DELMON POST LOGO

مونودراما (شرخ في جدار الزمن) على منصة اسرة الادباء والكتاب

بقلم : وفاء فيصل *

يأتي إرتباط المشهد المسرحي بالنص السردي تفعيلاً للحراك الأدبي الذي يربط العناصر الأدبية بعضها ببعض ليخرج لنا عملاً ثقافياً متكامل الأركان يشترك فيه السارد أو القاص مع الممثل والمخرج والمتلقي..

إن المسرح اليوم وكما يلقب بأبو الفنون أصبح عنصراً هاماً في التشكيل الأدبي لما له من أهمية لا تقل عن بقية الأجناس الأدبية - وإن صح التعبير - فهو الذي يساهم في إخراج الصورة المتحركة للنص الصامت عبر مشاهد متتالية تحمل العديد من الأفكار المختزلة في البعد الفكري للقاص أو السارد مبرزاً بذلك جانباً زاخراً من الإرتباط الأدبي بين أجناسه المختلفة..

ومن هنا كانت لنا وقفة مع أمسية مونودراما (( شرخ في جدار الزمن )) النص السردي الذي حول إلى عمل مسرحي للكاتبة الدكتورة جميلة الوطني والفائز بالمركز الأول في المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج و تحت إدارة الدكتور عباس القصاب وفقاً للمحاور المطروحة من قبله والتي سلطت الضوء على العمل المسرحي الفائز كان لنا ذلك اللقاء الشيق والذي أجتمع فيه للمرة الأولى على منصة أسرة الأدباء والكتاب الناقد والمخرج والكاتب في صورة تعكس تنوع المشهد الأدبي في مملكة البحرين وتمثل محاولة لمد الجسور بين الكاتب السردي والمخرجين لتفعيل إمكانية رؤية إنتاجهم على الشاشة المسرحية و  المرئية..

حيث أشار د. عباس إلى أهمية الأعمال السردية التي يتم من خلالها قراءة الحياة وتشكيلها والتي تتجسد في المسرح حيث نعيش الحياة ونتحسسها بشكل مختلف.. فالمسرح هو وجود نص ومتلقي وممثل يتفاوت فيه كل عرض عن الآخر وفق إعتبارات ومعطيات مختلفة..

وبدايةً توقفنا مع الدكتورة  د.جميلة الوطني عضو أسرة الأدباء والكتاب وعضو ملتقى القصة البحرين وعضو جمعية نهضة فتاة البحرين والعديد من العضويات حاصلة على الدكتوراه في القانون مع مرتبة الشرف لها إصدارات 9 إصدارات تتنوع بين دواوين شعر وقصص أطفال ورواية لليافعين وسيرة ذاتية..  فازت بالعديد من الجوائز كما ترجمت لها العديد من الأعمال إلى لغات أخرى.. وفي العام الحالي حول نص شرخ في جدار الزمن لمسرحية وعرضت في سلطنة عمان وجمهورية تونس والمملكة العربية السعودية لتفوز بأفضل عمل متكامل لجائزة المونودراما بقرطاج.

وأشارت إلى أن القصة تطرح قضية مجتمعية مهمة تتمثل في الخلاف بين طبقات المجتمع من ناحية الطائفية والطبقية متجسدة في قصة حب بطلتها فستان أهداه الحبيب لحبيبته حيث ذاقا مرارة الفراق لرفض عائلة الشاب الغني الإرتباط بالفتاة الفقيرة مبرزةً الصراع الذي يمر فيه كلا الطرفين مما أدى لحالة نفسية تعرض لها الشاب بحيث يسدل الستار على خطوة الإنتحار التي أقدم عليها ليضع حداً لحياته منهياً بذلك  حرارة المعاناة..

وأكدت الدكتورة بأن موضوع النص السردي يأتي ضمن المواضيع المطروحة للساردين وهي من المواضيع المكررة ولكن كل قاص وسارد يطرحها بزاوية مختلفة وفقاً لرؤيته الخاصة التي يتميز بها ويمايز بها نصه..

