بقلم : محمد حسن العرادي – البحرين
ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في الوسط السياسي البحريني تستحق المراقبة والدراسة جيداً، وهي ظاهرة خروج عددٍ من النشطاء المنتمين لجمعيات وتيارات سياسية عن مظلة هذه الجمعيات، بل والدخول في تنافس علني وصريح مع المرشحين الذين يمثلون هذه التيارات.
ويمكن رصد هذه الظاهرة في أوضح تجلياتها في شخصيات وازنة تصدرت المشهد الإنتخابي على مستوى دوائر محافظة المحرق، ففي الدائرة الثانية يترشح القيادي السابق في جمعية الأصالة الناشط المجتمعي الشيخ إبراهيم بوصندل لهذه الانتخابات مستقلاً، مقدماً نفسه كشخصية وطنية تدافع عن المواطنين وتتبنى أهم الملفات الساخنة بلغة تختلف عن كل ما عرفته أدبيات جمعية الأصالة التي كان منتمياً لها ودخل ضمن كتلتها النيابية في مجلس النواب بالفصل التشريعي الثاني 2006 - 2010.
ويلاحظ في هذا المجال بأن جمعية الأصالة لم تكتفي برفع غطائها السياسي والجماهيري عن المرشح إبراهيم بوصندل الذي يسعى لاستعادة المقعد من النائب الحالي إبراهيم النفيعي، صاحب الحظوظ القوية بسبب تركيبة الدائرة التي تضم خليطاً من البحرينيين المنحدرين من أصول عربية وآسيوية يشكلون الأغلبية في هذه الدائرة التي غادر بيوتها أهل المحرق وباتوا يشكلون نسبة ضئيلة من تركيبتها قد لا تتجاوز هامش 1000 ناخب.
لكن جمعية الأصالة دخلت على خط المنافسة في محاولة لحرمان عضوها السابق إبراهيم بوصندل فرص الفوز من خلال الوقوف الى جانب احد المرشحين الثلاثة الذين ينافسون الابراهيمين (النفيعي وبوصندل) على مقعد الدائرة، فهل يحظى بوصندل بفرصة تنافس حقيقية تؤهله للفوز واستعادة المقعد النيابي للدائرة بعد سنوات من العزوف عن الترشح، مع ملاحظة ان جماهيرية الجمعيات السياسية (لاسيما الاسلامية منها) قد تراجعت كثيراً في محافظة المحرق على وجه التحديد بسبب ما قيل عن سوء أدائها خلال الفصول التشريعية الماضية ولاسيما الفصلين التشريعين الرابع والخامس.
ويتكرر المشهد في الدائرة الخامسة بالمحرق (قلالي، واحات المحرق، ديار المحرق، جزر أمواج، جزيرة دلمونيا) التي يمثلها حاليا النائب المستقل خالد صالح بوعنق، فرغم عدم إمتلاكها لقواعد قوية في هذه الدائرة، الا أن جمعية الأصالة أصرت على السعي لفرض وجودها من خلال الوقوف خلف أحد المرشحين متخلية عن نائبها السابق الشيخ علي المقلة الذي إنتقل الى هذه الدائرة بانجازاته الكثيرة من الدائرة السابعة بالمحرق (عراد وحالتي النعيم والسلطة) منذ أكثر من خمس سنوات.
ويتطلع المقلة الى العودة لمجلس النواب من جديد وسط حضور عائلي ومعارفي كبير في الدائرة الخامسة، الا أن الاصالة قد تخلت عنه هو الآخر، وتركته على قائمة الانتظار حتى اليوم الأخير للترشح، فما كان منه الا أن قدم أوراقه مرشحاً مستقلاً عن الجمعية التي قضى فيها أكثر من ربع قرن من العمل التطوعي والاجتماعي بينها 12 عاما كعضو بلدي و4 أعوام كعضو نيابي، لكن كل هذا لم يشفع له لدى الجمعية التي يتهمها البعض بأنها (ردت تاكل عيالها).
وهكذا وجد المقلة نفسه يخوض غمار المنافسة في دائرة قلالي وحيداً بين 13 مرشحاً نيابياً تتفاوت حظوظهم بين القوة والضعف، ورغم ذلك إستطاع أن يشق طريقه سريعاً ليكون واحداً من المتنافسين على مقعد الدائرة الخامسة بجهود ذاتية ودعم عائلي كبير مكنه من حشد الكثير من الحضور في إفتتاح مقره الانتخابي.
ولا يتوقف الأمر على المرشحين إبراهيم بوصندل وعلي المقلة، بل يتعداهما الى عدد من المرشحين الذين يفكرون في فك الإرتباط مع جمعية الأصالة والتحليق مبتعدين عن خطها مقدمين أنفسهم كمرشحين مستقلين، وكان آخرهم النائب الثاني لمجلس النواب الحالي الشيخ علي الزايد المرشح في الدائرة 4 بالمحافظة الجنوبية التي يترشح فيها الى جانبه 7 مرشحين بينهم مرشح واحد على الاقل مدعوم من الاصالة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة ماذا لو حقق هؤلاء المرشحين أو بعضهم الفوز ودخلوا الى مجلس النواب رغم إرادة جمعية الاصالة، هل ستسعى الجمعية لاعادة التواصل معهم من أجل استقطابهم لكتلتها النيابية وإعادتهم لبيت الطاعة، وكيف ستكون ردة فعلهم في هذه الحالة.
العارفين ببواطن الأمور يقولون بأن القطيعة بين المرشحين المستقلين عن جمعية الاصالة ستكون نهائية وبغير رجعة، وأن هؤلاء المرشحون المستقلون سيشكلون تحدياً جدياً داخل مجلس النواب في حال فوزهم نظراً لما يمتلكونه من تجربة وخبرة أصبحت خارج اطار القيود التنظيمية للجمعية، وقد تساهم في تقديم أداء نيابي محرج لكتلة الأصالة التي عرفت بالتزامها محاباة الحكومة طوال الفصول التشريعية السابقة.
فهل يكافئ الناخبون المرشحين المستقلين الخارجين من عباءة جمعية الأصالة، ويدعمون وصولهم لقبة البرلمان، ويسهمون بذلك في تقديم تجربة برلمانية جديدة، وما هو تأثير ذلك على أداء وإمتداد جمعية الأصالة وانتشارها بين المواطنين، وهل سينعكس ذلك سلبا على اداء جمعية التربية الإسلامية الحاضنة الاجتماعية والدينية لتيار جمعية الاصالة.
ذلك ما ستجيب عنه صناديق الاقتراع يوم السبت القادم الموافق 12 نوفمبر 2022، وقد يتأخر الحسم حتى 19 نوفمبر 2022 في الجولة الثانية، وبدون شك فإن نتائج وتأثيرات انتخابات الفصل التشريعي السادس ستكون مختلفة ومؤثرة في المشهد السياسي، والله من وراء القصد.