بقلم : محمد حسن العرادي
في الانتخابات العامة التي ستنعقد بعد أيام قليلة يسجل لحكومة جلالة الملك المعظم حرصها على استمرارية الانتخابات طوال عقدين من الزمن منذ انطلاق المشروع الاصلاحي لجلالته في العام 2002، رغم المرور بمنعطفات ومنغصات كادت أن تعرقل العملية الانتخابية وتعيدنا إلى المربع الاول.
لكن هذا الاستمرار رافقته تراجعات ملحوظة في نوعية المرشحين فتأخرت الكفاءات وتقدم غيرها للمشهد الانتخابي وفق قاعدة ملئ الفراغ بينها العديد من الشخصيات غير المؤهلة للمساهمة في التطوير أو التشريع والرقابة وعلى مدى خمسة فصول تشريعية، قاد ذلك إلى تراجعات محزنة في مستوى النواب وأدائهم تحت قبة البرلمان وخارجه.
ولم يكتفي النواب بالتراجعات التي عصفت بأداء أغلبهم وحولتهم إلى شهود مرحلة بدل أن يكونوا جنودها وقياداتها، فلجأ بعضهم إلى التزام الصمت طوال جلسات مجلس النواب وخاصة في الفصل التشريعي الخامس، واختار أغلبهم الموافقة (في الفصلين الرابع والخامس) على تقليص صلاحيات المجلس وتقييد حريته طواعية وهو ما لم يشهده أي برلمان منتخب في أي مكان آخر في العالم.
وإذا كان البعض وأنا منهم يرى إيجابية استمرار التجربة الديمقراطية رغم نواقصها واخفاقاتها، فإن ذلك لا يجب أن يُعمينا عن حجم المأساة التي نتجت عن التراجعات في الأداء النيابي والمشاركة المجتمعية، بسبب القوانين التي كبلت العديد من الكفاءات والكوادر وأقصتهم من السباق الانتخابي لأسباب سياسية وامنية، وكان يمكن معالجة ذلك بطريقة أفضل في سبيل دعم التجربة وفتح الباب لتطويرها ودفعها للأمام.
وإذا كانت قوانين واجراءات العزل السياسي قادت إلى هذا التراجع في نوعية المرشحين وأوقفت مسارات التفاعل الفكري بين مختلف التيارات السياسية ( تم حل ثلاث جمعيات سياسية بأحكام قضائية) التي كانت ممثلة في المشهد الانتخابي سابقاً، من خلال طرح برامج وأفكار يمكن أن تتلاقح مع بعضها وتخلق تداعيات وتدافعات إيجابية، فإن البديل عن هذه التيارات جاء هزيلاً وباهتاً بسبب استسهال عملية الترشح وربما الاستهزاء بها من قبل الكثير من المرشحين البائسين الذين يعرفون عدم تمتعهم بأية مؤهلات تناسب الدخول لمجلس النواب أو حتى الترشح لمقاعده، مما جعل المشهد الانتخابي أشبه بالسيرك في بعض المناطق.
جولة بسيطة على عددٍ من الخيم الانتخابية وتصفحٍ سريعٍ على "البروشورات" والكتيبات الانتخابية تقدم لأي مراقب صورة واضحة وفاضحة عن تدني مستويات العديد من المرشحين المتقدمين لانتخابات الفصل التشريعي السادس رغم كثرتهم حتى أصبحوا كالزبد الذي يذهب جفاء ولا ينفع الناس، أو الغثاء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والغريب إنهم يتباهون بإقامة المهرجانات الخطابية ونصب المقار الانتخابية التي تأخذ شكل الكرنفالات لكثرة تقديم الهدايا والألعاب والوجبات الغذائية بدل الوجبات الفكرية والسياسية التي هي الأساس في التنافس الانتخابي.
حين تتنقل من مقر انتخابي إلى آخر تشعر بكثير من الحزن وخيبة الأمل، خاصة وانت تستمع إلى بعض الكلمات المتقاطعة والهزيلة التي تتقاطر على لسان هذا المرشح أو ذاك، فيتبين أن بعضهم لا يحسن حتى القراءة أو تهجي حروف الأبجدية، وبعضهم لا يستطيع صياغة جملة من ثلاث كلمات إلى الدرجة التي جعلت الكثير منهم مثاراً للسخرية والتهكم للأسف.
