بقلم محمد حسن العرادي
تُعتبر الانتخابات العامة في جميع دول العالم محطة أساسية للتغير، يتم من خلالها اتاحة الفرصة للخبرات الجديدة للمشاركة وتقديم أفكارهم ومقترحاتهم لحل المشكلات والمعوقات التي نشأت خلال السنوات الماضية، كما يحرص النواب الجدد على وضع الخطط المستقبلية للبناء والتنمية والتطوير من خلال المساهمة في التشريع مع الحكم.
وفي الديمقراطيات العريقة تكون الانتخابات العامة فرصة للتغيير وتداول السلطة، ومع تغير الموازين السياسية والحزبية في هذه البرلمانات تذهب حكومات وتأتي حكومات بديلة تقدم رؤية مختلفة وتغير مسارات الاقتصاد والسياسة العامة للدولة، وربما يؤدي ذلك إلى تغيير الأولويات والبرامج والمشاريع، فتتحرك وتُعدل ميزانيات الوزارات حسب الأولويات التي تراها الحكومات الجديدة.
ومع الاستقرار والاستمرار الذي شهدته الانتخابات النيابية في البحرين على مدى عشرين سنة منذ اطلاق المشروع الاصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، حلمنا نحن البحرينيين بتراكم التجربة الديمقراطية وتطورها الإيجابي بالشكل الذي يساهم في توسيع دائرة المشاركة في القرار السياسي والبرلماني، أسوة بباقي دول العالم التي تنص دساتيرها على أن الشعب مصدر السلطات كما يقرر دستور مملكة البحرين.
لكننا بعد مرور خمسة فصول برلمانية بالوفاء والتمام ، لا نزال نتلمس طريقنا نحو الديمقراطية التي ننشد، والتي وُعدنا بأنها ستكون على غرار الديمقراطيات العريقة، لكن ومن المؤسف القول بأن التجربة البرلمانية البحرينية قد فشلت فشلاً ذريعاً في تكريس مفاهيم وتقاليد ديمقراطية مناسبة تدعم وتؤازر اتساع المشاركة السياسية في القرار، ويُمكننا القول بكثير من الثقة أن أقصى ما يطمح له السادة أعضاء مجلس النواب هو التقدم بسؤال لهذا الوزير أو التقرب من ذلك الوزير ليساعدهم في إنجاز بعض الخدمات واعادة بعض حقوق المواطنة لأبناء دوائرهم، رغم أن الخدمات ليست من صميم عمل النواب بل هي اختصاصات بلدية خالصة.
من المؤسف جداً أن يتحول أغلب أعضاء مجلس النواب إلى مُخلصي معاملات ينتقلون بين وزارة وأخرى من أجل تبييض سمعتهم وتسجيل إنجازات مجدية أمام ناخبيهم بغية ضمان ترشحهم للدورة القادمة والاحتفاظ بالراتب المجزي الذي يحصلون عليه، خاصة وأن مرتبات مجلس النواب البحريني تُعتبر الأعلى بين مرتبات ومكافئات بقية نواب العالم حتى الغنية منها.
ومما يؤسفْ أن أصبحت مكافأة أعضاء مجلس النواب البحريني هي الإغراء الأكبر للمشاركة في الانتخابات النيابية في البحرين، لذلك نجد عدد محدود من المرشحين ممن يضعون التشريع والرقابة على رأس أولوياتهم وبرامجهم الانتخابية، ويركز أغلب المترشحين مطالبهم على القضايا الخدمية وتطوير البنية التحتية في المناطق التابعة لدوائرهم الانتخابية رغم إنها صلاحيات بلدية بامتياز كما أشرنا.
بعض السادة النواب يقدمون وعوداً بالبحث عن وظائف للعاطلين من أبناء دوائرهم وحملة الشهادات الجامعية على وجه الخصوص، ويعتبرون ذلك أولوية قصوى، ورغم أهمية الحصول على وظائف مناسبة للمواطنين، من أجل أن يستمر ويتمكن الشباب البحريني في التأهل لبناء أسر جديدة والنهوض بمسئولياتهم المجتمعية، إلا أن حل مشكلة البطالة وخاصة في صفوف الجامعيين هي مسئولية السلطة التنفيذية، باعتبارها حق أساسي نص عليه الدستور.
