لتأتي بعدها المملكة الثانية في حضارة الخليج وهي مملكة ماجان والتي تمثلها اليوم الإمارات وسلطنة عُمان.
ونقف هنا وقفة علمية بحته ادركت أن الجهل بالمعلومة هو الذي يطغى على الأسطر المكتوبة للكاتب، وذلك من عبارة ( وباللغة المسمارية )، هذه المعلومة البسيطة جدًا جدًا والتي هي ألف باء الدراسات اللغوية والآثار، لأنه وببساطة لا توجد لغة اسمها اللغة المسمارية على الاطلاق، ومن يقول ذلك يعتبر جاهلًا.
فالمسمارية هي اسم لخط وليس مسمى للغة، فالخط هو المسماري أما اللغات التي كتبت بالخط المسماري فهي اللغة السومرية واللغة الجزرية بفروعها الثلاثة في بلاد الرافدين والخليج العربي وهي ( الأكدية، البابلية، الأشورية ) إضافة إلى اللغة العيلامية واللغة الإيبلائية واللغة الأوغاريتية في سوريا القديمة.
ويضيف صاحب الاسطر ليعطنا تخريف آخر قائلا: (لفظت باللغة المسمارية " كور- بالا (Kur-bala)". لفظ كور ( KUR ) تعني: أرض ولفظ بالا ( BALA ) " " تعني عبور، وليس (Kur-bala) في المعنى العام تعني أرض القربان. أصطلاحًا العبور مشتق من فعل يعبر تعني العبرة. )
لم يذكر لنا كاتب السطور في أي لغة تعني المفردات التي ترجمها كما يشاء ويهوى؟ وسوف أحسن الظن واحاول أن أفهم من خلال ما كتب خطأ، انه اعتمد على ما اسماها اللغة المسمارية، ولكي أوضح اللفظ بشكل علمي وصحيح مع مصدره الأكاديمي أود أن أطلعكم على معاني المفردات بالخط المسماري واللغة السومرية واللغة الجزرية (الأكدية) للمفردات التي ساقها صاحب المقال من دون فهم لمعانيها:
فمفردة كور( KUR ) باللغة السومرية وسأفترض أن صاحب السطور يقصد اللغة السومرية، لها عدة معاني كاسم من أولها وأهمها: جبال أوعلامة دالة تسبق أسماء المدن، وكصفة تعني لمعَ. ولا توجد للمفردة أي صلة أو ارتباط بمفردة " بالا ( BALA )" التي ترجمها إلى (العبور) على الاطلاق، وأتحدى من يأتي بذلك، وحتى اريح كاتب السطور، عليك أن تقرأ ما كتب عن هذه المفردة "كـــور" ( KUR) في أهم وأول معجم مختص بالكتابات المسمارية وترجمة المفردات، فسوف أسهّل عليك المهمة وأقول لك اذهب إلى العلامة رقم 366. في المصدر الفرنسي الذي يرمز له (MDA) وحتى اريح كاتب السطور وأقلل الجهد عليه، فإنه لا توجد على الاطلاق مفردة في اللغة الجزرية (الأكدية - البابلية - الاشورية) ( KUR) بلفظ كورفي المعجم المذكور.
ثم لنأتي على مفردة " بالا " (BALA) والتي ذكر صاحب المقال انها تعني " العبور" فدعني أخبر صاحب السطور أن مفردة " بالا " (BALA) في اللغة السومرية لها عدة معاني جميعها ليس لها علاقة بما ذكر من معنى أو حتى قرب لغوي، لأنها تعني (حكم، سنة، سلالة، شارة ملوكية، حفر) فمن أين جاءت الترجمة أرض العبور؟!!!!! وحتى أريح كاتب السطور أيضا، لا توجد على الاطلاق مفردة في اللغة الجزرية (الأكدية - البابلية - الاشورية) بلفظ " بالا " (BALA).
(فأرض العبور(Kur-bala) وهي دلمون البحرين بعاصمتها الحالية). في هذا السطر الطامة الكبرى: ولا أعرف من أين أتى صاحب السطور باختراعه اسم لدلمون هو كور- بالا(Kur-bala)، فلا أحد من الباحثين أو اللغويين القدماء والمحدثين ذكر هذه المعلومة الخرافية على الاطلاق، لأن اسم دلمون معروف جدًا وكتب عنه الكثير من قبل مختصين (ارجع إلى عدد 24 من مجلة دلمون)، وحتى اوجز للقارئ الكريم اسم دلمون في الكتابات المسمارية وأنه ليس هو كور - بالا، بل هو الآتي:
عرفت مملكة البحرين باسم "دلمون" (Dilmun) أو"تلمون" (Tilmum) لأول مرة وبالعلامات التي قراءتها السومرية " ني - تك" (NI-TUK) وأخذت القواميس المتخصصة تشير إليها بصيغة القراءة للعلامتين "NI.TUK"، مع إضافة علامة "كي" (ki) الدالة على البلاد والمدينة في نهاية الاسم، علمًا وأن من معاني المقطع الرئيسي "تُك" (TUK) الأموال.
