بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
مفهوم أن يتقدم بعض أصحاب الأعمال من الرجال والنساء للترشح للانتخابات النيابية وربما البلدية فهم مواطنون بالمقام الأول ويجوز لممارسة هذا الحق الذي كفله لهم الدستور وأقره قانون مباشرة الحقوق السياسية لكل من تنطبق عليه اشتراطات القانون، فلماذا يحرم غيرهم من هذا الحق.
إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو .. لماذا يجوز لغرفة تجارة وصناعة البحرين الدخول على خط الانتخابات العامة، وتبني عددٍ من المرشحين، الأمر الذي يهدد بتوظيف النفوذ والمال السياسي الذي يتمتع به أعضاء الغرفة وخاصة أعضاء مجلس الادارة لضمان فوزهم مدعومين بحضور الغرفة وتأثيراتها على الوضع العام باعتبارها ممثل القطاع الخاص، حيث يتجاهل المرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2012 بشأن غرفة تجارة وصناعة البحرين أي إشارة لمنع الغرفة وأعضائها من الاشتغال بالسياسة رغم كونها أكبر وأقدم مؤسسات المجتمع المدني فقد تأسست في العام 1939.
وقد لاحظنا أن غرفة تجارة وصناعة البحرين قامت وبصورة علنية وتحت أعين الجهات الرسمية، بتوجيه الدعوة لعدد كبير ممن أعلنوا عزمهم الترشح للانتخابات النيابية، حيث اجتمع رئيس وأعضاء مجلس إدارة الغرفة بالمرشحين، وفتح معهم حوارات مباشرة حول انتخابات مجلس النواب والنقاط التي ستتضمنها برامجهم الانتخابية، ولم يتم اعتبار ذلك تدخلاً سافراً في مسار العملية الانتخابية.
وعلاوة على ذلك فقد أفصح ممثلو الغرفة بأنهم يتطلعون لتشكيل كتلة اقتصادية مؤثرة من خلال رجال الأعمال الذين شاركوا في اللقاء المذكور، بل أن بعض أعضاء مجلس إدارة الغرفة قاموا بدور قيادي وتوجيهي في فعاليات اللقاء واهتموا بالتصدي لشرح الهدف من عقده بشكل لا لبس فيه.
ثم تلى ذلك تقدم عدد من أعضاء مجلس إدارة غرفة البحرين الذين حضروا اللقاء لترشيح أنفسهم للانتخابات في أكثر من دائرة انتخابية، وهكذا ترجمت الغرفة توجهاتها الجدية للتأثير في نتائج الانتخابات بشكل عملي على أرض الميدان، من خلال الزج بعدد من المرشحين المحسوبين عليها أو القريبين منها للفوز بمقاعد مجلس النواب دون أي اعتراض من الجهات المعنية بالأشراف على الانتخابات.
وعلى المقلب الآخر راينا أن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين أو الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين والنقابات العمالية بشكل عام بعيدون كل البعد عن القيام بأية خطوات مماثلة لما قامت به الغرفة، إذ ليس من حقهم التدخل في الانتخابات كما تنص عليه المادة رقم 20 من القانون 33 لسنة 2002 بشأن النقابات العمالية التي تنص على أنه: يحظر على المنظمات النقابية العمالية:
أ - القيام بأية أنشطة تخرج عن الأغراض النقابية الواردة بهذا القانون.
ب - توظيف أموالها في مضاربات مالية أو عقارية أو غيرها من أنواع المضاربات.
ج - استعمال القوة أو العنف أو التهديد أو التدابير غير المشروعة في الاعتداء أو الشروع في الاعتداء على حق الغير في العمل أو على أي حق آخر من حقوقه.
د - ممارسة العمل السياسي.
هذه القائمة من المحظورات على النقابات والاتحادات العمالية في هذا القانون تطول وتتسع على عكس قانون غرفة التجارة الذي يسمح بكل هذه المحرمات بشكل يحتاج إلى تفسير ففي النهاية جميع هذه المؤسسات والنقابات هي مؤسسات مجتمع مدني تخوض غمار الشأن العام لصالح الوطن والمواطن.
أن ما يهمنا تحديداً هنا هو "حرية ممارسة العمل السياسي" التي سمح بها قانون الغرفة ومنعها قانون النقابات، علماً بأن الطرفان يشكلان ضلعين متساويين من أضلاع مثلث أطراف الانتاج الثلاثة الحكومة، أصحاب الاعمال، العمال، وهنا سنلاحظ بشكل واضح حجم القيود المفروضة على العمال باعتبارهم الضلع الاضعف في المعادلة.
لقد قامت الغرفة بتوجيه الدعوة لعدد من المرشحين تحت عنوان التشاور ودعم الانتخابات النيابية واستضافت عدداً من المرشحين لتختار القربين من أفكارها وتوجهاتها وبحث إمكانية دعمهم ومساندتهم، والسؤال الذي يبرز هنا ماذا لو قرر أحد اتحادات العمال أو أي من النقابات العمالية الزج بعدد من قياداتها في العمل البرلماني او سعوا لتشكيل كتلة نيابية عمالية تدعم المطالب العمالية داخل مجلس النواب.
