بقلم: مهدي مطر
وأنا أستمع لراديو بي بي سي(BBC) كالمعتاد في السيارة، استوقفني حديث المذيعة ومفاده "ستتوقف محطة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن بثها باللغة العربية عبر الراديو بعد ٨٤ عاما من البث"، وبدون الإشارة لموعد التوقف. كان ذلك في أكتوبر الماضي.
رحتُ أُفتش عن نص الخبر وأسأل الأصدقاء المهتمين عن مدى دقة الخبر، فإذاعة بي بي سي وبعيداً عن الاتفاق أو الاختلاف مع المواد التي تذيعها، تبقى إحدى الوسائل للوصول للمعلومة على الصعيد السياسي والثقافي.
سألت أحد الأخوة العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية عن ماهية الخبر، فأكد صحته وتقديره أن يتوقف البث نهاية يناير، ٢٠٢٣، وأضاف أن بعض البرامج سيتم انتاجها ديجتال ويمكن الاستماع لها عبر وسائل التواصل من قبيل برود كاست والموقع الإلكتروني، ويعني موقع بي بي سي، أو عبر برامج الهاتف.
بدوري بحثتُ على الشبكة العنكبوتية، استوقفني خبر على موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC مؤرخ في ٣٠ سبتمبر،٢٠٢٢ ومفاده ان" بي بي سي تُخطط لإغلاق ٣٨٢ وظيفة في خدمتها العالمية توفيراً للنفقات، من بين الخدمات التي أُعلن عن إغلاقها، إذاعة بي بي سي العربية بعد ٨٤ عاما من انطلاقها"، انتهى الاقتباس من الموقع.
بداية اجتماعي ومتابعتي لإذاعة بي بي سي كانت مع مطلع سبعينات القرن الماضي، وقتها، كان الوالد عليه الرحمة، ومع كل مساء بعد الصلاة لا يُفارق الراديو( ترانزستور)، قد يتغير الراديو ، لكن يبقى المؤشر ثابت على إذاعة لندن..، تدق ساعة بيج بن مُعلنةً الساعة الرابعة مساءً بتوقيت جرينتش، الساعة السابعة بتوقيت البحرين، نشرة الأخبار، بعدها برنامج السياسة بين السائل والمجيب، و برنامج ندوة المستمعين ويستمر في الاستماع للبرامج حتى يغلبه النعاس.
الوالد عليه الرحمة على قناعة ثابتة، بأن القول ما قالت إذاعة لندن، ويشتط غضباً عندما يحصل تداخل في البث بين الإذاعات..لقد كان شغوفاً بالاستماع لراديو لندن.
أنا بدوري أنصت لصوت الراديو وتحديداً نشرات الأخبار.
أتذكر إبان حرب أكتوبر المجيدة، عام ١٩٧٣ بين الكيان الصهيوني من جهة وبين كل من مصر وسوريا وبدعم عربي، يومها حقق الجيشين المصري والسوري انتصارات على جيش الاحتلال قبل ان يأتي المدد من أمريكا للعدو. إذاعة بي بي سي ظلت تُردد ويقول المصريون، ويقول السوريون..، نحن فرحون بانتصارات الجيوش العربية، ولكن هزيمة يونيو ١٩٦٧ لا زالت تعيش في داخل الانسان العربي ومن الصعوبة تصديق هزيمة الجيش الذي لا يُقهر..
مع الوقت والحرص على متابعة التطورات العربية والعالمية، أصبحت المتابعة أكبر لراديو لندن، الإشكال أن إذاعة لندن حتى فترة السبعينات والثمانينات لا يُمكن التقاط بثها إلا مع المساء وحلول الظلام وفي الصباح الباكر، وقتها لم تتوفر محطات لتقوية البث كما اليوم، لذا كنا ننتظر حتى المساء لنستمع لنشرات الأخبار والأخبار الرياضية والبرامج الاخرى.
استمر هذا الوضع حتى مطلع التسعينات وبعد حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١، حيث بدأ البث على الموجات القصيرة ويتسنى اليوم الاستماع للإذاعة على مدار الساعة، حيثُ البث ٢٤ ساعة أتاح الاستماع لفترة أطول،في كل الأوقات وفي كل الأماكن. أنا شخصياً في السيارة مؤشر الراديو لا يُغادر إذاعة لندن، إلا ما ندر. فقد اتاحت لنا هذه الإذاعة فرصة الاستماع لمقابلات مع كبار الأدباء والفنانين العرب من قبيل الموسيقار محمد عبدالوهاب والصحفي محمد حسنين هيكل والشاعر نزار قباني، والمفكر إدوارد سعيد، فضلاً عن تسجيلات نادرة للفنانة فيروز، اضافة الى البرامج الإخبارية والفنية، وبرامج من قبيل " قول على قول" تقديم حسن الكرمي ومطلع تقديمه" سألني"..
نستمع عبر الأثير لحكايات من الشرق وما تحمل من مآس. شخصياً استفدتُ من هذه الحكايات وصغتها في مقالات لفضح الإرهاب والإرهابيين ومن يدعمهم، منها حكاية الأم "الأيزيدية" في شمال العراق التي أجبرها الدواعش على أكل إبنها .
نستمع لإذاعة لندن بي بي سي، ونتوقف مع بعض البرامج والمفردات، ونتفق مع بعضها ونختلف مع البعض الاخر، ولكن تبقى إذاعة بي بي سي التي تسمع من خلالها الرأي والرأي الآخر وبنسبة من المصداقية وهذا ما لا تجده وتسمعه في إعلامنا العربي، ونستذكر مسرحية "ضيعة تشرين" وحوار الممثلين" شغل جهاز الراديو على بي بي سي لنسمع أخبار الوطن العربي"..
ختاماً نأمل ان يُعاد النظر في قرار وقف البث عبر الراديو لتستمر دقات ساعة بيج بن تدق عبر الاثير.