أموال كثيرة صرفت على الحملات الانتخابية وجهود ضائعة اهدرت بدون مبرر، ولوحات إعلانية مزينة بصور زاهية فعلت فيها برامج الفوتوشوب فعلتها وغيرت من ملامحها فتحول أغلب المرشحين والمرشحات إلى نجوم سينما أو أبطال تلفزيون أو عارضي وعارضات أزياء يستعرضون مفاتنهم وجمال ملابسهم، قد تعجبك مظاهرهم لكنهم قد يتساقطون عند أول كلمة تنطلق من أفواههم المغلقة معظم الأوقات خوفاً من الانكشاف وتفادياً للاستخفاف بهم من قبل الناخبين الذين اصبح بعضهم اكثر وعيا من المرشحين انفسهم .
لكن الكثير من المرشحبن عوضوا عن صمتهم المخيب للآمال بالتواري خلف البوفيهات الطويلة والجميلة المليئة بالأطباق المتنوعة وأصناف الطعام والشراب الممتعة التي تستقطب أصحاب الأفواه الشرهة والبطون المسطحة والمنتفخة، والتي لن تكون معنية بغير تعبئة الكروش وإشباع البطون، وليست مهتمة بما يحدث بعد ذلك، كما لا يعنيهم ما يطرح أو لا يطرح في البرامج الانتخابية التي تحول أغلبهم الى افلام خيالية على شاشات العرض المرئية المنمقة،
حتى بات هذا المشهد يصيبنا بالإحباط والحزن وربما الاشمئزاز والنفور، باستثناء القلة من البرامج لدى المرشحين من أصحاب العقول الراجحة الجادين والمتحمسين لتقديم تجربة تهتم بالقضايا السياسية وتطور العملية الديمقراطية وكل ما يخص العملية التشريعية وهم الاستثناء الذي يزرع الأمل في هذا المشهد.
وإذا كان القانون والأنظمة الانتخابية تسمح للمواطنين الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب (أهمها إجادة القراءة والكتابة باللغة العربية) بالتقدم للترشح دون النظر إلى كفاءتهم وقدراتهم التشريعية، فإن الدور المهم هنا يقع على عاتق الناخبين المطالبين بأن يحسنوا الاختيار ويتمعنوا جيداً في أسماء وكفاءة المرشحين المتقدمين لهذه الفصل التشريعي فيبتعدون عن تأثير التلميع الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج التجميل والتهويل، القادرة على تحويل البغال الى ملوك جمال، لذا فان عليهم التعرف على حقيقة المترشح وحضوره واداءه المجتمعي السابق، وكم من المرشحين الذين هبطوا على الناس "بالبرشوت " مدعين ان بيدهم خاتم سليمان أو مصباح علاء الدين في حين انهم لا يستطيعون فك الخط.
هنا يأتي دور الفكر النير والمنفتح والمستنير بعيداً عن تأثير الانتماء العائلي والقبلي أو المذهبي والعرقي، ذلك إننا بحاجة إلى نواب يمثلون الوطن والمواطن خير تمثيل ويسهمون في استعادة هيبة مجلس النواب وتفعيل دوره في الرقابة والمحاسبة والتشريع، نواب قادرون على استخدام الوسائل النيابية بشكل صحيح، بعيداً عن حسابات المصالح الشخصية والطائفية.
ولا بد من القول باننا مطالبون رغم شحة الخيارات المناسبة وكثر الأسماء الرنانة والمجوفة والفارغة والعاجزة عن الوفاء بالوعود التي تقطعها، والبرامج الانتخابية التي كتبها آخرون، وصاغها وأخرجها فنانون محترفون، مطالبون بأن نتحمل المسئولية ونعطي صوتنا لمن يستحقه ونحجبه عن الطبالين والطبالات.
كلمة أخيرة إلى كل من لايزال بمقدورهم المشاركة في العملية الانتخابية، أنتم مسئولون عن إيصال نواب أكفاء جديرون بتحمل المسئولية، قادرون على تحسين أداء مجلس النواب واستعادة ما خسره من صلاحيات ووسائل، تحقيقًا للمصلحة الوطنية ودعماً للعملية الديمقراطية الإصلاحية التي ترفع من قدر الوطن بين الأمم التي انتهجت ذات النهج الاصلاحي، فهذا الوطن يستحق الحفاظ على مسيرته الديمقراطية ودعم تحولاته الجادة نحو المزيد من الانفتاح والحريات، والله من وراء القصد.