وأشارت إلى أن طبيعة التوافق مع المخرج تكمن ضمن إطار  أختياره للألفاظ والكلمات القوية التي تعطي المعنى والمشاعر حيث يخرج فيها بنص مسرحي قوي فبعض الحوارات في النص السردي المطروح تم الأحتفاظ بها فأعطت بذلك النص المسرحي قوة كنص وكعرض منوهةً على نقطة مهمة في هذا الصدد وهي تقليل بعض المخرجين  من مستوى الحوار الذي تتضمنه القصة من أجل تسهيله على الجمهور وهو الأمر الذي لم يقم به أ. محمد الحجيري مما أدى إلى الإرتقاء بالمشهد المسرحي وفقاً للبناء السردي.. هذا التعاون شكل بدوره نهوضاً للعمل المسرحي ليخرج لنا كعمل متكامل...

كما تناولت موضوع إختيار الممثلة إلهام علوي لتجسيد شخصية البطلة زينب وقدرتها على الغوص في أعماق هذه الشخصيات والشخصيات الأخرى في النص حيث أستطاعت إلهام بمشاعرها بأن تنقلنا لتلك الفتاة في تلك المرحلة إذ أنها  مثلت ثلاثة أدوار في نفس الوقت وهي:  زينب.. خالد.. الفستان..  فضلاً عن تمكنها من إجادة الأدوار وفق المشاعر الخاصة لكل شخصية..

وكانت كل بروفة تختلف عن الأخرى وكل بروفة تحتوي على نقلة جديدة.. من ناحية الحركة.. الملابس.. النقلة..

وبالحديث عن مشاعر الفوز والفرح لتحول النص السردي من الورق إلى المسرح أشارت الدكتورة  إلى تعود مشاعر الكاتب على التواجد بين دفتي كتاب جامدة ولكن عندما تنقل إلى الحركة وإلى الصوت يشعر بفرح وبهجة في هذه المواقف..

ومما يلفت الإنتباه هو تفكير المخرج محمد الحجيري بإعتباره خزانة الملابس والفستان الموجود كذكريات للبطلة زينب فجعل الخزانة لها البطولة.. إذ كانت تنقل الملابس من داخل الخزانة وتمثل دور البطل خالد وفي نفس الوقت تعتبر الخزانة هي التابوت أيضاً حيث تجره بحسرة كبيرة جداً لفقدانها الحبيب وهي فكرة مغايرة ومختلفة وجديدة جداً أتت ثمارها في فوز هذا النص كعمل مونودرامي..

أما عن مستقبل الكتابة المسرحية أشارت د. جميلة إلى عشقها للمسرح منذ الصغر  وتمكنها من خلال هذه التجربة الإلمام بمتطلبات المخرجين ومعرفة الفرق بين القصة التي ممكن أن تتمسرح والقصة التي تكون بين دفتي الكتاب يأتي ذلك وفق توجيهات الدكتور عباس القصاب لما له من خبرة في متطلبات الفن المسرحي..

حالياً تملك 3 إلى 4 أعمال مطروحة بين أيدي مخرجين وهي لن تتوقف عن كتابة ما يمكن أن ينتقل على خشبة المسرح.

وبالعودة إلى المخرج محمد الحجيري وهو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي حاصل على العديد من الجوائز  في التمثيل والإخراج مدير ومؤسس مهرجان الريف المسرحي.. عضو مؤسس للنادي المدرسي المسرحي.. مدير لشركة شيء للإنتاج الفني ورئيس لجنة المهرجانات في إتحاد المسرحيين البحرينين.

تطرق أ. محمد إلى الحافز الذي دفعه لإخراج هذا النص والذي يتجسد في مخاطبة الفتاة لخزانة الملابس حيث أحتوت هذه القصة على فكرة جديدة وإبداع مغاير من نوع آخر مكنه من التعامل مع النص من خلال خزانة الملابس.. هذا التذكار الذي كان يمثل فيها فترة فقدان خالد.. وبترشيح من الدكتور عباس القصاب للنص السردي تم كتابة أول مشهد للمسرحية وتم الإتفاق على الكتابة مع الدكتورة على أن يتم عمل النص المسرحي مختلف قليلاً عن النص السردي إلى أن أستكمل النص وكان على أرض الواقع في جمعية الدمام للعرض المسرحي..