وبدل من تركيز السادة النواب على مسئوليتهم الأساس في المراقبة والمحاسبة ومتابعة أداء الوزراء المقصرين والقيام باستجوابهم عن الملفات التي تقع تحت مسئولية وزاراتهم، تنامت بينهم ثقافة التملق والتودد وربما التذلل للوزراء المعنيين من أجل تلبية بعض الطلبات هنا أو هناك، بعد ان تم التنازل عن الكثير من الصلاحيات النيابية والدستورية التي حولت أنياب المجلس الى أسنان لبنية غير قادرة على هظم المواضيع والملفات الكبرى، مكتفية بملامستها من بعيد، وتسجيل الامتعاض وبعض الانتقادات والانفعالات الإعلامية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
نحن اليوم أمام مشهد انتخابي جديد ومعه يتجدد الأمل بأن يستعيد مجلس النواب صلاحياته التي فقدها خلال الفصول التشريعية الخمسة الماضية، والتي حولت المجلس الى ما يشبه مجلس اقتراحات ورغبات لا يتم الأخذ بها أو تحقيقها في معظم الأحيان، الأمر الذي أضعف هيبته ودوره لدى من آمن به كوسيلة حضارية للمشاركة في اتخاذ القرار وبأن يكون مجلس رقابة وتشريع، لديه من أدوات الاستجواب والمحاسبة ما يجعل الوزراء والمسئولون يضعون له الف إعتبار وحساب، ويتهيبونه، بدل الاستخفاف الذي يقابل به بعض الوزراء والمسئولين اسئلة النواب ومقترحاتهم ورغباتهم غير المحصنة بأية قوة مانعة أو دافعة.
كم نحن بحاجة إلى أن يتسلح النواب الجدد بحصيلة معرفية بدورهم القادم فتكون عوناً لهم لتتغير الأولويات، فيصرون على استعادة دور وهيبة مجلس النواب المفقودة، من خلال تعديل اللائحة الداخلية بشكل يسمح لهم بهامش أكبر من المناورات السياسية والنقاشات المفتوحة، لفرض رؤيتهم في الإصلاح من خلال ممارسة المهمة الرئيسية لمجلس النواب كأي برلمان في العالم يرتكز على مبدأي الرقابة والتشريع والمحاسبة الجادة.
أنها دعوة نوجهها للسادة المرشحين لمجلس النواب وخاصة لمن سيصل الى مقاعد قبة البرلمان للقيام باستعادة هيبة مجلس النواب، والتحول إلى شريك حقيقي في منظومة الحكم، المواطنين لن يهتمون بلون البشوت أو البدل التي تلبسونها والسفرات التي تذهبون إليها سنوياً إلى مختلف دول العالم، فنحن لم ننتخبكم من أجل أن تنعموا بالسياحة والاستجمام، بل اخترناكم من أجل تمثيلنا في سلطة القرار، والدفاع عن حقوقنا ومستحقاتنا اولاً واخيراً.
والآن وأنتم توشكون على اجتياز عتبة الوصول الى مجلس النواب، تذكروا أنها مسئولية عظمى أنتم تقدمتم لحملها، لم يجبركم أحد على القيام بها، ولم يتم إكراهكم على الترشح لها، لذلك لا تتأففوا من مطالبات ومتابعات المواطنين وأسئلتهم التي ستلاحقكم وتحاسبكم وتحصي عليكم انفاسكم، فنحن نختاركم من أجل تمثيلنا أمام السلطات التنفيذية والقضائية، فإما أن تكونوا على قدر المسئولية، وإما أن ترحلوا وتتخلوا عنها إن لم تكونوا أهلا لها.
وعليه فأننا نوجه سؤالاً حاسماً للسادة النواب السابقين الذين وقفوا ضد مصالح الشعب طوال السنوات الماضية، والنواب الذين اتخذوا من الصمت طريقاً وأسلوباً فريداً في العمل البرلماني، فلم ينبسوا ببنت شفه، حتى إن الإعلام أحصى عليهم عدد المرات التي تكلموا فيها فوجدها مخجلة إلى حد الامتهان،
نقول لهذا النوع من النواب الذي لا يهش ولا ينش، ما الذي دفعكم للترشح من جديد، لماذا تعودون للعب دور شهود الزور المتآمرين، وأنتم تعلمون بأنكم فارغون مجوفون من الداخل وقد حصلتم على تقييم الناس الحقيقي لأدائكم الذي رفضه الجميع، أليس من الافضل لكم ولنا بأن تعودوا الى منازلكم وتنشغلوا بإصلاح شأنكم العائلي والاجتماعي، فالمجتمع البحريني لم يعد بحاجة لمزايداتكم الفارغة.
ونقول للسادة النواب الجدد، سيختاركم الشعب من أجل أن تفتحوا الأبواب المغلقة، فهل أنتم اهل لذلك، ها هو الميدان أمامكم فاثبتوا جديتكم وأهليتكم، فإما أن تكونوا فرساناً يُشار لهم بالبنان في هذا البرلمان، وإما انكم ستقادون كالخرفان الى المسلخ، وتساهمون في تكبيل المواطنين بالمزيد من القوانين السالبة للحرية وحقوق المواطنة، فأي الطريقين ستسلكون،
ذلك ما ستنبئنا به سيرتكم وتحركاتكم وتحالفاتكم، والاصطفافات التي ستختارونها عند التصويت على القوانين والتشريعات والتعديلات الدستورية التي تُطرح أمامكم، فاختاروا وحددوا موقفكم بوضوح داخل مجلس النواب في الفصل التشريعي السادس، وتذكروا بأننا المواطنون سنراقبكم وأن التاريخ سيسجل عليكم هذه المواقف فإما لكم وإما عليكم، وأنتم تعلمون بأن التاريخ لا يرحم من يستهين به،
والله من وراء القصد.