اما اللفظ الجزري (الاكدي - البابلي - الاشوري) لـ "دلمون" (Dilmun) أو"تلمون" (Tilmum)، فمن المرجح أنها تعني "البلاد النقية" أو "الطاهرة". وهي كذلك فعلا بلاد نقية طاهرة منذ الأزل وإلى اليوم، ولسنا بحاجة الى من يشوه حقائق بلادنا وتاريخنا ويربطها بدواعي وايديولوجيات ليس لها علاقة بها.
وبعد هذا الرد الموجز والذي نهدف منه دعوة المتطفلين على الاختصاص من التوقف عن الدخول في غير اختصاصهم ومعرفتهم، دعوني اخبركم شيئا عن اسم مدينة كربلاء:
اسم كربلاء:
مدينة غنية عن التعريف فهي مدينة مشهورة في العراق، جاء في معجم البلدان محاولات لتأصيل اسم كربلاء حيث جاء: "فأما اشتقاقه فالكربلة رخاوة في القدمين، يقال: جاء يمشي مكربلاً، فيجوزعلى هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك، ويقال: كَرْبلتُ الحنطة إذا هذّبتها ونَقّيتها، فيجوز على هذا أن تكون هذه الارض منقّاة من الحصى والدغل فسميت بذلك، والكَربَل: اسم نبت الحُمّاض، فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبته هناك فسميت به المدينة.
وقد روي أن الحسين (رضي الله عنه) لما انتهى إلى هذه الأرض قال لبعض اصحابه: ما تسمى هذه القرية؟ واشار إلى العقر، فقال له اسمها العقر، فقال الحسين، نعوذ بالله من العقر! ثم قال: فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا: كربلاء، فقال: أرض كربٍ وبلاء! وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتى كان ما كان.
أن التأويلات المذكورة آنفاً هي تفسيرات تخمينية لغوية لم تصب حقيقة الاسم أو أن بعضها ينم عن التّطيّر والتشاؤم من مقاطعها التي توحي لغير العارف بأصل التسمية أنها ربما تعني من بين معانيها (أرض الكرب والبلاء) ولكنها لا تعدو أن تكون من باب التخمين اللفظي ليس إلاّ.
وعلى الرغم من عدم ورود اسم كربلاء كمدينة في النصوص المسمارية على الاطلاق؛ إلا أن مدينة قريبة من حيث اللفظ لاسم كربلاء، وردت في النصوص المسمارية بصيغة (كُربائيل kurbail) إلاَ أن موقعها يبتعد كل البعد عن كربلاء الحالية، لأن (كرُبائيل) مدينة أثرية في محافظة دهوك، شمال العراق وتابعة لقضاء عقرة في المحافظة ذاتها، ورغم ان اللفظ ليس كربلاء 100%، فمع ذلك تبعد مدينة (كرُبائيل) عن كربلاء الحالية أكثر من 800 كلم جنوب العراق.
ما الذي حصل لكاتب السطور: لأن كاتب السطور غير متخصص، فربما اطلع أو اعتمد على معلومة "فيسبوكية"، واعتبرها مرجعه لفكرته غير المقبولة: وفي هذا الصدد نقول: أن في اللغة معاني وصفات يمكن أن تشتق منها كمختص ما يناسبك ولكن ليس على هواك!!! .
فلدينا على سبيل المثال فيما يخص موضوع اسم كربلاء، فعل مضارع في اللغة الأكدية بلفظ "كرابو"(karabu) والذي يعني: (يمجد، يبارك، يكرّس، يقدم قربان، يصون، يحفظ الإله)، وقد حاول البعض ان يربط هذا الفعل وليس الاسم في اللغة الأكدية مع اسم كربلاء خطأً فلا قرابة لغوية بين الاسم والفعل ولا قرابة جغرافية بينهما.
لذا أرى بداية أن يتم التفكير بسن قوانين تمنع استهداف الإرث الوطني والحضاري لمملكة البحرين، فتهديد الارث الحضاري لا يقل شأنا عن تهديد الأمن الوطني، فكلاهما يمس سمعة الوطن، لذا آن الأوان لوقف التخرصات التي تكتب باسم الرأي الحر، بعد أن أصبح تزييف المعلومة ولويها لخدمة أغراض ذات ميول تمرر باسم حرية التعبير.
---------------------------------------------------------------------
** باحث في تاريخ البحرين القديم
مواضيع لها علاقة :
https://www.delmonpost.com/post/ih013