بقلم: رضي الموسوي
عجت وسائل التواصل الاجتماعي بتلاوينها المتعددة بملايين المشاهدات لإنشودة "سلام يامهدي" التي انطلقت من إيران ثم انتشرت، كالنار في الهشيم، في الكثير من الدول الاسلامية وتلك التي فيها جالية اسلامية تنتمي للمذهب الشيعي الكريم. في البحرين، كسائر الاقطار العربية والاسلامية، تم توطين الانشودة بلغة البلد بنفس اللحن الاصلي الايراني ولكن بتغيير نسبة مهمة من النصوص.
أطلقت الانشودة على وسائل التواصل الاجتماعي، فانتشرت وبدأت التحضيرات لتقديم نسخ منها في القرى والمناطق، ولكن بتعديلات واخراج جديدين. سجل آلاف الاطفال اسمائهم، صبيانا وبناتا، للمشاركة في الانشودة، لكن الأنباء تفيد ان هناك منغصات تسببت في تعثر تسجيل نسخ جديدة من (سلام يامهدي). وكردة فعل وبمناسبة عيد الغدير، الذي يحتفل به الشيعة سنويا، خرجت مجموعات سيّارة على الطريق السريع (هاي وى) واطلقوا العنان لإنشودة "سلام يا مهدي" في الفضاء الرحب. تحركت سيارات الشرطة وسجلت ارقام العربات المشاركة لاتخاذ الاجراءات بحقهم، فيما رشحت انباء عن استدعاء رؤساء المآتم في بعض القرى لتحذرهم من فتح مآتمهم لتسجيل نسخا من الانشودة.
"سلام يامهدي" انشودة دينية بحتة تناجي الإمام المهدي، ابو القاسم محمد بن الحسن، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثنى عشرية، لسرعة وتعجيل الظهور، باعتبارهم يؤمنون بأن الإمام المهدي سيخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا. وهي معتقدات لا يمكن إلغائها بمنع نشيدة أو فعالية، وهي معتقدات وقناعات تتشابه في خطها العام مع معتقدات المذهب السني الكريم الذي يؤمن هو الآخر بظهور المهدي آخر الزمان من ذرية النبي محمد، ومن ولد أبنته فاطمة، يحكم الأرض فيملئها عدلًا كما مُلأت ظلمًا وجورًا، وفق اشارة عدة مصادر. وفي هذا الصدد، نقلت العديد من المواقع الالكترونية عن كتاب "إغاثة اللهفان" لأبن القيم رحمه الله قوله: "إن الأمم الثلاث تنتظر منتظرا يخرج في آخر الزمان، فإنهم وُعدوا به في كل ملة. والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل أعدائه من اليهود وعبّاده من النصارى، وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا".
إذن، فالخلاف في موضوعة المُخلّص هي في التفاصيل وليس في الجوهر والأصل، لكننا لسنا بصدد الحديث عنها هنا ولا في بعدها الديني والمذهبي، بل في أصل الحق المتعلق بحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحرية الرأي والتعبير والتعددية الدينية والسياسية، وفق ما نص عليها الدستور البحريني، الذي يتوجب التمسك به بما يعزز السلم الاهلي وينظم ممارسة هذه المعتقدات والحريات.
وبالعودة للأنشودة، فإن التعريب الذي حصل لها في البحرين يعتبر تعريبا دينيا بحتا أكثر منه أي شيئ آخر. تقول كلمات المقاطع الأولى من الانشودة في نسختها البحرينية التي اداها المنشد محمد غلوم على:
"معشوقي .. إمام زماني محبوبي .. إمام زماني
معشوقي .. إمام زماني محبوبي .. إمام زماني
دنيايَ دونما .. لُقياك ظلامُ
يا نورَ الوجودِ .. يا عِطرَ الورودِ .. من قلبي سلامُ
دنياي دونما .. لُقياك ظلامُ
يا نورَ الوجودِ .. يا عِطرَ الورودِ .. من قلبي سلامُ
سلام يا مهدي
يا سيدي عجّل .. إنا على العهدِ
سلام يا مهدي
بـ يا علي صحنا .. خذنا .. إنا على العهدِ
لنا .. قُم وعُد لنا
متى يا مولانا .. ترانا تلقانا .. متى يا مولانا
سيد الجمعةِ خذنا قربانا
في صفوفِ الأنصارِ سيدي .. سجّل أسمانا
سلام يا مهدي
يا سيدي عجّل .. إنا على العهدِ
سلام يا مهدي".
ليس في هذه الكلمات ولا في تلك التي لم نوردها من نص الانشودة أي كلمة مسيسة ولا كلمة تستهدف مكونات المجتمع، وبالتالي فإن أي منع لتصويرها يعبر عن ضيق أفق وعدم قدرة على وزن المسائل، وعلى التعامل باستخفاف مع معتقدات الناس، وهي سلوكيات مرفوضة.
ينص الدستور البحريني في المادة الأولى، بند (د) على أن " نظام الحكم في مملكة البحرين ديمقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور"، بينما تنص المادة (22) منه على أن "حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دُور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد".
إنه من العبث منع ممارسة الناس لمعتقداتهم وتقاليدهم التي قضوا قرونا يمارسونها، بينما تفتح الابواب للصهاينة لكي يمارسوا طقوسهم التلموذية المزورة والمعززة بالفكر الصهيوني الذي يمارس سياسة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، بما فيها سياسة الفصل العنصري كنظام الـ"ابارتهايد" الذي لايختلف عن النظام العنصري في جنوب افريقيا.
إن منع نشيد هنا وإلغاء اقامة الشعائر هناك وكأن الموضوع أصبح مسألة تكسير عظام الناس، هو سلوك مرفوض ونهج مستهجن، ذلك أن نصوص الدستور واضحة وتقاليد وعادات هذا الشعب أيضا واضحة، لم يتم استيرادها من أي مكان مثلما يستورد الكيان الصهيوني مستوطنيه الذين تحدد مهمتهم في مصادرة بيوت الفلسطينيين واشاعة الرعب في صفوفهم بممارسة القتل بحقهم، بل أن نشيدا مثل "سلام يامهدي" هو تعبير عن معتقدات ضاربة في القدم وعمرها يناهز 1400 سنة، ولا يحق لأي كان مهما بلغ من جبروت وقوة أن يلغي ممارسة الناس لشعائرهم ومعتقداتهم، وعلى الدولة تنظيم هذه المعتقدات وحمايتها بما يعزز السلم الاهلي وتمتين اللحمة الوطنية بين مكونات المجتمع البحريني بما يؤسس للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، التي تحترم حقوق الانسان وتمنح الحق في ممارسة المعتقدات الدينية والاجتماعية والسياسية.
إن علاج أي مشكلة أو أزمة لايمكن معالجتها بالحلول الامنية ومصادرة الحريات، كما هو الحال مع قانون العزل السياسي، بل بمزيد من الديمقراطية والانفتاح على الآخر.. وهذه مهمة الشجعان.