DELMON POST LOGO

نحو دوائر انتخابية أكثر عدالة في البحرين - 2

بقلم محمد حسن العرادي

إستغلت أمريكا الوضع الدولي الناتج عن حشد القوة والحلف العسكري الكبير الذي تجمع معها في منطقة الخليج العربي فانشأت المزيد من القواعد العسكرية، وصارت هي المتحكم الأول في جميع القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة بما يضمن مصلحتها ومصلحة حلفائها وعلى رأسهم (اسرائيل)، وقد أدى الوضع الجيوسياسي والاقتصادي الدولي الجديد الى إنهيار الإتحاد السوفيتي وسيطرة القطب الاوحد - امريكا - على القرار الدولي، وهو ما كان الهدف الرئيسي من جميع الحروب التي اشعلت في المنطقة الغربية ومختلف مناطق العالم
إرتكبت أمريكا الكثير من المآسي والجرائم ضد الشعب العراقي وجيشه المنهزم وخاصة المجزرة الدامية التي يندى لها جبين الإنسانية وتسقط عندها جميع الإدعاءات الأمريكية باحترام حقوق الإنسان وقت إنسحاب العراقيين من الكويت على طريق البصرة الذي سمي طريق الموت، ولم يتمكن أحد في المنطقة من تحريك ساكن أو سل لسانه من جوف حلقه لا بالاعتراض ولا بالاحتجاج، ولو للمطالبة بقليل من الديمقراطية، لكن أمريكا العالمة ببواطن الأمور والعارفة بالمستور والمطمور سربت بين النُخب بعض الحديث عن نيتها الضغط من أجل نشر الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان في المنطقة.
ولم يكن ذلك التسريب أكثر من بروبجندا ودعاية إعلامية غربية للتغطية على الفضائع والجرائم الإنسانية التي ارتكبتها هي وحلفائها من قمع وتنكيل طال البشر والحجر في العراق الجريح وخاصة في الحرب الثالثة التي شنتها تحت غطاء وكذبة وجود أسلحة الدمار الشامل عام 2003، فدمرت كل ما تبقى من بنى تحتية وفرص لاعادة الحياة في العراق وتربعت على صدور أبناءه لكي لا تقوم لهم قائمة.
وحين انكشفت اللعبة الاعلامية وظهر المستور على حقيقته المرة، تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً، واتضحت كذبة أمريكا الكبيرة وذهبت وعودها بنشر الديمقراطية وتداول السلطة وضمان حقوق الإنسان في المنطقة أدراج الرياح، ولم يتعدى تفيير الوضع في البحرين تشكيل مجلس شورى منزوع القرار ومعين بعيداً عن أي شكل من اشكال الديمقراطية المُبشر بها.
وبسبب استمرار الإحتقان والإنسداد السياسي على الصعيد الاقليمي والمحلي وعدم حدوث اي إنفراج سياسي أو ظهور أي بوادر أجواء لنشر الحرية والديمقراطية، تداعى النشطاء في البلاد من مختلف التيارات السياسية والاجتماعية إلى إطلاق العريضة النخبوية - 1992- المطالبة بعودة الحياة النيابية، ثم تلى ذلك بعامين اطلاق العريضة الشعبية - 1994- التي رفعت شعار - البرلمان هو الحل - فاشتعلت البلاد بأحداث التسعينات المرّة، وارتفعت وتيرة الصراع والصدامات، فسقط الشهداء والقتلى واكتظت السجون بالمعتقلين، والمنافي بالمبعدين والهاربين بعد أن أصبح الوضع الأمني لا يطاق.  
واستمر هذا التوتر يخبو ويشتعل حتى وصول جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفه حفظه الله ورعاه إلى سدة الحكم في 6 مارس 1999، وسرعان ما تحركت المياه الراكدة وبدى أن تغييراً إيجابياً يلوح في الافق وينبئ عن تسويات ومصالحات طال إنتظارها، فاستجاب الجميع لذلك وتفاعلوا معه ، وفي ظل تلك الاجواء المبشرة ولد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك عام 2001، واقبل جميع المواطنين مدفوعين بتشجيع واضح من جميع التيارات والقيادات السياسية والمجتمعية على المشاركة في التصويت على ميثاق العمل الوطني فكانت النتيجة الموافقة بنسبة عالية جدا (حقيقية) بلغت 98،4%.