ترى هل كان ذلك الحدث سيمر مرور الكرام كما مر حدث اجتماع الغرفة بالمرشحين لهذه الانتخابات، أم أن الأصوات كانت سترتفع مطالبة بإدانة تدخل العمال في سير العملية الانتخابية والعبث بها أو التأثير عليها، وربما تقديم المترشحين منهم الى النيابة العامة والمحاكمة بتهمة تسيس العملية الانتخابية ومخالفة القوانين المرعية.
ونتساءل مجدداً، إذا كان مسموحاً لرجال الأعمال وسيدات الأعمال مدعومين بالثقل الاقتصادي والسياسي لغرفة تجارة وصناعة البحرين بالتدخل لدعم رجال وسيدات الأعمال المترشحين للانتخابات النيابية سراً أو علانية باسم الغرفة بحجة دعم الاقتصاد والتكتلات الاقتصادية، فلماذا لا يجوز لجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي والمدني حسب قانون المؤسسات والجمعيات الاهلية رقم 21 لسنة 1989 القيام بذات الشيء، لماذا تمنع جمعية المهندسين، وجمعية الأطباء، جمعية المحامين، جمعية الاجتماعيين وغيرها والجمعيات النسائية والجمعيات الخيرية بممارسة ذات النشاط المجتمعي العام؟
لماذا تحرم هذه الجمعيات من حق العمل السياسي ودعم النشطاء المنتمين لها في الفوز بمقاعد مجلس النواب، خاصة وإن هذه القطاعات من الجمعيات لها تاريخ وانجازات وعمل في الشأن العام قارب القرن من الزمن، كما أنها لا تقل أهمية ودوراً وتأثيرا عن غرفة تجارة وصناعة البحرين؟
إننا نطالب بالتعامل العادل بين مختلف القطاعات الأهلية، فالدستور لم يفرق بين المواطنين من حيث الحقوق المدنية والسياسية، ومن باب أولى ألا تأتي القوانين الداعمة والمفسرة لبنود الدستور لتفضل قطاعا على آخر!
حان الوقت للإجابة عن السؤال المهم، لماذا يحدث هذا التمييز غير المبرر لصالح طبقة التجار ورجال الأعمال، رغم انهم يمتلكون المال والثروة والنفوذ الاقتصادي ولديهم من الأدوات الكثير، ولا ضير من مشاركتهم في مثل هذا الحراك السياسي الهام لصالح الوطن، لكن ليس على حساب تمييز واضح ضد بقية مؤسسات مجتمعية بذات الدرجة من العراقة والانجازات وتقييد مساهمتها الضرورية في تفعيل الانتخابات وإثرائها بالمرشحين المؤهلين لتعزيز التجربة النيابية،
عندما تُمنع المؤسسات والجمعيات في القطاعات الاخرى من ممارسة قناعاتها في تبني أو دعم من تراه مناسباً من المرشحين والمترشحات وتحرم حتى من اسنادهم لوجستياً أو مادياً، بل ومنعها من فتح أبواب مقارها لمجرد عقد لقاءات جماهيرية أو تنظيمية لتشجيعهم ودعمهم، نجد غرفة تجارة وصناعة البحرين، تفتح مقرها بكل سعة، ولم تكتفي بذلك بل دفعت بعدد من أعضاء مجلس إدارتها للترشح بصورة مباشرة"، كما قامت بدعم عدد من المرشحين المحسوبين عليها في دوائرهم كنوع من التكتيك الانتخابي، و ترشيح عدد من المنافسين فيبعض الدوائر لإزاحة مرشحين محددين لانهم لا يتناغمون مع توجهاتهم.
اننا لا نجد مفراً من أن نضع هذه التساؤلات والملاحظات أمام اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات من أجل أن يحصل والمواطنين ومؤسسات المجتمع المدني على استيضاحات، وأن نأمل أن تتخذ الجهات المعنية ما تراه مناسباً حيال مثل هذه التدخلات التي نعتقد بأنها مخالفة "لاستثناء البعض بصرامة والسماح للبعض الآخر بأريحية"، ونطالبها بالإجابة على هذه التساؤلات، فإذا كان مسموحاً للغرفة ان تتخذ مثل هذا الحراك الانتخابي، فلماذا تُحرم بقية مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني من أن تحذوا حذوها، وتقوم بالتدخل لدعم المرشحين كما فعلت غرفة تجارة وصناعة البحرين.
كما إننا في ذات الوقت نرفع هذه الملاحظات والتساؤلات لجمعية الشفافية البحرينية والجمعيات الحقوقية البحرينية للإجابة والتوضيح عن أسباب هذا التمييز لصالح التجار وأصحاب الاعمال!
ونصر هنا على إعادة طرح السؤال، حول حقيقة التمييز في القوانين التي تنظم عمل هذه القطاعات، ونتساءل من جديد كيف سيتم التعامل مع مرشحو الغرفة الذين أجازتهم اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات وأعلنت أسمائهم كمرشحين طبيعيين مستقلين في السباق الانتخابي؟ فهل سيتم وقف ترشح هؤلاء أو ستتم محاسبتهم ومراقبة أدائهم لمنع تجاوزاتهم وتدخلهم في سير العملية الانتخابية، وماذا عن طرحهم لتكتلات اقتصادية نيابية لخوض الانتخابات؟
والله من وراء القصد.