بقلم محمد حسن العرادي
نُقدر بأن وزارة التنمية الاجتماعية تعيد تشكيل نفسها من جديد بعد أن إنفصلت عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية برئاسة الاخ العزيز جميل بن محمد علي حميدان، ونقدر المسؤولية الجسيمة التي يتحملها الوزير الجديد الاخ العزيز أسامة بن أحمد خلف العصفور والتي تحتاج إلى وقتٍ كثيرٍ ومجهودٍ كبير لتحقيق النجاح، خاصة مع التغييرات الإدارية التي حدثت في الوزارة من خلال تعيين الوكيل والوكلاء المساعدين للوزارة وحركة التنقلات بين المدراء والمسؤولين الجدد التي تحتاج إلى المزيد من الوقت للتأقلم مع بيئة إجتماعية رعائية متشعبة.
لكننا نريد أن نقول لوزارة التنمية الاجتماعية وزيراً، وكيلاً، وكلاء مساعدين، مدراء ومسؤولين أن عليهم مسؤولية كبيرة في التجاوب مع الكثير من المُتطلبات الإنسانية للمواطنين إلى جانب الرعاية والإهتمام بمؤسسات المجتمع الأهلي التي يتجاوز عددها 660 جمعية ومؤسسة ونادٍ وهيئة موجودين في ميدان العمل الأهلي والخيري والشبابي بما يزيد على القرن من الزمان.
وهم مسئولين كل في إختصاصه عن معظم أبناء المجتمع البحريني الذين يعتمدون في تصريف وتسهيل معاشهم وأمورهم وأسرهم وربما حياتهم على هذه الجمعيات، وهم حتماً ليسوا نِداً أو منافساً أو أعداءً لوزارتكم الموقرة، إنما هم شركاء حقيقيون معكم (بعد أن فَعلت معظم وزارات الدولة شعار الشراكة المجتمعية وصممت برامجها وفق هذه الشراكة، حتى ان البرنامج الحكومي تضمن هذا المعنى في التعامل مع الجمعيات الأهلية) وهي تخدم الناس في الأساس.
ان الجمعيات الاهلية تمتلك من الخبرة والدراية والمعرفة والاستعداد للعطاء ما يمكن أن يعينكم على تحمل وحمل المسؤولية وتحقيق النجاح لكم وللمجتمع والبلاد في تقديم الخدمات المجتمعية المتعددة، فلماذا يتم استعداءها والتشدد معها والتعامل معها بالشك والريبة والشدة والغلظة وتكبيل عملها بقيود وإجراءات بيروقراطية تكاد أن تشل أعمالهم "إن لم تكن قد شلتها بالفعل"، وجعلت معظمها مهمش ولا تدري كيف تُكيف أوضاعها بشروط تعجيزية تستجد كل يوم.
إن لدى وزارة التنمية الاجتماعية مسئولية كبيرة عن الكثير من الأعباء والالتزامات المجتمعية نحو الناس، وهي بحاجة إلى تشجيع الشراكات المجتمعية خاصة وأن هذه الشراكات ذات طبيعية تطوعية وطنية، والناشطين في مجالس إدارات ولجان وفعاليات هذه الجمعيات يقدمون ما لديهم من عطاء وجهود عن طيب خاطر ومن باب المحبة والولاء والانتماء لهذا البلد الطيب، وكلما تمكنت وزارتكم الموقرة من إستقطابهم وتعزيز العلاقة بهم والعمل معهم على تعزيز الثقة والتواصل مع قياداتها وعناصرها وتدريبهم وتأهيلهم، كلما أمكن الاستفادة من كادر كبير من النشطاء في المجتمع يمتلكون الكفاءة والخبرة والحرص على نجاح مهماتكم التي يعرفون أغلبها عن ظهر قلب، لقد كانت ولازالت هذه الجمعيات مصدر فخرٍ لمملكة البحرين على مر عقودٍ من الزمن لكون أدوارها رائدة في مجال العمل التطوعي الاجتماعي والخيري.
تعلمون أن كثيراً من هذه الجمعيات والمؤسسات تَجاوزَ عُمرها ما يُقارب القرن من الزمن في العمل الدؤوب ومراكمة التجارب والخبرات، وأن العديد من الوزراء والمسؤولين قد مروا على هذه المؤسسات والجمعيات ثم رحلوا بعد أن إستكملوا واجباتهم الرسمية، ومن ثم سلموا المسؤولية لغيرهم وهكذا مرت أجيالٌ من المسؤولين على وزارتكم كما الوزارات الأخرى ولم تبقى سوى سمعتهم وذكراهم والانطباعات التي تركوها لدى الجمعيات الأهلية.
