بقلم محمد حسن العرادي
اعتاد المواطنين على متابعة تقارير الرقابة المالية والادارية التي أكملت إصدارها التاسع عشر بالوفاء والتمام، وتتراوح ردود أفعالهم بين الاستبشار والرجاء ثم تنحدر توقعاتهم إلى توقع القليل أو اللاشيء!
خلال هذه المسيرة المليئة بالملاحظات الدقيقة والمهنية التي رصدت عشرات إن لم يكن مئات المخالفات على أداء الوزارات والهيئات الحكومية الرسمية وشبه الرسمية، وصولاً إلى شبهات الفساد، إلا ان عدد المخالفات التي أحيلت للنيابة تكاد لا تُذكر وربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وقد بذل النواب عبر أدوار الانعقاد المتعاقبة، والساسة والمحللين الاقتصاديين والماليين والإعلاميين جهوداً كبيرة من أجل قراءة التقرير والبحث عن المفارقات التي يتضمنها، لاسيما التركيز البحث عن المخالفات المالية والإدارية (تحولت إلى ملاحظات) والكثير من شبهات الفساد، لكنهم جميعاً عجزوا أن يجدا فاسدين تم أو سيتم إحالتهم للتحقيق بناء على المخالفات (الملاحظات) التي رصدتها التقارير على مدى عشرين عاماً.
والحال إن التقارير المالية والإدارية قد أصبحت نوعاً من الروتين والمادة الدسمة للنقاش ينشغل بها المجتمع لمدة ثلاثة او اربعة أشهر، ثم تخبو جذوة النقاش ويتراجع الانفعال حول مخالفات التقرير والانتهاكات التي يرصدها بكل مهنية وحرفية عالية، لدى الكثيرين قناعة بأن الأمر بات يحتاج إلى قرار سياسي حاسم لتفعيلها وإجراء تحقيقات نيابة عامة تتابع تلك المخالفات (الملاحظات) وتحيل من يثبت عليه التقصير إلى القضاء.
لقد اكتشفنا مؤخراً أن وزارة معنية بالاشراف على مؤسسات المجتمع المدني قد غيرت من الصورة وأثبتت بأن هناك جدية كبيرة لملاحقة الفساد والمفسدين، حين بادرت بإحالة العديد من المتطوعين (الفاسدين) الى النيابة العامة بتهمة التقصير وإرتكاب مخالفات وجرائم يعاقب عليها القانون من نوع ما يلي:
1- عدم تسليم التقارير السنوية في المدة المقررة بأسبوعين.
2- عدم عقد الجمعية العمومية في الوقت المحدد.
3- جريمة دعم أعمال الجمعية من قبل رئيس وأعضاء مجلس الادارة.
4- تهمة دعم أعمال الجمعية مالياً من قبل اعضاء الجمعية العمومية.
5- عدم فتح باب الترشح لمجلس الادارة في الوقت المقرر.
6- عدم تسليم محاضر اجتماعات مجلس الإدارة في الوقت المحدد.
7- عدم وجود أوامر صرف أو سندات قبض التي تصرفها او تستلمها الجمعية.
8- استلام اموال تبرعات دون وجود ترخيص جمع مال.
9- وجود فائض مالي ناتج عن فعاليات ومشاريع الجمعية دون إبلاغ الوزارة.
10- تلقي تبرعات مالية في غير الحساب المخصص للتبرعات.
11- تلقي هبات أو تبرعات مالية لدعم فعاليات الجمعية من قبل مؤسسات أو افراد دون إبلاغ الوزارة خلال 7 أيام من الاستلام.
12- تحويل مبالغ للخارج نظير إقامة أو خدمات تقدم للجمعية ومشاريعها دون إبلاغ الوزارة مسبقاً.
13- عدم نشر إعلانات وبيانات الجمعية حسب ما ينص عليه القانون.
14- وقائمة طويلة وممتدة من المخالفات والتهم التي ما انزل الله بها من سلطان، لكنها موجودة في القانون رقم 21 لسنة 1989 الخاص بعمل الجمعيات والأندية.
وهكذاً فإن هناك باباً خاصاً كاملاً يحمل عنوان الباب الخامس ويضم عديد من المواد والبنود التي تحدد نوعية العقوبات الصارمة على كل من تسول له نفسه مخالفة هذا القانون العتيد والغريب أن العقوبات على أغلب هذه التهم تتراوح بين الغرامة والحبس، وأحيانا تجمع بين الحبس والغرامة،
وقد لا يتم الاكتفاء بما حدده القانون في حال وجدت عقوبات أشد في قانون العقوبات حسب ما ينص عليه القانون، وعلاوة على ذلك فان القانون يمنح سلطات مأمور الضبط القضائي لموظفي الوزارة، الذين لهم الحق في تكييف التهم كما يرونها مناسبة، وقد يقوم المسؤول بتغيير التهمة ضد الجمعية لتتكيف مع الرأي القانوني الذي يدين المتطوعين.