وهكذا بدأت الحياة السياسية الراكدة في العودة الى النشاط، استعدادا للانتخابات النيابية والبلدية التي أُعلن عن موعدها في مايو 2002، لكن الإرث السياسي الثقيل الموروث من المستعمر البريطاني والعقلية الأمنية المنبثقة عن السياسات المبنية على قاعدة التقسيم والتفرقة استمرت على حالها، وهكذا جاء تقسيم الدوائر الانتخابية ذو نفس طائفي ومذهبي محسوب بدقة متناهية.
وقد ساهم ذلك في تعزيز التفرقة بين مكونات المجتمع البحريني، وبناء جدران من الشك والريبة وسوء الظن بين المواطنين، فتقوقع أبناء كل مكون على أنفسهم، وأظهرت المكونات المجتمعية أسوأ ما فيها من أمراض طائفية ولغة تحريضية ومذهبية ظناً منها بأن ذلك سيحميها ويسهل لها الحصول على المزيد من الحقوق والمكاسب ولكن هيهات!
والحقيقة إن البلاد قد شهدت تراجعاً مفزعاً في الوعي الاجتماعي وبصورة مذهلة حيث ارتفعت حدة الخطاب الفئوي الانعزالي وسادت إلى حد كبير الروح الطائفية التي طغت على الغالبية العظمى من أبناء الشعب البحريني، فعادوا جماعات وطوائف يتربص بعضهم ببعض، وكأن الحضارة لم تعرف لهم طريقاً في يوم من الايام.
ورغم أن التعليم النظامي في البلاد كان يوشك أن يكمل مئويته الأولى، الا ان منطق التغالب الطائفي بدأ يطفو على السطح الذي ظنناه وطنياً نظيفاً خالياً من عوالق الانحيازات المُفتتة لمكونات المجتمع، وطغى هذا على تصرفات الغالبية فدمر الفرصة التاريخية لاختيار نواب أكفاء يساهمون في التغيير الإيجابي.
ولعب تقسيم الدوائر على أساس شكل طائفي سيئ الدور الابرز في إضفاء صفة التخلف على المشهد - الديموقراطي - برمته واتضح إننا مازالنا مُجتمع طوائف وقبائل تتحارب وتتصارع على الماء والكلاء في صحراء العرب وإن لبسنا قشرة التحضر والمدنية.
ومن أجل تصحيح هذا الوضع لا بد أن نطالب بإلغاء هذا التقسيم الطائفي للدوائر الانتخابية وجعل البحرين دائرة واحدة، أو مزيجاً بين الدائرة الوطنية الواحدة الكلية والدوائر المناطقية الجزئية، أو إختيار نظام انتخابي بديل يقسم البحرين الى 5 دوائر بعدد (8 نواب) لكل دائرة بحيث يحق لأي من المواطنين الترشح والإختيار وفق ما يراه مناسباً له وليس وفق المفروض عليه بسبب التقسيم الطائفي للدوائر، أو يكون هناك 4 دوائر بمعدل (10 نواب) لكل دائرة، وهو ما يتيح للجميع التعامل كمواطنين ضمن دولة مدنية حقيقية تضمن حق المواطنة للجميع، وليس كأبناء طوائف وقبائل متشرذمة،  يحدونا التفاؤل والأمل بأن هذا التصحيح للدوائر الانتخابية سيضع قطار الديمقراطية الحقيقي على المسار الصحيح لجميع المواطنين بشكلٍ عادل، ويقدم فرصاً حقيقية لممارسة الحق الدستوري في الترشح والانتخاب والتصويت.
كما يجب أن نطالب بتشديد الشروط اللازمة لمنح المجنسين حديثاً حق المشاركة في الإنتخابات ترشحاً او إنتخاباً، لان ذلك يؤثر بشكل سلبي على حقيقة تمثيل المواطنين، ومن الاقضل إلزام المجنسين بالانتظار عدداً محدداً من السنوات وفق ما هو متعارف عليه في جميع دساتير وقوانين وأنظمة العالم، حتى يتُاح للمجنسين الإندماج المجتمعي الطبيعي، وتنطبق عليهم شروط المشاركة العادلة في العملية الانتخابية ومن بينها " الإقامة الدائمة وإجادة اللغة العربية تحدثا وكتابة والاطلاع الكافي على تاريخ وثقافة البلد وعاداتها" والى مقال اخر نناقش فيه شاناً اخر من أمور الشأن العام.