إن الكثير من النشطاء والمُتطوعين الذين أفنوا حياتهم في العمل التطوعي والخيري لم يستلموا مقابلاً مادياً أو مكافئات أو جوائز أو تقدير رسمي طوال عقود من الزمن، ولا يزالون رغم ذلك ملتزمون بمسؤولياتهم بدون مقابل وعن طيب خاطر ويؤدونها بكل محبة وتفان وعرفان، لا ينتظرون من أحد حمداً ولا جزاءاً ولا شكورا،
وبدون شك فإنهم يقدرون المسؤولية التي تقومون بها والسعي الرسمي لتنظيم العمل الأهلي ومأسسته وتحديثه وتطويره بشكل مُستمر، وتسعى هذه الجمعيات دائماً لتفهم القوانين والتوجيهات والبيانات التنظيمية التي تصدرونها والجهات الأخرى، لكنهم أصحاب مسؤوليات أخرى أيضا، وربما قصروا في واجباتهم العائلية من أجل الوفاء بالأعمال التطوعية الأهلية التي يتطلبها العمل الأهلي، خاصة وهم يقتطعون من أوقاتهم وأوقات عوائلهم الكثير للعمل على إنجاح هذه الجمعيات والمؤسسات الاهلية التي يخدمونها باشفار عيونهم.
فهل يجوز بعد عطاء هذه السنوات أن يتعرض هؤلاء الكوادر المتفانون للتشكيك في ذمتهم والطعن في سمعتهم بدون أي مبرر، بل ويتعرضون للاستدعاءات والتحقيقات الجنائية والإحالة للنيابة العامة لأتفه الاسباب وأبسط الأخطاء التي قد تنشأ عن سوء فهم أو قلة تفرغ ومعرفة، أو عدم تكيف في الوقت المطلوب مع القوانين والأنظمة التي تتغير بسرعة البرق في وزارتكم الموقرة، وربما بسبب كثرة الطلبات والتقارير الالكترونية التي تطلبونها والتي تحتاج إلى تفرغ تام، ودورات وورش تدريبية وفنية كثيرة للتكيف معها والوفاء بمتطلباتها،
لقد حان الوقت لعقد المزيد من الحوارات واللقاءات التشاورية مع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي ووزارتكم الموقرة من أجل التوصل إلى تفاهمات مناسبة مشتركة تفي بمتطلبات وإشتراطات وزارة التنمية الاجتماعية، وفي ذات الوقت تحقق أهداف المؤسسات والجمعيات الأهلية بسلاسة ويسر وبدون تقريع كما حدث في المثالين التاليين؛
المثال الأول: إحدى الجمعيات الأهلية المعنية بالشان العام والناشطة جداً في الخدمة المجتمعية والتي لا يزيد عدد أعضاءها على 50 عضواً، وقيمة اشتراك أعضاءها 12 دينار سنوياً ، لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية من إيجار مقر وأجور ومرتبات ومصروفات تشغيلية، نظراً لشح المصادر وتشدد الوزارة في منع الجمعيات الأهلية من الحصول على دعم داخلي أو خارجي بدون ترخيص مباشر منها رغم قبول الجمعيات وترحيبها بالرقابة والتدقيق، وعندما عرضت الجمعية مشكلتها على جمعيتها العمومية قرر الأعضاء المساعدة والمساهمة في تسديد الالتزامات المالية على الجمعية حتى تتمكن من الاستمرار في أداء دوها الحيوي، فهل يجوز اتهام هذه الجمعية بجمع المال بدون ترخيص أو التهديد بإحالة مسؤوليها إلى التحقيق لدى النيابة العامة؟
المثال الثاني: إحدى الجمعيات الأهلية التي لا يزيد عدد أعضاءها عن 30 عضواً والتي تتعثر أعمالها بسبب قلة مصادرها المالية، ويتحمل رئيسها وبعض أعضاء مجلس إدارتها أغلب الأعباء المالية المترتبة عليها، نظراً لأن اشتراكات الأعضاء البالغة 12 دينار لكل عضو سنوياً لا تفي بالمتطلبات المالية، ورغم أن حسابها البنكي متوقف لدى أحد البنوك المحلية والتي صارت تتشدد عموماً في تحريك حسابات المؤسسات والجمعيات الأهلية، وتُطالب بالكثير من المستندات والاثباتات عن مصادر الأموال وجهات التصريف، هذه الجمعية قدمت رسالة الوزارة باعتماد تواقيع المسؤولين فيها عن الحساب البنكي المسجل باسم الجمعية للبنك، الا أن الحساب المتواضع جداً لايزال موقوفاً في انتظار استكمال متطلبات البنك الغريبة، والأدهى والأمر هو قيام وزارتكم بإحالة هذه الجمعية للنيابة العامة وادانتها من قبل وزارة التنمية بتهمة جمع المال بدون ترخيص.