ومن باب التوعية والتثقيف للمجتمع ومؤسساته وجمعياته وحمايتها من إرتكاب الجرائم التي ينص عليها القانون 21 لسنة 1989، سنستعرض
العقوبات التي ينص عليها (الباب الخامس) من القانون زيادة في الحيطة والحذر حتى لا يقعوا في المحذور ويعرضوا أنفسهم للعقاب، وقد جاء في باب العقوبات ما يلي:
مادة - 89 -
يعاقــب بالحبــس مـــدة لا تزيــد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1 - كل من حرر أو قدم أو أمسك محرراً أو سجلاً يلزمه هذا القانون تقديمه أو إمساكه يشتمل على بيانات كاذبة مع علمه بذلك. وكل من تعمد إعطاء بيان مما ذكر لجهة غير مختصة أو تعمد إخفاء بيان يلزمه القانون بإثباته.
2 - كل من باشر نشاطا بجمعية أو مؤسسة خاصة أو نادٍ ثـقافي أو اجتماعي أو هيئة خاصة عاملة في ميدان الشباب والرياضة قبل نشر بيان تسجيلها في الجريدة الرسمية طبقا لأحكام هذا القانون.
3 - كل من باشر نشاطا للجمعية أو المؤسسة الخاصة والنادي الثـقافي أو الاجتماعي أو الهيئة الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة يجاوز الغرض الذي أنشئت من أجله أو أنفق أموالها فيما لا يحقق هذا الغرض أو دخل بأموالها في مضاربات مالية.
4 - كل من سمح لغير الأعضاء المقيدة أسماؤهم في سجــلات الجمعية أو المؤسسة الخاصة أو النادي الثـقافي أو الاجتماعــي أو الهيئة الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة بالاشتراك في مداولاتها أو مداولات الجمعية العمومية.
5 - كل من اشترك في مواصلة نشاط جمعية أو مؤسسة خاصة أو نادٍ ثـقافي أو اجتماعي أو هيئة عاملة في ميدان الشباب والرياضة أو تصرف في أموالها على أي وجه بعد نشر قرار الحل في الجريدة الرسمية ويعتبر العلم ثابتا في حق الكافة بنشر قرار الحل في الجريدة الرسمية.
6 - كل مــن تصرف في أموال وموجـــودات الجمعيـــة والمؤسســـة الخاصـــة أو النـــادي الثـقافي أو الاجتماعــي أو الهيئة الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والصــادر قــرار بحلها على خلاف ما يقضى به هذا القانون.
7 - كل من جمع تبرعات على خلاف أحكام هذا القانون، ويجوز الحكم بمصادرة ما جمع منها لحساب الجهة الإدارية المختصة لأنفاقه في وجوه البر أو لصالح الرياضة حسب الأحوال.
8 - كـل مــــن امتنــــع مـــن أعضــــاء مجلـس الإدارة أو مجلـس الأمـناء أو المديـر أو الموظفيـن عـن المبـادرة بتسليــم الأموال والمستـندات والدفاتر المتعلقـــة بالجمعيـــة أو المؤسســـة الخاصة أو النــــادي الثـقافي أو الاجتماعــي أو الهيئــة الخاصة العاملة في ميــدان الشباب والرياضة والتي تقرر إدماجها في جمعيــة أو نادٍ ثـقافي أو اجتماعي أو هيئة خاصة أخرى عاملة في ميدان الشباب والرياضة، وذلك إلى المسئولين في الجمعية أو المؤسسة الخاصة أو النادي الثـقافي أو الاجتماعي أو الهيئة الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والتي تقرر إدماج الجهة الأولى فيها. وكذلك كل من امتـنع عن المبادرة إلى تسليم هذه الأموال والمستندات إلى المدير المؤقت أو مجلس الأمناء المؤقت في حالة تعيـينه سواء بالنسبة للجمعيات أو المؤسسات الخاصة أو النوادي الثـقافيـة أو الاجتماعية أو الهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة.
مادة-89- (مكرراً)
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من انشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة دون اتخاذ إجراءات تسجيلها وفقاً لأحكام هذا القانون، ويعاقب بذات العقوبة كل من نشر أو أذاع بأية وسيلة كانت أخباراً أو معلومات أو بيانات عن تلك الكيانات.
مادة - 90 -
يعاقب بالحبس مـــدة لا تزيد علــــى أسبوعين وبغرامة لا تجاوز مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام الفقـرتين (2، 3) من المادة (72) من هذا القانون.
ويحــكم دائمــا بمصــادرة الأشياء موضوع المخالفة، كما يجوز للقاضي أن يحكم بغلق الهيئة أو المحل بحسب الأحــوال.
وفي حالة تكرار المخالفة تكون العقوبـــة الحبـــس مدة لا تزيد على شهر والغرامة التي لا تقل عن خمسين دينارا أو إحدى هاتين العقوبتين.
