ما وراء انتخابات غرفة التجار -2
بقلم محمد حسن العرادي
أصبح في حكم المؤكد بأن غرفة البحرين قد دخلت عصراً جديداً من تمثيلها للقطاع التجاري والصناعي بعد الانتخابات التي جرت يوم السبت 19 مارس 2022 المختلفة تماماً في طابعها عن كل انتخابات الغرفة السابقة، فلقد افرزت هذه الانتخابات واقعاً مغايراً يتطلب قراءة متأنية تقود الى التحليل الموضوعي لواقع الغرفة ومستقبل تمثيلها لكل منتسبيها، خاصة بعد ان تمكن السيد سمير ناس رئيس الغرفة للدورة 29 من تشكيل تحالف متين يمثل كبار أصحاب رؤوس الأموال والعوائل التجارية في البلاد بهدف السيطرة الكاملة على مجلس ادارة الغرفة، وقد تحقق له ذلك من خلال فوز كتلة "تجار 22" التي قادها بكامل مقاعد مجلس ادارة الغرفة في الدورة رقم 30 واصبح بذلك ملكا متوجاً لرئاسة الغرفة لدورة ثانية بأريحية تامة وبدون اي منافس .
لقد تمكن السيد سمير ناس من رسم خارطة جديدة للواقع التجاري في البحرين قادت الى توزيع مقاعد مجلس ادارة الغرفة بما يرضي أصحاب النفوذ من الشركات والأسر التجارية الكبيرة في البلاد بما في ذلك الشركات القريبة من الحكومة، ولم يفت ناس تطعيم المجلس الجديد بممثلين عن كل المكونات المجتمعية بنسب متفاوته وأحياناً شكلية لتضمن له مراضاة الجميع وضمان السيطرة المطلقة على القرار وتوزيع الأدوار بما يضمن الاستمرار والسكينة لسفينة الغرفة دون اية عواصف او رياح تهز قبضته الشديدة على تلابيب القرار بها.
لقد تمكنت كتلة تجار 22 من الاستفادة من أخطاء الدورة السابقة لمجلس ادارة الغرفة وملئ الفراغات التي حدثت في خط سير عملها لتحاشي اية انتقادات مؤثرة، لذلك لم تلجأ الى قطع الوعود على نفسها كما فعلت في الدورة 29 وخاصة تحديد المنجزات التي ستقوم بتحقيقها في اول "100 يوم" من عمرها، وقد يعود ذلك الى عدم وجود منافس جدي في هذه الانتخابات بعد ان انسحب السيد خالد الزياني من السباق وترك مقعده لابنه نواف الزياني وهي خطوة تكتيكية ذكية تحسب لفريق سمير ناس، بالإضافة الى تناغم ذلك مع التغيير الكبير الذي حدث في موازين القوى داخل الجمعية العمومية، حيث تم تقوية لوبي كبار التجار على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر .
لقد أصبحت هذه المؤسسات التي تُشكل غالبية السوق التجاري ومحرك الاقتصاد الفاعل، خارج خارطة التأثير والمنافسة بعد ان تم تعديل طريقة احتساب الاصوات بحسب رؤوس أموال الشركات وبواقع 128 صوتاً للشركات التي يفوق رأسمالها مليون دينار ، و256 صوتاً للشركات التي يتجاوز رأسمالها 5 مليون دينار. وقد الغى هذا التعديل الحاجة الى التحالف مع المؤسسات والشركات الصغيرة او حتى مراضاتها بمقعد او مقعدين بعد تمرير تعديل النظام الانتخابي في القانون رقم 48 لسنة 2012 الذي ينظم اعمال الغرفة من قبل مجلس النواب الامر الذي منح عراب التعديل في مجلس النواب النائب احمد سلوم فوزا مريحا في هذه الدورة رغم انه لا ينتمي الى نادي كبار التجار.
ويلاحظ هنا بان احتساب النسب في إنتخابات غرفة التجارة الأخيرة قد شابها الإلتباس بصورة واضحة، حيث أعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات بأن نسبة المشاركة قد تدنت الى 3121 سجلاً فقط وبنسبة 9.53% من عدد السجلات المستوفية لشروط الانتخابات وعددها 32736 سجلا ، إلا أن الالتباس والمعلومات غير المدققة التي قدمتها اللجنة تكمن في انها لم تشر الى أن عدد السجلات التجارية المسجلة رسمياً الغرفة والفاعلة على أرض الواقع في البحرين والتي تقدر ب 100 الف سجل تجاري وهو ما يعني ان نسبة المشاركة هي أقل بكثير مما اعلنته اللجنة.
