بقلم: محمود القصاب
أخ وصديقٌ وعزيزٌ آخر يترجل سريعاً ويغيبه الموت عنا ويخطفه من بين أيدينا وأعماق قلوبنا، أنه صديق العمر الغالي محمود مرهون "أبو خالد" وقد كان قبل أيام من دخوله المستشفى لتلقي العلاج حاضراً بيننا يصول ويجول كعادته نرى ونسمع ضحكاته وتعليقاته تملأ المكان وكل زاوية من زوايا نادي العروبة رغم معرفته بمرضه وإصراره على مواجهته والانتصار عليه لكن أمر الله غالب.
فكم يعز علينا أيها العزيز أن نقول لك وداعاً، نقولها والأحزان تملأ قلوبنا لكنها مشيئة الباري عز وجل الذي لا راد لقضائه، لم يكن الفقيد العزيز يوماً بعيداً عنا فقد نشأنا وترعرعنا صغاراً وشباباً في "فريق المخارقة" وكان يفصل بين بيوتنا شارع قصير يعرف اليوم بشارع الإمام الحسين (ع) وهو الشارع الذي يختزن روح وعبق تاريخ الكثير من الأهالي النجباء والعوائل الأصيلة التي كانت ولا زال بعضها يسكن في هذا الفريق ضاربة بجذورها عمق هذه الأرض الطيبة لكن علاقتي الحقيقية مع أبو خالد رحمه الله بدأت عام 1972 ، أي قبل خمسين عاماً عندما إلتقينا آنذاك للدراسة في جامعة بغداد "العز" و "المجد" (كلية الإدارة والاقتصاد) وقد جمعني به ذات التخصص وذات الشعبة الدراسية قبل أن ينتقل إلى معهد الإدارة العامة.
خلال هذه العقود من الزمن توطدت العلاقة بيننا واستمرت حتى آخر دقيقة من رحيله عندما زرته في المستشفى قبل أيام وأيقنت حينها أن هذه الزيارة هي زيارة "وداع" نظراً لحالته الصحية الحرجة، حيث كانت دموعه هي من يحدثني لأنه غير قادر على النطق عندما كنت أحاول أن أبلغه سلام الأصدقاء والأحبة.
عندما رجعنا إلى البحرين بعد سنوات الدراسة جمعنا نادي العروبة ولم نكن نفارق بعضنا يوماً وشاركنا معاً في تحمل المسؤولية والمساهمة في أنشطته وفعالياته، فقد كان رحمه الله من أبرز المشاركين والداعمين لهذه الأنشطة بكل وفاء واخلاص وتراه يتحرك في كل الاتجاهات دون كلل أو ملل كذلك جمعنا التجمع القومي الديمقراطي والجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع، وظل وفياً مرتبطاً بهذه المؤسسات الوطنية أشد الأرتباط فقد كان رحمة الله عليه عروبياً أصيلاً صادقاً ملتزماً ثابتاً على مواقفه ومبادئه التي آمن بها وكان محباً وعاشقاً لفلسطين التي استحوذت على قلبه ووجدانه مؤمناً بعدالة وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدو الصهيوني وتحرير أرضه وكان صوتاً شجاعاً قوياً في رفض كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان الغاصب.
وإلى جانب هذا فقد اتسمت شخصيته بالطيبة والبساطة والتواضع الجم، وكان شغوفاً بحب وخدمة الناس وقد بادلوه الناس هذه المحبة، لذلك لم يكن غريباً هذا الحزن على رحيله من جموع غفيرة من المواطنين والشخصيات الوطنية.
ومن دون شك فإن كل الذين عرفوا أبو خالد وتعاملوا معه خاصة زملائه في الدراسة وأصدقائه المقربين منه سوف يفتقدونه كثيراً فقد كان صديقاً وفياً مخلصاً بشوشاً لا تفارق الابتسامة والضحكة وجهه أبداً.
أمام هذا المصاب الجلل نتقدم بخالص التعازي وعظيم المواساة إلى أختنا العزيزة أم خالد الأستاذة فتحية التناك وإلى أولاده خالد، حامد، محمد علي وغادة وإلى شقيقه الأستاذ المحامي محسن مرهون وإلى شقيقاته الفاضلات نعيمة وهدى وفريدة وإبتهاج وكافة أعضاء أسرته الكرام من عائلتي مرهون والتناك وإلى رفاق دربه وأصدقائه ومحبيه لهم ولنا ولكل من عرف هذا الإنسان الطيب الصبر والسلوان، ونسأل الله أن يرحمه بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويحشره مع محمد وآل بيته الطاهرين.
وداعاً أيها الصديق العزيز
ستبقى ذكراك حية في قلوبنا
إنا لله وإنا إليه راجعون