يسرنا أن نقدم اليوم الحلقة الثالثة والأخيرة من ذكريات الصديق خالد جناحي حول دراسته الجامعية في بيروت.
كانت الحركة الطلابية البحرينية في السبعينات معروفة جداً وكان أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة البحرين - فرع بيروت- معروفين بأفكارهم الثورية، اليسارية والاشتراكية، وهي عقلية كانت في ذلك الحين تؤمن بأنه يجب أن تكون دائماً هناك مساحة لحرية التعبير والجدل والنقاش.
وكان حوالي مائة طالب بحريني يدرسون في الجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة بيروت العربية جزءاً من الاتحاد الطلابي، وكانوا يستأجرون شقةً رخيصة تقع على مسافة قريبة من الحرم الجامعي حيث يستطيعون أن يتجمعوا للأحاديث ولعب تنس الطاولة وأكل الهوت دوج والاسترخاء. كانت هذه مقدمة لفتح عيوني على الحياة خارج البحرين. وكانت الشقة تحتوي على صالة كبيرة وعلى خمس غرف مع مساحة كافية للطلاب ليتجمعوا لأجل الأحاديث والمناقشات الحيّة، رغم أنها محرّضة.
الكثير من أولئك الطلاب الذين قدموا أنفسهم على أنهم ثوريون في ذلك الوقت، أصبحوا فيما بعد وزراء ومسئولين كبار ونسوا كليّةً عقليتهم الثورية. العديد منهم تراجعوا إلى عقلية المحافظة على النفس والتوافق، حينما عادوا إلى البحرين وأصبحوا مهتمين أكثر بتأمين مكانهم والحفاظ عليه في التسلسل أكثر من النظر إلى صالح الجميع. أنا لا أخطّئهم على ذلك وكنت ممتناً لاختبارهم للعدالة ومبدأ الكل من أجل الواحد والواحد لأجل الكل.
لقد وقعت في حب لبنان وأنا متشكر للأبد لحصولي على الفرصة لكي أجرب صحوة ثقافية وفكرية في فترتي القصيرة التي قضيتها في الجامعة الأمريكية في بيروت. كنت منغمساً في أفلام السينما والموسيقى، وقد ظهرت الفنانة اللبنانية الشهيرة فيروز آنذاك في مسرحية غنائية اسمها "ميس الريم" والتي شاهدتها ست مرات.
في سبتمبر 1975م تغير كل شيء مع بداية الحرب الأهلية. العديد من زملائي البحرينيين ذهبوا إلى الولايات المتحدة للدراسة في ولاية تكساس. لكن أمي التي نادراً ما تتدخل في اختياراتي، عارضت سفري بشدة إلى تكساس. لقد شعرَت في داخل قلبها أنني إذا تركتها وسافرت إلى الولايات المتحدة، سوف لن أعود، وأعتقد أنها كانت على حق.
رجعت إلى وطني البحرين لأخطط لخطوتي القادمة وأتقدم بطلبات الالتحاق إلى جامعات في إنجلترا. كان عمري حينها 17 سنة، واعتبرت أن الستة أشهر القادمة ستكون بالنسبة لي كإجازة قصيرة، بالرغم من امتحانات القبول والطلبات التي تنتظرني.
المصدر: كتاب "من الحكم إلى القيادة في العالم العربي From Rulership to Leadership in the Arab World" للسيد خالد عبدالله جناحي.