بقلم: رضي الموسوي
"توقفوا..أسمع خرطشة كلاشنكوف". قالها د.سلمان عبدالنبي الخزاعي الذي رحل عنا يوم الجمعة الماضي، 20 يناير 2023.
كان ذلك قبل 41 سنة في مدينة حلب السورية، عندما كانت مجموعة من الزملاء اعضاء الاتحاد الوطني لطلبة البحرين-فرع حلب، وكان المرحوم د.سلمان يدرس في مدينة حماة التي تبعد قرابة الساعتين في الباص عن مدينة حلب. في تلك الايام من العام 1982، كانت مدينة حماة تشهد حمام دم ومواجهات كسر عظم بين النظام السوري وبين جماعة الاخوان المسلمين الذين سيطروا على اجزاء كبيرة من المدينة. قام الجيش السوري وسرايا الدفاع التي كان يترأسها رفعت الاسد أخ الرئيس حافظ الاسد بحصار مدينة حماة لمدة شهر ثم تم الاطباق عليها، لكن الاوضاع لم تكن مستقرة في المدن القريبة منها مثل مدينتي حمص وحلب.
كانت الأصبع على الزناد في العديد من المدن السورية وأريافها، وكانت الرصاصة في بيت النار تنتظر دعسة السبابة. وهذا ما كاد أن يحصل في تلك الليلة لولا حاسة السمع التي تميز بها المرحوم د.سلمان، وتعوّد على اصوات الاسلحة وخرطشاتها في حماة، التي كان يدرس في جامعتها الطب البيطري، وقد عاش مع أهلها أياما صعبة، لكنه جاء تلك الليلة ليحضر مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة البحرين –فرع حلب الذي ينتمي له باعتبار حلب اقرب مدينة لحماة من الفرع الآخر في دمشق العاصمة.
مجرد أن قال د.سلمان توقفوا، صرخ الجندي المختبئ في الظلمة وسبابته على زناد الكلاشنكوف: "خطوة واحدة للأمام وأرُشكّم كلكم..أيديكم لفوق" رجع الجميع خطوتين للوراء. سأل الجندي: من وين طالعين؟
كان الصديق أحمد الحداد في المقدمة. قال له: من فرع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين. قال: هوياتكم. يقول الحداد: تذكرت ذاك الفلسطيني وزوجته اللذان تم رشهما بمشط كامل من الرصاص لأنه وضع يده بطريقة أوحت للجندي السوري أنه سيخرج مسدسه. قدم الحداد الهوية والبقية تبعوه. قال الجندي: امشوا للأمام وايديكم مرفوعة.. وهكذا تحرك الجمع نحو محطة بغداد حيث تقع شقة الشباب ومنطقة ميسلون التي تقع فيها شقة الطالبات.
كان الرعب سيد الموقف في تلك الليلة، لكن العيون الخائفة كانت شاخصة أيضا نحو سلمان، تقدم له الشكر والامتنان على سرعة بديهته وانقاذه للموقف الخطر الذي كانت المجموعة فيه. كان يمكن أن تقع مجزرة يروح ضحيتها 13 طالبا وطالبة بحرينيين يدرسون في جامعة حلب مختلف التخصصات مثل الطب والهندسة والتجارة والمحاسبة، لولا لطف الباري وصرخة سلمان.
**
بعد رحلة طويلة مع المرض، الذي أقعده وحال دون قيامه بمهامه الوظيفية وكيلا مساعدا في وزارة البلديات والزراعة، ودعّت العائلة والأهل والاصدقاء الدكتور سلمان عبدالنبي الخزاعي، واحدا من أجمل الأصدقاء وأنقاهم، كانت تسبقه ابتسامته قبل أن يحدث من يلتقيه. وحتى في الحوارات المحتدمة التي كانت تكثر في المرحلة الجامعية، كان يُهدّأ محاوره بضحكته التي يعرفها أصدقائه، وكان متعاونا مع الجميع يحمل قلبا ناصع البياض يفيض ودا ومحبة. كان مبادرا ولا يتردد من القيام بحل المشاكل التي عادة ما تحصل بين الزملاء، وكان كاتم أسرارهم، يتمتع بتواضع جم، وجد في الطلبة اليمنيين تعويضا عن زملاءه البحرينيين في حماه..وفي العمل يشهد له زملاؤه بمختلف مستوياتهم الوظيفية بالمهنية والكفاءة والاخلاق العالية، كان عازفا على آلة العود منذ ايام الدراسة الجامعية ورساما رائعا.
لك الرحمة والمغفرة يا أبا محمد، ولأم محمد والعائلة والأهل والاصدقاء جميل الصبر والسلوان.