مشيراً إلى صدق الشخصية التي جسدت الأدوار الثلاثة  محققة الأهداف المنشودة لكلاً من المخرج والكاتب والتي بناءاً عليها تم أختيار الممثلة المناسبة للعرض.. ويأتي إختيار إلهام علوي كترشيح من المملكة العربية السعودية من قبل الأستاذ محمد اسماعيل.. نوه بدايةً إلى أن الترشيح كان لأختها سوسن وقد تنازلت أختها عن النص فضلاً عن رؤيته كمخرج بأن إلهام هي الممثلة المناسبة للنص من جميع النواحي.. كانت الصعوبة فقط هي العمل في بيئة محافظة وهي البيئة السعودية ولكن إلهام نجحت في فهم المخرج وفهم إحتياجات النص المسرحي..

وتطرق إلى الإمكانيات التي تمتلكها الممثلة إلهام  مضيفاً لوجود أبعاد أخرى فيها لم يتم إكتشافها بعد.. ويمكن لأي مخرج أن  يكتشفها من خلال الأعمال الشخصيات المختلفة التي تستطيع وتتمكن من إجادتها.. ذلك أن  العمل المسرحي هو عمل مشترك لايقتصر على الكاتب فقط يمتد ليشمل طاقم العمل برمته..

وأكد على إمكانية كما أي مخرج في المساهمة بأي إقتراحات تفيد وتثري العرض المسرحي إذ أنها تصب لصالح هذا العرض الذي يمثل مملكة البحرين خصوصاً بوجود عرض قادم في المملكة الأردنية الهاشمية..

مضيفاً على تطور النص بعد الإشتغال وذلك لما للكاتبة الحقيقية من تأثير على القصة..

ومن خلال النص المطروح فإن معايير إختيار النص السردي لتحويله إلى نص مسرحي  تكمن في الفكرة فالفكرة  هي لب الموضوع.. إذ أن المخرج يستوعب الفكرة ويحولها لصورة مسرحية يضع لها بداية ونهاية وتطلعات ثم تليها مجموعة من الصور ترتب وتركب تماماً كالقصة المطروحة في حوار البطلة مع الفستان تم كتابة هذا المشهد كمشهد منفصل ثم تتابعت المشاهد ثم بدأت شخصية خالد.. وقد تم ألغاء الكثير من الحوارات وذلك وفق موازنة بين كلاً من معطيات المسرح والسرد..

فالمخرج يعتمد على الكثير من الصور.. يتخيل الحركة ويبدأ بتركيب المشاهد وبهذه التركيبة من موسيقى وسينوغرافيا وحركة يستطيع تذويب السردية ووضعها في قالب مغاير يحافظ على نصها الأصلي مع إضفاء رونق ولمسة إخراجية خاصة..

ولم يأتي إستخدام السينوغرافيا في هذا العمل المسرحي لشح الموارد المالية بل للقناعة الشخصية فمنذ  بداية العمل تشكلت لدي كمخرج السينوغرافيا بإعتبار خزانة الملابس تمثل الحياة والموت والتجديد والزمن والسفر والذكريات.. ويستطيع كذلك أي مخرج آخر قارىء للنص من الخروج بسينوغرافيا مختلفة..

وختاماً تقدم أ. محمد حجيري بإقتراح موضع ترحيب من رئيس أسرة الأدباء والكتاب الدكتور راشد نجم يتقضي بخلق مبادرة تواصل بين أسرة الأدباء والكتاب وإتحاد المسرحين لمسرحة النصوص السردية الإبداعية لمختلف الكتاب البحرينيين لما للأسرة من دور أدبي وثقافي مهم يرقى بالكاتب وبالنتاج الأدبي على مختلف الأصعدة.

--------------------

** روائية بحرينية.