لقد أدى كل ذلك الى انخفاض عدد ( التجار) المشاركين في الانتخابات الى 1346 عضواً فقط وهو ما يعني تحول هذه الانتخابات الى انتخابات شكلية يديرها النظام الانتخابي لصالح " النخب" مع تضخم كبير في عدد الأصوات التي تمتلكها هذه النخب المشاركة في الانتخابات والتي وصلت الى 87620 صوتاً بما يشكل فارقا كبيرا عن عدد الاصوات المشاركة في انتخابات الدورة 29 للغرفة التي جرت في العام 2018.
وقابل ذلك تضخم لافت في عدد أصوات من يحق لهم التصويت بإعتبارهم أعضاء في الغرفة وعددهم حسب تصريحات اللجنة لا يتجاوز 32736 سجلاً فقط (من أصل 100 الف سجل) وبعدد أصوات بلغ 289670 ، الأمر الذي يفتح علامات استفهام واسعة عن أسباب غياب العدد الاكبر من أصحاب السجلات التجارية عن المشاركة في التصويت ضمن هذه الإنتخابات والمبررات التي اعتمدتها اللجنة في عدم الاشارة الي غيابهم.
ومن العجائب التي شهدتها انتخابات الغرفة أيضاً في دورتها ال 30 ان المشاركين فيها كانوا يتكلمون عن آلاف الأصوات التي يمتلكونها، فهذا العضو يمتلك ألف صوت وذاك يمتلك ثلاثة آلاف وغيره يمتلك 5000 صوتاً أو أكثر، وكأن الانتخابات قد اصبحت بمثابة اوكازيون للاصوات ، ويمكن اعتبار هذه الانتخابات بمثابة جلسة مزايدة بين من يملك أصواتا أكثر.
وهنا بجب الاشارة الى ان كل المعلومات والبيانات الخاصة بعدد الأصوات التي يمتلكها كل عضو من اعضاء الغرفة متوفرة لدى مجلس الادارة الذي كانت تديره ( كتلة تجار 18) منذ وقت طويل وقد سهل عليها ذلك دراسة ورسم الخارطة اللازمة للتحالفات، وعليه فإن قائمة تجارة 22 الجديدة تم صياغتها بناء على تلك المعلومات الدقيقة فادخل في الكتلة من يمتلك اصواتاً عالية وأقصي الآخرون مع سبق الاصرار والترصد.
ويمكن القول بكثير من الثقة بأن القائمين على إدارة الحملة الانتخابية لكتلة "تجار 22" لم يكونوا قلقين أو متوترين أو بحاجة لانتظار نتائج الصناديق الانتخابية، فقد كانوا يعلمون سلفا بأن كامل اعضاء القائمة سيدخلون للمجلس الجديد مع فارق عدد الأصوات لكل منهم، حيث تجاوز رئيس الكتلة حاجز 60 ألف صوت فيما اكتفى آخر الفائزين من القائمة بعدد 30 ألف صوت وهو عدد بعيد بدرجة امان كافية عن الفائز بمقعد الاحتياط الأول السيد يوسف العوضي (مستقل وليس كما ذكرنا خطئاً في الجزء الأول من المقال بانه من كتلة ريادة)، والذي أحرز 23 ألف صوت، فيما حصل المتأهل الوحيد من "كتلة ريادة" الدكتور فيصل عبداللطيف الناصر بمقعد الإحتياط الثاني ب 17 ألف صوت فقط، ويتضح هنا بشكل سافر عدم وجود أي من مظاهر التنافس الحقيقي في هذه الانتخابات.
