بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
نحن المواطنون الصابرون المتطلعون لمستقبل آمن ومستقر، نستحق أن تستعيد البحرين عافيتها وتتماسك مكوناتها بعد أن تبادل الجميع اللكمات والطعنات النجلاء التي أدمت جسد الوطن وأثخنتهi - بالجراحات، حتى باتت تنذر بالتحول إلى دمامل تنتج قيحاً ودماً فاسداً، آن للوطن أن يتخلص منه ويبدأ في استعادة نشاطه وعنفوانه بين الأمم.
إثنى عشر عاماً من التوتر والتوجس وحبس الأنفاس والكلمات داخل الصدور مخافة أن يساء تفسير هنا أو تقدير هناك، فينتج عنه إجراء أو قرار يهدم أسرة أو يصادر مستقبل أو ينهي أملاً يراود مواطناً يحلم بغدٍ آمن ومستقر في بلاد عُرفت بالتسامح والتسامي فوق الخلافات، وفتح أبواب المحبة لبدايات جديدة.
البعض يحسب عمر البلاد بعدد الأزمات التي مرت بها، ويؤرخ لتاريخها بعدد الصدامات التي حدثت٦ بين الحكومة وبين القوى السياسية الفاعلة بمختلف توجهاتها الفكرية والعقائدية، وتلك مسألة تطول وقد آن لها أن تكون جزءاً من الماضي المطلوب تجاوزه حتى يمضي قطار الحياة لمحطات مليئة بالأمل من جديد.
أما أنا فإنني أدعو لإعادة التوثيق لتاريخنا وقدرتنا على التسامح والمرات التي تجاوزنا فيها الأزمات، والمرات التي إنطلقنا فيها نبني من جديد ونُعيد ترميم علاقاتنا، نُعيد فيها رسم أحلامنا وفق إمكانياتنا ووفق قدرتنا على فهم بعضنا البعض، وتحمل إختلافاتنا الفكرية والسياسية فيما بيننا من أجل تعزيز وحدتنا الوطنية.
بعد عقدين من الزمن على إنطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير والتسامح والعفو خطاه، آن لنا أن نتوقف ونراجع مواقفنا وعلاقاتنا وخطواتنا السابقة، باتجاه تجاوز عثرات الماضي، ووضع قواعد بناء جديدة صالحة لتعزيز المواطنة المتساوية في أجواء من الثقة والطمأنينة والاستقرار.
لذلك نرفع الصوت عالياً مُنادين بفتح خطوط التواصل بين الحكومة وكافة المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية من أجل تشخيص أخطاء الماضي والبحث لها عن حلول ناجعة، وأول تلك الخطوات أن لا يعتبر أحد من الأطراف نفسه منزهاً عن الخطأ، أو محصناً من النقد، فكلنا بشر، وكل بني آدم خطاءين وخير الخطاءون التوابون.
نعم نريد أن تنتشر في مجتمعنا التوبة عن الأخطاء السياسية والأمنية والقانونية والتشريعية التي حدثت خلال السنوات الماضية، وأن نفتح الباب للمراجعات والأبواب للمصارحة والمصالحة، وأن نتطلع لعلاقات سليمة بين مختلف مكونات المجتمع، علاقات متينة بين مختلف المواطنين قائمة على الثقة والطمأنينة.
نريد أن تفتح أبواب التنافس في الخير والبناء والتنمية وأن يُتاح للكفاءات أن تتبوأ المواقع القيادية، وتساهم في توجيه دفة القرار في مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات الوطنية بناء على انتاجيتها وخبراتها وإخلاصها، وليس وفق انتماءها وعرقها ولونها وجنسها وعلاقتها بسين أو صاد من أصحاب القرار.
نريد لوطننا أن ينهض من جديد على أكتاف أبناءه وليس على أكتاف الوافدين الأغراب من شتى بلاد العالم، وذلك يتطلب إعادة النظر في أعداد الوافدين ومدى الحاجة إليهم، كما يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة في شأن تدريب المواطنين وتمكينهم من المهن والوظائف المختلفة، بل وحصر عدد من القطاعات على المواطنين فقط.
ولتكن البداية عبر إطلاق مجموعة من الورش الوطنية في مختلف المجالات السياسية تحت مظلة الحوار الوطني المرتقب، ورعاية وتحفيز الكفاءات المهنية عبر إطلاق الورش والدورات التدريبية المزمُنة لتخريج خبرات قادرة على إدارة المرافق الخدمية والقطاعات الصناعية، وتمكينها من الوظائف الفنية القيادية، وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والبنوك والتأمين ومختلف الخدمات.
اليوم يفتتح دور الإنعقاد الاول من الفصل التشريعي السادس، وتتضح ملامح توجهات ومسارات مجلس النواب وقدرته على حل الإشكالات التي عاشها الوطن، فهل يقوم المجلس بدوره المأمول لتحسين الحياة السياسية، وهل يبادر النواب الجدد بتعزيز تواصلهم مع ناخبيهم،وتلمس احتياجات مناطقهم والتنسيق مع الاعضاء البلديين والجمعيات الخيرية والأهلية لتحسين المستوى المعيشي لأبناء البحرين.
وحتى تتحقق هذه التطلعات نحتاج إلى صفاء القلوب والعقول، والتجرد من آثار الماضي وما علق بنا من تشنجات وترسبات مذهبية وطائفية، وتحيزات عائلية وأمراض قبلية وعرقية، لأننا جميعا أبناء البحرين، المطالبون بالحفاظ عليها وحمايتها من كيد الكائدين وكل من يريد بنا شرا،
والله من وراء القصد .