22 عامًا على تأسيس جمعية وعد .. من وهج الانفراج إلى عتمة العزل السياسي
بقلم: رضي الموسوي
رغم الخضَّات الكبرى التي تحصل في مفاصل النظام العالمي وإرهاصات الانتقال من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب بَدَت ملامحه في تفلّت بعض الدول الكبرى ودول صغرى من قبضة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.. رغم كل ذلك، تبقى المسألة الديمقراطية هي العنوان الأكبر للشعوب التي لاتزال تعيش في ظل النظم الشمولية، حيث تعمل مجتمعات تلك الدول على صياغة العقد الاجتماعي المنظِّم للحياة في مختلف تفاصيلها وتجسيد المبدأ الدستوري الشهير "الشعب مصدر السلطاِت جميعًا" الذي يجسّد الديمقراطية الحقيقية.
وعلى الصعيد المحلي، وحيث تباينت الآراء إزاء دستور 2002 ووجدت قوى المعارضة السياسية أنه لم يصدر هذا الدستور عقديا، حيث تنتفي منه صفة "العقد الاجتماعي"، لهذا تداعت هذه القوى وقررت عقد المؤتمر الدستوري الأول يومي الرابع عشر والخامس عشر من فبراير 2004 تحت شعار "نحو دستور عقدي لمملكة دستورية"، وذلك بتنظيم من أربع جمعيات سياسية معارضة؛ هي الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الوطني الديمقراطي "وعد"، التجمع القومي الديمقراطي والعمل الإسلامي، فضلا عن الشخصيات المستقلة من المحامين والقانونيين والدستوريين الذين كان لهم الدور الكبير في التحضير وإعداد أوراق عمل المؤتمر والتواصل مع الخبراء الدستوريين من الوطن العربي وخارجه.
عُقد المؤتمر في نادي العروبة، حيث أحد الفنادق الحجز والعقد المبرم بين المنظمين وبين ادارته ورفض استضافة المؤتمر في اللحظات الأخيرة. وفي نفس السياق لم يسمح لضيوف المؤتمر الدستوري الخليجيين والعرب والأجانب من الدخول للبحرين، الأمر الذي أسهم في توتير الأجواء المتوتّرة أصلًا، فتصاعد الهجوم الإعلامي على المؤتمر ومنظميه، وتم تصويره من قبل البعض أنه مؤتمر "ظلامي يعارض المشروع الإصلاحي"، بل إن الضغوطات امتدت إلى المدعوين للمؤتمر الدستوري.
بيد أن أعمال المؤتمر سارت بطريقة علمية ومهنية. كانت اللجنة التحضيرية، التي ترأستها المحامية جليلة السيد وضمّت مندوبين من الجمعيات السياسية الأربع ومن الشخصيات الدستورية والقانونية، مهيأة للتعامل مع مفاجآت ما قبل الانعقاد وقامت بواجبها على أكمل وجه ووضعت لها لائحة داخلية تنظم عملها. بدأ المؤتمر الدستوري أعماله في موعده المحدد بجلسة افتتاحية ألقى فيها الشيخ علي سلمان كلمة الجمعيات السياسية المنظمة للمؤتمر، ثم تمت مناقشة اللائحة الداخلية للمؤتمر وأقرت، لينتقل المجتمعون إلى مناقشة أوراق العمل المقدمة للمؤتمر وهي في الحقيقة تعبّر عن جهود علمية مهنية كبيرة غطّت الكثير من الزوايا ومنها: الدساتير العقدية -حالة البحرين، آراء الخبراء الدستوريين العرب في المسألة الدستورية البحرينية وقد عُرض فيها بإيجاز رأي الأستاذ د.صلاح صادق والمستشار د.عوض المر، المملكة الدستورية حركة واعية باتجاه دولة العقل، الإصلاح السياسي في البحرين ..إلى أين؟، السلطة التشريعية من منظور تجربة 1974-1975، رؤية مقترحة للتعديلات الدستورية، نحو برنامج عمل وطني للخروج من الأزمة الدستورية ومجلس 2002: ثلاثة أسقف.