ولنا ان نتساءل هنا عن السر في انخفاض عدد العضويات الفاعلة في الغرفة بشكل كبير طالما أن تسديد رسوم الاشتراكات يتم اجباريا وبشكل آلي لدى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة لحظة تجديد السجلات التجارية،
فهل نتصور بأن الوزارة لم تقم بتحويل الرسوم التي جُبيت عن عضوية الغرفة والتي تقدر على الأقل بمبلغ 40 دينارا لكل سجل الأمر الذي أثر على عدد السجلات المستوفية لشروط العضوية، أم أن هناك تقاعس فعلي في متابعة هذا الأمر من قبل مجلس ادارة الغرفة ذاتها لحاجة في نفس يعقوب مع تساؤل مشروع عن ماهية هذا اليعقوب وقدرته على رسم خارطة التحالفات المضمونة .
ان نتائج انتخابات الدورة 30 تؤكد بأن غرفة البحرين في طريقها للتحول الى ناد لكبار التجار - قد ينقصه افتتاح نادي رياضي للراحة والاستجمام وكوفي شوب خاص لا يدخله الا الراسخون في التجارة والاقتصاد وربما زوار البحرين من درجة الخمس نجوم واعلى - ويبدو إننا امام مرحلة جديدة لتقاسم الغنائم بين اعضاء المجلس الجديد، فقد تم اسقاط القاعدة الديمقراطية الذهبية (من يدفع يقرر أو يساهم في اتخاذ القرار) لأن غالبية أعضاء الغرفة - الرعية - لم يعد لهم أي تأثير يذكر في قراراتها ورسم سياستها، واذا عرفنا بان ميزانية الغرفة تقدر بأكثر من 30 مليون دينار بحريني، وان دخلها السنوي من اشتراكات العضوية والرسوم يقدر بالملايين ايضاً، سنعرف ان هناك ما يستحق التنافس عليه وربما تغيير القوانين للاستحواذ عليه بصورة شرعية ايضا.
ويبدو أن الأمر قد لا يقف عند ذلك فحسب، فهناك من اشاعة تقول بأن بعض أعضاء مجلس ادارة غرفة تجارة البحرين يطالبون بتحديد مكافئات مالية للسادة أعضاء مجلس الادارة (اسوة بأعضاء مجلس النواب والشورى) رغم ان مجلس ادارة الغرفة لا ينعقد أكثر من 6 مرات في السنة بمعدل اجتماع كل شهرين،
وتدور أحاديث حول إقتراح منح 3750 دينار كمخصص شهري لكل عضو من أعضاء مجلس الادارة في الدورة الجديدة،
وتجدر الإشارة إلى ان اللائحة المالية للغرفة تقر منح كل عضو من أعضاء لجان الغرفة مكافئة مالية بواقع 50 دينار عن كل اجتماع و75 دينار لرؤساء اللجان عن كل اجتماع يترأسونه، هذا فضلا عن المكافئات والبدلات الكبيرة للأعضاء المشاركين في المؤتمرات والزيارات التي تمثل الغرفة، حيث يمنح كل عضو 150 دينار عن كل يوم سفر فضلا عن التذاكر والمصروفات الأخرى،
فيما يحصل رئيس الغرفة على 300 دينار عن كل يوم سفر للخارج وهي بدلات كبيرة وتمر بلا رقيب او حسيب، عدى عن تكاليف ومصروفات الإكراميات والهدايا تحت باب النثريات.
والسؤال الأبرز هنا هو ماذا سيقدم المجلس الجديد لادارة غرفة تجارة البحرين للاقتصاد البحريني، وما هي خطط المجلس للإنجازات الواجبة للتكيف مع الأوضاع الاقتصادية المضطربة محلياً وعالمياً، خاصة فيما يتعلق بالأزمات التي يعيشها الاقتصاد العالمي الذي لم يتعافى بعد من أزمة الرهن العقاري لعام 2008 وآثار جائحة كورونا من نهاية العام 2019 والذي قاد الى ركود عالمي كبير ساهم في اغلاق العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ، فما بالنا بنتائج وتاثيرات الأزمة الاوكرانية والتي لا يعرف احد مدياتها وتاثيراتها الكارثية حتى الان؟
تحديات كبيرة تواجه كبرى وأعرق مؤسسات المجتمع المدنى في البحرين (غرفة البحرين) العاملة في اهم مجالات الاقتصاد الذي هو المحرك الأول للتنمية المستدامة والازدهار
ولنا عودة لمواصلة الحديث حول ما وراء الانتخابات