بقلم محمد حسن العرادي - البحرين
من يدفع ثمن الخيارات السيئة ومن يتحمل مسئولية الاستسهال والاستهبال التي مورست في إختيار وإيصال عدد من النواب الذين لا يملكون رصيداً معرفياً ولا مقدرة تنظيمية ولا علاقات إجتماعية أو سياسية قادرة على إستشراف المستقبل والمساهمة في تقديم أي منجزات مفيدة للوطن والمواطنين.
على مستوى الوطن، أسفرت بعض الإصطفافات السيئة التي اعتقدنا إننا تجاوزناها بعد مرور عشرون عاماً على عودة الانتخابات، عن صعود نواب جدد لا يملكون المؤهلات المطلوبة للمشاركة في صياغة القرار السياسي والتشريعي، وقد يُسفر هذا عن نتائج وخيمة وتراجعات كارثية في الاداء البرلماني يدفع الوطن والناس ثمنها وتنعكس سلباَ على كافة المستويات المعيشية.
كُنا نشتكي من تدني وتراجع أداء عدد من الأعضاء الذين وصلوا إلى مجلس النواب في الفصول التشريعية الثلاثة الماضية، ونلوم أنفسنا على وصولهم إلى مركز المشاركة في سلطة القرار والتشريع في بلادنا، الأمر الذي قاد البلاد الى تراجعات مؤلمة في الحريات العامة وتضييق على العمل في جميع مجالات الشان العام، فإذا بنا في أعقاب إنتخابات 2022 أمام مجلس جديد لا هوية له ولا برامج او مشاريع او تطلعات يمكن التعرف عليها، مجلسٌ غامض لا نعرف رأسه من كرياسه كما يقال، وربما لأول مرة سنترحم على من سبق من النواب.
أربع سنوات قادمة في حكم المجهول الذي لا ندري عنه شيئاً، مؤشرات ما يتسرب عن ممثلي الشعب منذ الآن تنبئ بأداء أقل من متواضع ونتائج قد تكون صادمة بأكثر من مما كانت عليه المجالس السابقة، لقد لعبت في الاختيار عوامل عديدة لم تراعي في غالبها المصلحة العامة بقدر مراعاة المصالح الشخصية والفئوية والانتصار لمن يدفع اكثر، أو من يستهبل اكثر، مقاعد نيابية فاز بها مرشحون لم يقدموا برامج انتخابية معروفة ولم يخاطبوا الناخبين والمواطنين بغير السلام عليكم، مع بعض الابتسامات البلهاء والبعض منهم كانت مقرات ترشحهم أشبه بالسيرك أو المهرجانات العامة.
مرشحون فازوا بعضوية مجلس النواب وهم لم يشاركوا في أي نشاط مجتمعي أو سياسي أو ثقافي أو اقتصادي أو خيري أو رياضي، بعضهم إعتمد على أهله وماله وبعضهم اعتمد على جماله ودلاله وبعضهم تباهى بصمته وجهله داعياً إلى التغيير كشعار استعاره من مكان ما ولا يعلم معناه ومآله، ومن المؤسف له ان الناخبين كانوا لمدة شهر أو أكثر حقل تجارب نيابية بائسة لمرشحين يدخل اكثرهم المعترك النيابي متمصلحاً وبشكل سافر، وهكذا ابتلينا بأن نخرج من اختيار سيئ لندخل في اختيار اكثر سوء.
حين إبتعد المثقفون عن الساحة وإكتفى السياسيون بالتخوين والتحريض ضد المشاركة بكل ما يملكون من قوة وبأس، دخل إلى الساحة مؤثرون جدد، يفكرون فيما سيحصلون عليه اليوم ويتطلعون إلى المكافئات المادية والاغراءات الدنيوية، بعد أن وجدوا انفسهم أمام ناخب يفكر في من يدفع عنه فاتورة الكهرباء أو يسدد القروض التي أرهق كاهله ، ناخبين ينتظر بعضهم بضعة دنانير ستصله بعد فوز المرشح الذي ناصره، وهو غير مدرك للدور السيئ الذي لعبه غير معني بما سيطرأ على البلاد والعباد (الذي هو منهم) من تداعيات وبلاء.
وتتجلى المأساة أكثر وأكثر حين دخل من يسمون بالمشاهير إلى بازار الانتخابات ليحصل أحدهم على عدة آلاف من الدنانير لإنه نشر اعلانا على بيته أو أطلق جملة ركيكة تدعم مرشحاً على شاكلته ضد مرشح يمتلك الكثير من الخبرات والتجارب، ويحصل آخر على مبلغ ضخم لأنه التزم الحضور في مخيم المرشح الثري الذي دغدغ احساسه وحبه للمكاسب السريعة، إنه المال السياسي أيها السادة يلعب لعبته فيقتل القتيل ويمشي في جنازته أو بمعنى أوضح يتدخل ويخرّب العملية الديمقراطية برمتها دون حسيب او رقيب.
