كتب: مهدي مطر
مساء الإثنين ليلة الثلاثاء، ٨ أغسطس٢٠٢٢، ليلة العاشر من محرم كانت ذروة إحياء المناسبة الحسينية في المنامة.
أتوجه إلى المنامة حوالي الساعة ٩:٣٠ مساءً، والجموع تتقاطر على المنامة للمشاركة في إحياء الشعا ئر الحسينية.
ما أن تصل على مشارف المنامة، تبدأ رحلة البحث عن موقف للسيارة ، وأنت أمام مشهد سيارات ملأت الساحات والأرصفة، وجموع مترجلة متوجهة إلى منطقة المواكب وهي الأحياء القديمة في المدينة: المخارقة،الحمام، كانو (الحطب) مع كل تفرعاتها.
وأخيراً وبعد جهد جهيد، أُوفق في الحصول على موقف للسيارة، لكنه بعيدا. لامشكلة، نقطع الشوارع سيراً على الأقدام وحرارة الطقس ممكن تحملها.
تدخل المدينة مع الجموع المتوجهة للمواكب الحسينية التي تسير بانتظام والمضائف تُقدم الخدمات للمعزين والمرتادين.
مسار المواكب كما هي منذ أن بدأنا نرتاد المنامة والحديث عن مطلع السبعينات، وقد يكون هذا المسار منذ زمن أبعد.
ولكن المنامة، والحديث عن منطقة المواكب ليست كما كانت في السابقبأهلها وبيوتها، فقد حدث تغيير عليها وتحديداً في الثلاثين سنه الأخيرة طال المباني والسكان. فبعد حركة النزوح الواسعة منتصف سبعينات القرن الماضي إلى ضواحي العاصمة كالسلمانية،السقية،القفول والعدلية، زاد معدل زحف العمالة الوافدة على العاصمة، فالطبيعة لاتؤمن بالفراغ.
نعم إنه التغيير الديمغرافي الذي غير وجه المدينة كنتاج أولي للطفرة النفطية التي حصلت منتصف السبعينات ونهاية العقد نفسه.
عندما كنا صغاراً لم يكن مسموحاً لنا الذهاب لعزاء المنامة، الباصات تنقل المشاركين الكبار فقط يوم العاشر من محرم صباحاً من مأتم الديه للمشاركةفي عزاء مأتم بن زبر، وقتها كان هناك تنسيق بين مأتم الديه ومأتم بن زبر،وهم بدورهم يشاركون في عزاء يوم الحادي عشر من محرم، وهذا التنسيق يشمل الخطيب الذي يقرأ في مأتم الديه ومأتم بن زبر، يحضرني من الخطباء سيد جابر الآغا من العراق.
نرجع للمواكب الحسينية والفعاليات المصاحبة لها، فقد بدأتُ الجولة بزيارةالمرسم الحسيني الذي تأسس عام ٢٠٠١ ويقع بالقرب من مأتم العريض ويهتم المرسم باِحياء والمشاركة في مختلف المناسبات الدينية والوطنية.
في جولة بالمعرض تلحظ حسن التنظيم من مجموعة من الشباب.
زوار المعرض من كافة مكونات المجتمع من المواطنين والمقيمين.
أسأل جلال العريض المسؤول عن المعرض عن تقييمه للحضور هذا العام،يرد: كما ترى المعرض مزدحم بالرواد ومنذ بدء عاشوراء. وفيحديث سابق مع الأخ جلال، أكد حرص المنظمين على الإهتمام بالجانب التنظيمي ومشاركة الشباب.
بهذه المناسبة، مهم هنا التنويه بأهمية تنظيم هكذا معارض تبعث برسالة مفادها أن ثورة الإمام الحسين (ع) تحمل رسالة للإنسانية جمعاء، وهيليست حصراً على دين أو طائفة.
أغادر المرسم الحسيني وأشعر بالفرح والفخر تجاه مجموعة من الشباب من الجنسين وهم يُقدمون هذه الأعمال الفنية التي تحاكي ثورة الإمام الحسين.
ومن شرق المدينة إلى غربها حيثُ يُقام مهرجان الإمام الحسين الفني والذي يُقام للعام الثالث والعشرين بإشراف الفنان التشكيلي عباس الموسوي ، وحمل عنوان" الحسين رمز الإنسانية".