ولنا أن نتساءل .. كيف لجمعية أهلية لم يتم تحريك أو تفعيل حسابها البنكي بعد، أن تتهم بجمع المال بدون ترخيص ويُحكم عليها بالغرامة المالية من قبل وزارتكم، ثم لماذا لا تُعامل الجمعيات والمؤسسات الأهلية بصفتها الاعتبارية بدل بهدلة رئيسها وأعضاءها الاداريون، لماذا تُرفع دعاوى شخصية عليهم بالاسم، ويتم تجريمهم والتعامل معهم مثل الجناة، إننا نطالب وزارة التنمية أن تتريث في اتخاذ مثل هذه القرارات وتفتش عن آليات هادئة ومشجعة للتعامل مع المؤسسات الأهلية، "وهي تستحق ذلك لأنها رفدت وفعّلت العمل المجتمعي عُقوداً عديدة من الزمن، وهي من أوصت بها الأمم المتحدة في هدف التنمية 17، ودعت كافة الدول لدعمها ومساندتها واعتبارها الشريك الأساس في انجاح خطط وبرامج التنمية المستدامة، نقول هذا حتى لا يشهد العمل الأهلي المزيد من العزوف والإنحسار ويخسر المجتمع صمام أمان يستوعب مشاكله وهمومه ويكون عوناً وليس عبئاً على الدولة، خاصة ونحن نرى الوضع المؤسف في الإبتعاد عن الترشح لمجالس إدارات الجمعيات الأهلية والخيرية، بل وقلة الاعضاء الجدد الذين ينظمون اليها.
لقد تراجع عدد ودور الجمعيات التعاونية في البلاد، كما تقلص عدد الأعضاء في أغلب الجمعيات الأهلية بمختلف انواعها وتوقف الانتساب إلى الجمعيات الخيرية، وأصبح الكثير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية مُجرد واجهات وديكور جميل، وأندية نخبة تنتظر إعلان شهادة الوفاة، لا يزورها أحد الا في فترات متباعدة وحسب الفراغ، وتقلص العدد الإجمالي لها رغم فخر البلاد رسمياً بالمجتمع المدني والاشادة به في التقارير الرسمية التي ترفعها للامم المتحدة ومنظماتها " إلا أن هذه المؤسسات والجمعيات الأهلية في معظمها شبه مشلولة للأسف الشديد" ويُخشى على من تبقى منها أن تنسحب أو تشيخ قياداتها الادارية المتمسكة بدورها الاداري التطوعي بها فتصبح خاوية على عروشها.
لهذا كله فإننا نطالب وزارة التنمية الاجتماعية بوقفة جادة تراجع فيها طريقة التعاطي مع مؤسسات وجمعيات المجتمع الأهلي والمدني، بما يُعزز من دورها ويُحسِّن من أداءها ويُفعّل مبدأ الشراكة المجتمعية الحقيقية، حتى تتمكن من لعب دورها كشريك كامل في تحقيق برامج التنمية المستدامة، وتخفف عن كاهل الوزارة في التواصل مع مختلف الفئات المجتمعية التي تحتاج لجهودها، خاصة ونحن نُشاهد الدور الكبير الذي تلعبه هذه المؤسسات على صعيد دعم المجتمع ثقافياً واجتماعياً وصحياً وعلمياً وخيرياً من خلال ما تقدمه من برامج دعم وتبني للأسر والأفراد والوقوف الى جانبها بالتوعية والإرشاد والمساندة المادية والمعنوية.
وفي انتظار أن تبادر الوزارة الى إطلاق طاولة حوار وتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني لتجاوز سوء الفهم والالتباسات الحاصلة في طريقة التعاطي فإننا نشير الى النقاط التالية :
1- الإلتزام بمخرجات الحوار الوطني في 2011 التي نصت على أهمية وجود قانون عصري لمؤسسات المجتمع المدني، يشارك في كتابته مؤسسات المجتمع المدني من خلال عقد ورش عمل لذلك كما حدث في العام 2007.
2- إعادة النظر في طريقة التعامل ذات النظرة الفوقية والاستعلائية مع مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، واستبدالها بكل ما يعزز الشراكة المجتمعية، واستبدال اسلوب التهديد والوعيد الذي تلجأ اليه الوزارة في التعامل مع الجمعيات والمؤسسات الأهلية بأسلوب الحوار والتعاون من أجل حل القضايا العالقة وخاصة بشأن اقرار التقارير الدورية وعقد انتخابات مجالس الادارات الجديدة.
3- التفكير جدياً في توفير الدعم المالي للجمعيات والمؤسسات المجتمعية وتسهيل حصولها على الدعم والرعاية المالية من قبل القطاع الخاص والشخصيات الوطنية بالاضافة الى الشراكات الدولية المعترف بها من قبل الوزارة، لتعزيز قدرة القطاع الاهلي على الاستمرار واداء دوره الحيوي.
4- إتاحة الفرصة لاتفاقيات التشبيك والتوأمة والتعاون والتنسيق فيما بين المؤسسات والجمعيات الأهلية ومع مثيلاتها في الدول العربية والصديقة، بما يعزز من المهنية ونقل التجارب وتعزيز الكفاءة.
5- عقد اللقاءات الحوارية والمنتديات الدورية المنتظمة مع مؤسسات المجتمع المدني للتشاور والتنسيق حيال كافة المستجدات في مجال العمل الأهلي وتعزيز الشراكة المجتمعية بما يفعل دور القطاع الاهلي في تحمل المسؤولية، والله من وراء القصد.