مادة - 91 -
كل مخالفة أخرى لهذا القانون أو القرارات التي يصدرها الوزير المختص في شأنه يعاقب مرتكبها بغرامة لا تجاوز خمسين دينارا.
مادة - 92 -
لا يخــل تطبيــق الأحكام المتقدمة بتوقيع عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
مادة - 93 -
يكون للموظفين الذين يندبهم الوزير المختص لتـنفيذ أي من أحكام هذا القانون سلطة ضبط الجرائم المشار إليهـا وتحرير المحاضر اللازمة في هذا الشأن وسؤال المخالفين وإحالة المحاضر إلى الادعاء العام (انتهى الاقتباس).
وهكذا فإن على المتطوعين اليقظة والإنتباه من الوقوع تحت طائلة هذه العقوبات، ورغم أن لكل جمعية أو مؤسسة مجتمع مدني شخصيتها الإعتبارية التي يمثلها رئيسها المعين وهو الممثل القانوني للجمعية أمام القضاء وأمام الغير، الا أن الجهة المختصة قامت في الآونة الأخيرة باحالة عدد من أعضاء مجالس إدارات الجمعيات والمؤسسات المجتمعية إلى النيابة بصفتهم الشخصية الفردية، وعندما سألنا الجهة المختصة لماذا تحولون المخالفات يشكل فردي كان الجواب غريباً عجيباً.
ومن باب العلم بالشيء فإنه في حال وجود مخالفات مالية على الجمعية يحال الأمين المالي للنيابة العامة، أما إذا كانت المخالفة إدارية فإن أمين السر يُحول إلى النيابة العامة، وعليه فإذا كانت المخالفه اجتماعية يحول المسؤول الإجتماعي للنيابة، وإذا كانت المخالفة إعلامية يحول المسؤول الاعلامي وهكذا وكل عضو وموقعه وحظه.
وهكذا ياسادتي الكرام وجدت النيابة العامة نفسها مشغولة بالتحقيق في مخالفات كثيرة وكبيرة لا يمكن عدها أو حصرها، فقط على مؤسسات المجتمع المدني، والمفارقة أن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية التاسع عشر قد تماماً أغفل ذكر الجمعيات والمؤسسات الأهلية وكأنها غير موجودة في صفحاته،
والسؤال الذي يطرح نفسها بقوة، هل أن تقارير الرقابة المالية والادارية اُعدت فقط لتطبق على مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، حتى اعتقد البعض بأنها السبب الوحيد لجميع الكوارث الاقتصادية والمالية والأزمات التي تعاني منها البحرين.
اخشى أننا من خلال هذه الخطوات سنساهم من حيث ندري أو لا ندري في وأد وإنهاء مؤسسات المجتمع الأهلي وسنقضي عليها، وفي أقل الأحوال سنحولها إلى جمعيات كارتونية لا تقدم أي عمل مفيد للمجتمع خوفاً من الوقوع في الخطأ والإحالة للنيابة العامة، هذا اذا لم تؤدي هذه الاحالات إلى تجفيف وتفريغ الجمعيات والمؤسسات الاهلية من الكفاءات والكوادر المتطوعة التي عملت لسنوات عديدة في خدمة الناس والمجتمه، ثم وجدت نفسها تحت طائلة قانون مُسلط عليها بدون تمييز يجرجر نشطائها في النيابة والمحاكم ويعرض سمعتهم للشبهات والتشويه، الكثيرين سيؤثرون التعامل بمبدأ السلامة اولاً وينسحبون من العمل التطوعي برمته، بعد ان كانوا متفانين وجادين وحريصين طوال أكثر من قرن على نجاح العمل الأهلي التطوعي.
لذا فإننا نطالب بإعادة النظر في هذا القانون، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني في اجراء التعديلات اللازمة عليه،من أجل إيجاد قانون عصري حديث يتماشى مع احتياجات ومتطلبات الجمعيات والمؤسسات بانواعها، كما ونطالب بتحديث النظام الالكتروني أسوة بأنظمة الحكومة الالكترونية ذات الكفاءة العالية في الاداء في مختلف الوزارات والتي يسّرت أعمال المواطنين وواكبت عصر التكنولوجيا المتقدمة، خاصة وأن هذا النظام غير فاعل وقديم وتسبب في إحالة الكثير من الجمعيات إلى النيابة بدون مراجعة أو تمحيص، كما نطالب بأن يكون هناك عدد كافٍ من الموظفين في إدارة المنظمات لمتابعة شئون العدد الكبير من الجمعيات الذي يتجاوز 660 جمعية، مقدرين الجهود التي يبذلها القائمين على خدمة هذا القطاع، لكننا واثقون بأن عددهم لا يكفي، وأخيراً وليس آخر نطالب أن تكون هناك لقاءات دورية ومستمرة مع إدارة المنظمات المجتمعية، من اجل خلق بيئة حوارية تبنى على حسن النوايا والتفاهم والشرح وتبيان اللبس أو حل الإشكالات التي تعترض طريق الجمعيات، والله من وراء القصد.