أتحدث مع رضوان الموسوي منسق المعرض حول معرض هذا العام وما الذياختلف عن المعارض السابقة، أكد الأخ رضوان أن حضور الجمهور كالعادة كان كبيراً، وأضاف رضوان، الجديد في هذا المعرض لوحة بانورامية تُجسد مأساةالطفل المغربي "ريان" الذي انحشر في المجاري كحالة إنسانية، فضلاً عنأعمال أخرى قدمها الفنان عباس الموسوي، وأضاف رضوان هناك مشاركة للأوقاف الجعفرية، مجموعة صور لمساجد تحت قيد الإنشاء ومشاريع في عدة مناطق في البحرين.
يبقى ان نقول إن إقامة معارض فنية وتنظيم مسرحيات على هامش المواكب الحسينية ظاهرة حضارية تستقطب جمهوراً من كافة الأعراق والديانات، وفي سنوات خلت قُدمت أعمال فنية تحكي ثورة الإمام الحسين (ع)، وفي الذاكرة مسرحية" الحسين شهيداً" للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي.
كما نُظمت في السابق فعاليات للجاليات الأجنبية لتعريفهم بالنهضة الحسينية.
ومن المعارض الفنية تستمر الجولة عبر أزقة وشوارع المنامة وسط المواكب وتستوقفك عدة مظاهر، التنسيق في العمل الميداني وتنظيم سير المواكببين الجهات الرسمية والأهلية من أجل إنجاح تنظيم الشعائر الحسينية ، هنا عيادة الإمام الحسين(ع) لخدمة المعزين ورواد المواكب الحسينية.
شرطة المرور ينظمون السير ويغلقون الشوارع لتنظيم حركة سير المواكب ، شكراً للجهود الرسمية والأهلية التي عملت لإنجاح تنظيم الموكبالحسيني وراحة المعزين ورواد المواكب والحسينيات.
أيضاً تلحظ عمال النظافة يقومون بتنظيف الشوارع أولاً بأول والحديث عن تواجد عشرات الألوف في نفس المكان، لهؤلاء الجنود نقول شكراً لكم على جهودكم.
نتحدث عن المواكب الحسينية اليوم ومفيد الرجوع لسنوات مضت.
السياسة لم تغب عن مواكب العزاء، سواء في الخمسينيات زمن هيئة الإتحاد الوطني( ١٩٥٤-١٩٥٦)،ومن بعد الهيئة الصعود القومي ومنبعده اليساري وصولاً للصعود الإسلامي منذ مطلع الثمانينات، كانالعزاء يُوظف للشعارات والأغراض السياسية، وهذا راجع لانسدادالحريات. مثال ذلك عزاية محتواها:
" سني وشيعي نذر
وتوحدو للخطر"
وهي دعوة للوحدة الوطنية إبان انتفاضة مارس ١٩٦٥.
وفي عام ١٩٧٤ بعد إسقاط عضوية الدكتور عبدالهادي خلف من المجلس الوطني (البرلمان) بحجة عمره، رُفعت عزاية:
" مال ميزان العدالة وفاز بالكرسي بديل"
القضية الفلسطينية كانت حاضرة من خلال الشعائر واللوحات الفنية،هنا تحضرني لوحة تُمثل حرق المسجد الأقصى من قِبل الصهاينة،أغسطس، عام ١٩٦٩، هذه اللوحة استمر عرضها في المواكب سنوات بعد الحريق.
وأنا أغادر المدينة ساعة منتصف الليل، المعزون لا زالوا يتوافدون على مناطق العزاء بالرغم من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة ، أحد الأخوة يحدثني، البارحة ويقصد ليلة التاسع من محرم توقف الموكب مع ساعات الفجر الأولى ، ويسترسل محدثي الليلة عاشر والمتوقع نفس الأمر، وغداً صباحاً الموكب الحسيني" الختامي"، صحيح الموكب في النهار ليس كما الليل حيث الشمس وارتفاع درجة الحرارة..
ختاماً تبقى كلمة ،المواكب الحسينية مستمرة ويزداد المشاركون عاماً بعد عام وهذا طبيعي مع قضية مثل قضية الإمام الحسين، وهي قضية مثلت التضحية والفداء من أجل الإصلاح ، ومن المهم المحافظة على مواكبا لعزاء وتجنيبها أي منزلقات..