"خلال أربعينيات القرن العشرين، توصّل فرناند بروديل، المؤرّخ الفرنسي الكبير، إلى فكرة ستغيّر فهمنا للتاريخ على نحو جذري. ميّز بروديل بين ثلاثة أزمنة تتكوّن مثل طبقات الأرض الجيولوجية طبقة فوق طبقة، حيث تتكوّن الطبقة الأولى من الزمن المديد وطويل الأجل الذي يجسّد علاقة الإنسان المشدودة إلى الأرض والبحر والمناخ والتضاريس.
وهو زمن عميق يضرب بجذوره في طبقات التاريخ البعيدة مكوّناً "الزمن الجغرافي والجيولوجي" الذي يتحكّم في الطبقتين الزميتين الثانية والثالثة. وتتكوّن الطبقة الثانية من "الزمن الاجتماعي" أو التاريخ الجماعي الذي يتصل بتكوّن الطبقات الاجتماعية والشعوب والحضارات والإمبراطوريات والحروب والتحولات الديموغرافية والاقتصادية العميقة.
أما الطبقة الثالثة فتتكوّن من "الزمن الفردي" أو "تاريخ الأحداث"، وهو تاريخ الاضطرابات السطحية والوقائع التي ترتبط بالأفراد ومجريات الأحداث السياسية سريعة التغيّر. ثمة طبقة رابعة من الزمن سنسميها هنا بـ"زمن الأشياء"، وهو زمن الشوارع والجسور والأنفاق والمقابر والمعابد والمعالم والمدارس والمكتبات والساعات والأسماء ومختلف مصنوعات البشر وإنتاجاتهم.
يمسك هذا الزمن فعليًّا بطبقات تاريخ بروديل الثلاث من قرنيها، كما يمسك بكامل حياتنا كأفراد وجماعات ودوابّ وتضاريس. نعم، لكل هذه الأشياء عمر افتراضيّ، إلا أن أحداً لا يعرف إلى متى ستدوم فعليًّا، وحتى إذا عرفنا ذلك فإن الأوان يكون قد فات؛ لأن هذه الأشياء تكون، عندئذٍ، قد فعلت فعلها، وحفرت وشمها الذي لا يُمحى على وجه الزمن، وعلى تقاطيع الأرض وتضاريسها وأمواج البحر القوية "الخالدة ".
هذه نبذة عن الكتاب البحريني "تاريخ الأشياء " للدكتور نادر كاظم الاكاديمي السابق بجامعة البحرين ، ضمن أبرز المشاريع السوسيولوجية العربية المرشّحة للترجمة إلى اللغة الفرنسية ، ضمن مشروع فرنسي لترجمة الأعمال السوسيولوجية العربية المهمة التي صدرت في العقود الأخيرة والتي من ضمنها كتاب تاريخ الاشياء ، بهدف التعريف بعدة مشاريع سوسيو تاريخية في المنطقة، مثل مشروع د. نادر كاظم عن تاريخ الأشياء، ومشروع الأستاذ علي عبد الأمير عن تاريخ الأغنية في العراق ، ومشروع عبد الصمد الديالمي عن تاريخ الجنسانية في المغرب ، وأبحاث الانثربولوجي الأردني أحمد أبو خليل عن الفقر في الأردن. وأيضا حاولت التعريف بيوميات الطبيب السوري إبراهيم حقي، والتي قدم فيها قراءة في ذاكرة الطب في سوريا على مدى نصف قرن . ووجدت مع القائمين على المشروع أهمية تسليط الضوء على هذه الذاكرة.
يشار الى ان الدكتور نادر كاظم كاتب كاتب وأكاديمي وناقد ثقافي، وحاصل مرتين على المركز الأول في جائزة الكتاب البحريني المتميز، الأولى في مجال النقد لعام 2003م عن كتابه "المقامات والتلقي"، والثانية في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية لعام 2004 عن كتابه "تمثيلات الآخر".
وكتب نادر كاظم الكثير من المقالات النقدية والفكرية في الصحافة البحرينية والعربية، كما أن له دراسات كثيرة منشورة في دوريات بحرينية وعربية، وله العديد من الإصدارات التي تقع في دائرة اهتمام واسعة بين الثقافة والهوية والتاريخ والفكر السياسي.
وله 15 مؤلف ، اخرها البانيان ،ويعتبر من كتاب علم الاجتماع في البحرين واكاديمي في جامعة البحرين سابقا .
ومن بعض عناوين الذي نشرها مايلي بالاضافة الى كتاب تاريخ الاشياء :
1- استعمالات الذاكرة في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ
2- المقامات والتلقي
3- طبائع الاستملاك ؛ قراءة في أمراض الحالة البحريني
4- الهوية والسرد ؛ دراسات في النظرية والنقد الثقافي
5- خارج الجماعة عن الفرد والدولة والتعددية الثقافية
6- هجاء الكراهية ؛ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى
7- تمثيلات الآخر ؛ صورة السود في المتخيل العربي الوسيط
8- الشيخ والتنوير
9- إنقاذ الأمل ؛ تاريخ الأمل العربي خلال قرنين
10 - لا أحد ينام في المنامة
11- أُمَّةُ لا اسم لها .. من بناء الأُمَّة إلى تفكّكها.