على مدار يومين ناقش المؤتمر الدستوري محورين: الأول قانوني ناقشه في اليوم الاول، والثاني سياسي تمت مناقشته في اليوم الثاني، وخَلُص بقرارات وبيان ختامي عبّرَا عن نضج المعارضة السياسية البحرينية والمؤتمرِين الذين اتسمت أطروحاتهم بالواقعية واحترام هيبة النظام ورموز الحكم، وفي ذات الوقت تمسّكوا بالمبادئ الأساسية التي تحكم مواقفهم ونشاطهم السلمي الديمقراطي وتأكيدهم على الحوار مع الحكم من أجل الخروج بالوطن من الأزمة التي تعصف به والسير به نحو احترام حقوق الإنسان والديمقراطية الحقّة التي يُفترض أن تكون أساس أي إصلاح.
بعد المؤتمر الدستوري مباشرة منعت السلطات الكويتية يوم 17 فبراير 2004 كلًا من رئيس جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ونائب الرئيس للشئون التنظيمية لجمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف السيد من دخول الكويت، وقد كان الوفد ينوي تقديم عرض للضيوف الكويتيين الذين تم منعهم من دخول البحرين. لكن المنع اتى ليترجم زيادة منسوب التوتر بين الحكم والتحالف الرباعي وانجراف بعض وسائل الإعلام نحو السب والشتم والإتهامات الرخيصة ضد قيادات المعارضة..بعدها بقليل، "بردت الرؤوس الحامية" وصار الحديث مركزا على الحوار بين التحالف الرباعي ووبين الحكم الذي مثله وزير العمل الأسبق الدكتور مجيد العلوي، حيث قدم التحالف في أول الجلسات مرئياته لحل الأزمة الدستورية. استمر الوضع قليلا إلا انه تفجر مع ترويج إشاعة عن لقاء جمعيات التحالف الرباعي مع السفير البريطاني في البحرين، الأمر الذي قاد الجمعيات السياسية الأربع إلى إصدار بيان في 23 أكتوبر2004 قالت فيه أنها تتحدى وزير العمل ومن يقف وراء الخبر المزعوم، "أن يصدر بيانًا يشير فيه إلى تاريخ اللقاء ومكانه ومن حضر من الجمعيات السياسية"، وأكدت الجمعيات أن "هذه المبررات الواهية تكشف بوضوح أن الحكومة ضد الحوار وليست في وارد الرد على مرئيات الجمعيات الأربع بشأن التعديلات الدستورية". لم يصدر بيان من الوزير الأسبق يوضح مكان اللقاء مع السفير البريطاني وموعده، ولم ترد الحكومة على مرئيات الجمعيات السياسية الأربع.
لقد تم وأد الحوار في مهده، وتصاعدَ الخلاف بين الجانبين: الرسمي وبين الجمعيات السياسية المعارضة التي قاطعت انتخابات 2002، ولم تخمد نيران الخلاف والتوتر إلا وقد اشتعلت بقضية أخرى هي مشروع قانون الجمعيات السياسية الذي قذفت به الحكومة لمجلس النواب وفيه الكثير من المثالب والنواقص التي فرضت على الجمعيات السياسية رفض المشروع باعتباره لا يعبر عن الحد الأدنى المطلوب لعمل سياسي صحِّي في البحرين. استمر هذا الوضع حتى عام 2005 عندما قرر التحالف الرباعي الموافقة على التسجيل وفق القانون الذي منح وزارة العدل مسؤولية متابعة الجمعيات السياسية.
باشرت الوزارة تشكيل قسم خاص بالجمعيات ليبدأ عهدا جديدا في مسؤولية العمل السياسي. كان يفترض لقانون الجمعيات السياسية أن يخلق أجواء ًايجابيةً ويعبِّد العلاقة بين الأطراف السياسية، إلا أن ذلك لم يحصل، فقد بات واضحًا أن أزمة الثقة قد تفاقمت، وصار التوجس هو سيد العلاقة، حتى جاءت انتخابات 2006 مسبوقة بالتقرير المثير للجدل.
رغم كل شيء ظلت المسألة الدستورية جوهر العملية السياسية وعمودها الفقري. فكما كانت سببا في دخول البلاد حقبة قانون تدابير أمن الدولة بعد حل المجلس الوطني في أغسطس 1975، حتى 2001، أصبحت تؤرق الجميع حتى الوقت الراهن دون أن ترسي على بر متوافَق عليه رغم الإدعاءات ومرور كل هذا الوقت والنزيف الذي لم يتوقف منذ 21 عاما وأكثر..
(..يتبع)