بقلم: رضي الموسوي
لم تجد صحيفة الإندبندنت البريطانية صورة لإطفال صهاينة ذبحتهم المقاومة الفلسطينية في المستوطنات التي اجتاحتها فجر السابع من اكتوبر 2023 في عملية "طوفان الاقصى"، فوضعت مكانهم صورة لأطفالٍ فلسطينيين نجوا من مذبحة الطائرات الصهيونية وكتبت مانشيتا على صفحتها الأولى يوحي بأنهم اطفال المستوطنات الصهاينة، في لعبة صحفية قذرة مارستها الصحيفة، عندما تبنت الكذبة الصهيوينة ازاء هذا الحدث الذي بات العالم يعرفه ويدرك حجم التدليس الذي مارسته الدوائر الصهيونية ومررته على العالم بدعم أمريكي سافر ذُرِفت فيه دموع التماسيح من قبل الرئيس الامريكي ووزير خارجيته بلينكن، الذي خرج من طوره وتحدث كصهيوني وليس كوزير خارجية أقوى دولة في العالم. وعلى شاكلة الإندبنت سارت السي إن.إن الأمريكية وأغلب وسائل الإعلام الغربية.
لم يخرج الكيان الصهيوني من صدمة عملية طوفان الأقصى التي دكت فيها المقاومة الفلسطينية حصون الاحتلال فقتلت وأسرت عشرات الجنود الصهاينة وأخذتهم أسرى إلى غزة، في صورة حطمت وهشمت فيها صورة الجيش الصهيوني الأقوى في الشرق الاوسط، المدجج بكل انواع التكنولوجيا واسلحة الدمار الشامل المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية. صدمة الإحتلال هذه شلّته لساعات طويلة، لا يعرف خلالها ماذا عليه أن يفعل، الامر الذي قاده إلى استحضار غرائزه النازية والفاشية، فأقدم على أول خطوة تمثلت في تطبيق خطط وزير الاعلام والدعاية في المانيا الهتلرية "غوبلز" التي تقول "إكذب وكرر الكذبة حتى يصدق الرأي العام"، فاطلق كذبة قتل المقاومين الفلسطينيين لأطفال في المستوطنات التي حرروها وبثوها على وسائل الإعلام، التي تلقفت بدورها هذه الكذبة وحولتها الى سردية تبناها الرئيس الامريكي جو بايدن وطاقمه المتصهين، فعقدوا المؤتمرات الصحفية وذرفوا دموع التماسيح فيها ليقنعوا المتلقي بالكذبة الصهيونية، وسرعان ما تم تبني هذه السردية من قبل وسائل الإعلام الغربية في امريكا وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الاخرى، حتى تكشفت الحقائق بعد حين، حيث تبين أن ليس هناك إثبات واحد يتيم يؤكد ما اشاعته وسائل الاعلام الصهيونية والغربية، بل عرضت المقاومة الفلسطينية افلام فيديو لكيفية تعاملها الانساني مع هؤلاء الاطفال وقد أكدت امهاتهم ذلك. هذا قاد إلى إعتذار بعض الاعلام الامريكي على مضض وانسحب الأمر على بعض تلك الوسائل. بيد أن الحكومات الغربية لم يرق لها الاعتذارات المخجلة فتمادت في تبني السردية الصهيونية ودافعت عنها وأعادت طرحها في المحافل الدولية، مثلما فعلت المندوبة الامريكية بمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، حيث أعادت طرح الكذبة وطالبت من المجتمع الدولي تصديقها، ما يشي بأن إدارة البيت الابيض هي من بثها أو أعطت الضوء الاخضر لها.
الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي نسى موقع سلّم المنصة الذي صعده في إحدى خطاباته وعندما انتهى تاه بين الامتار التي كان يقف عليها، راح يجهش بالبكاء على شيء لم يشاهده، ولم تتأكد إدارته عن مدى صحته ودقته، لكنه لابأس أن يذرف بعض من دموع في سياق تسويق كذبة قتل اطفال المستوطنات، مستحضرا في ذلك ما قام به وزير الخارجية الأمريكي الاسبق كولن باول قبل عشرين عاما، حين ادعّى في خطاب له في الأمم المتحدة يوم 5 فبراير 2003، بأن العراق يمتلك اسلحة للدمار الشامل، فتم تدمير العراق ولم يجدوا أثرا لتلك الاسلحة، ما اضطر باول بعد سنتين إلى تقديم اعتذار عن كذبته قائلا: "أنا من قدم معلومات كاذبة للعالم نيابة عن الولايات المتحدة، وسوف يكون ذلك جزءا من حياتي". ولكن ما فائدة هذا الاعتذار بعد أن اتى على الاخضر واليابس في العراق؟!، فقد قتل الأمريكيون قرابة مليون عراقي ودمروا البلاد وبنيته التحتية وفتتوه الى أجزاء متناثرة وثبتوا طبقة سياسية فاسدة بدلا من الديمقراطية التي كانوا يبشرون بها.
الان، وإذا جاء اعتذار جديد من أحد أعضاء إدارة بايدن فأنه لن يعيد الروح للأجساد المقطعة. فقد اعطت واشنطن الضوء الأخضر لتدمير غزة على رؤوس ساكنيها، ودعمت ذلك بحاملة طائرات وعتاد ومليارات الدولارات، ما شجع قوات الاحتلال المزيد من القتل والتدمير وارتكاب جرائم حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فقد بلغ عدد القتلى حتى الرابع عشر من اكتوبر 2023 وبعد اسبوع من المعارك، أكثر من ألفي شهيد جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ودمرت أحياءا بكاملها في قطاع غزة وجرحت عشرات الآلاف وقطعت عنهم الكهرباء والماء والدواء والغذاء، ضاربة عرض الحائط كل القوانين الدولية التي تُحّرم هذه الجرائم، كما تُحّرم القنابل الفسفورية التي ضربت بها المدنيين والمستشفيات والمدارس.
لم تقتصر الحرب الإعلامية على كذبة قتل الاطفال وعمليات الاغتصاب، وتبنيها من قبل وسائل الإعلام الغربة الكبرى، بل تجاوزتها إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي اغلقت حسابات الكثير من الناشطين الذين ينادون بالحرية والعدالة لفلسطين ويطالبون بوقف حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة.
المشكلة أن وسائل إعلام عربية "متصهينة" تبنت السردية الصهيونية ووقفت الى جانب المجازر التي يرتكبها الاحتلال مدعومة من بعض دول التطبيع التي لا تزال تبقي على سفراء الكيان في أراضيها، في وقت تطالب شعوبها بطرد هؤلاء واغلاق وكر الجواسيس التي تسمى سفارات في عواصم البلدان المطبعة مع الكيان الصهيوني. إن تقديم وإشاعة السردية الفلسطينية وتعميمها على وسائل الاعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعية هو ما يجب فعله من قبل الملايين المنتشرين في جميع ارجاء العالم. فالاعلام الشعبي تبلغ أهميته القصوى عندما يقدم سرديته في وجه الدعاية النازية التي يقدمها الكيان الصهيوني، فضلا عن الفعل الاعلامي المطلوب والدعم والتضامن عبر المسيرات والمظاهرات والاعتصامات الجماهيرية ينبغي ألا تتوقف لكشف وفضح الجرائم الصهيونية التي تخطط لنكبة جديدة..وهذه المرة انطلاقا من غزة لتمتد الى الضفة الغربية والقدس وحتى أراضي الـ48.