والقتيل هنا هو الوطن الذي ساهم كل هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الولاء له سوى بالهياج اللفظي والهرج السطحي الذي يثير عواطف ومشاعر سرعان ما تتلاشى، يمعنون بقصد أو بدون قصد في الإساءة إليه والتحريض عليه والطعن في جسده حتى أثخنوه بالجراحات، وسلموا مصيره لمن لا يفكر سوى في الوجاهة والمركز والمال والألقاب،
أعضاء على أعتاب مجلس النواب لم يكتب أحد منهم مقالاً سياسيا او نقدياً واحدا طوال حياته، ولم يشارك في ندوة تقديماً او حضوراً، وربما لم يدخل مناقشة سياسية في حياته أبداً، ولم يعرف معنى مواجهة ندية عامة للتصدي لرأيه أو فكره، ورغم ذلك هاهم يمسكون بتلابيب وسلطة التشريع في مجلس نواب يتوقع ان يغلب عليه طابع الصمت.
أبتعد بعض النشطاء بداعي الكيدية السياسية، وابتعد غيرهم بسبب اعتقاده الخاطئ بأن العملية السياسية ستتعطل عندما يدعوا إلى مقاطعتها، فساهم هذا وذاك وغيرهم في ولادة مجلس نيابي جل أعضاءه من الهواة الذين لا يملكون اي خبرة أو تجربة أو دراية سياسية او نيابية او مجتمعية،
وسواء ابتعد هؤلاء بسلبية أو قاطع المقاطعون والممتنعون والمبعدون عن المشاركة في هذه الانتخابات بوعي، فإنهم جميعاً قاموا بدور كبير في تحقيق هذه النتائج البائسة.
وسواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا فإنهم ساهموا في تعميق مآسينا وزياد معاناتنا، وشاركوا في تمهيد الطريق لوصول من لا يستحق لهذا الموقع، فأصبح من وصل إلى مجلس النواب يفاوض رسمياً بالنيابة عنا، ويُشرع بإسمنا ويُصوت على القرارات نيابة وتمثيلاً لنا، فإذا حلت علينا كوارث جديدة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية لا تلومون ألا أنفسكم.
في السنوات الأربع القادمة ربما تتضاءل مساحات الحرية بصورة غير مسبوقة، وتتسارع وتيرة التطبيع مع الصهاينة بشكل مخيف، وتتفاقم المشاكل الاقتصادية بطريقة مزرية، وتزداد البطالة إلى حد المأساة ويضرب الفقر أطنابه ويعشعش بين أحيائنا وترتفع ضريبة القيمة المضافة وغيرها من الضرائب، وينخفض الحد الاأدنى للأجور وتتوقف أي زيادة في رواتب المتقاعدين، وترتفع نسب الوافدين، كل ذلك بموافقة من يمثلوننا في مجلس النواب، وكل ما نأمله منكم أن لا تملئوا الفضاء تذمراً وشكوى لهذا ان حدث بسببكم، فقد تشبعنا ولم تعد شكاواكم تهم أحداً.
لقد كانت الفرصة بأيدينا، لكننا كابرنا وركبنا الغرور السياسي، معتقدين بأننا نمتلك الحقيقة المطلقة، متوهمين بأننا الطرف الأقوى في المعادلة السياسية، القادرون على فرض الايقاع الذي يناسبنا، فمتى نفيق من هذا الوهم الذي يوشك أن يتحول طوقاً خانقاً حول رقابنا ومصائرنا، يُصادر المستقبل ويقتل الأمل، إنها دعوة صادقة لتغيير نمط التفكير والبدء في إطلاق ورش التقييم وإصلاح المسارات وفق الامكانات المتاحة.
إنني هنا أدعو الجميع الى تفكيك وإعادة بناء الرؤى الفكرية والسياسية التي نعتنقها، بعيداً عن المواقف المعلبة المنحازة إلى الظروف والتركيبات الاجتماعية التي تغيرت وأصبحت من الماضي، فما كان جائزاً قبل عشرين سنة لم يعد مناسباً الآن، وما كان ممكنا قبل عشر سنوات لم يعد ممكنا الآن،
لقد تغيرت الأحوال من حولنا على كل صعيد وما عاد الجمود والتصلب يفيد بقدر ما أضّر، ولا بد من بذل الجهد الجاد للتكيف مع المستجدات وموازبن القوى الإقليمية والدولية بما يحفظ وجودنا ويؤمن الحد الأدنى من مصالحنا العامة ووجودنا المهدد بالاندثار والدمار؛
والله من وراء القصد