حقاً لن نقول وداعاً ولا نقول، كذب الموت، لأنها سنة الحياة وهو أمرٌ حق على الجميع. ولكن ما يخفف ألم الفراق للصديق والزميل الفنان الراحل عبد الله السعداوي؛ هو أنه ترك قَبساً مُشتعلاً أواره في الجسد المسرحي البحريني، بل وبصمات واضحة في الحراك المسرحي، سواء اتفقنا معها في طرحه أو اختلفنا. كنت لصيقاً له في المكان، إذا كنت اُعد الجزء الأول من ثلاثية مسرح أوال "خمسة عقود من اللؤلؤ"، قبل زمن الجائحة وبعدها، وذلك في مقر المسرح، يوم كان ضمن المحلات المؤجرة في شقق منظمات المجتمع المدني في العدلية. كُنا نلتقي عادة أثناء الدخول والخروج من المبني، إذ أن مقر أوال كان في الطابق الأرضي ومقر مسرح الصواري في الطابق الأول، أي مباشرة فوق مقر أوال. وهناك كنا نقف هُنيهةً في ردهات الشقق أو عند صعود السَلَّم، أو في لحظات زيارتي الخاطفة له في صومعته الثقافية بمسرح الصواري، لنتحاور في شأن مسرحي ما. فقد كان الراحل نهمٌ في القراءات الفنية، وممتعٌ في النقاشات المسرحية المتشعبة. وكثيراً ما كنا نتبادل الحوارات حول إصداراتنا المسرحية أو في بعض القضايا الفنية. وذات مرة وبسبب تأثري، كبقية الفنانين في البحرين والخليج بل والوطن العربي؛ بعطاءات وتجارب الراحل، المهمة والغريبة في الوقت ذاته؛ فقد كتبت عنه قسماً من كتابي الذي لم يصدر بعد!! كما تضمن أيضاً مساحة عن الراحلين محمد عواد وسعد الجزاف، وهو كتاب يتناول الفرق المسرحية الأهلية في البحرين وتاريخها وأوضاعها المسرحية من مُختلف الجوانب. وكان العنوان الذي اخترته للوهلة الأولى لشخصية من الصواري،هو: "وجه من مسرح الصواري"، ولست أدري لماذا قفز أمامي حينها وجه واسم عبدالله السعداوي، بالرغم من بروز اسم الفنان إبراهيم خلفان، وهو صديق عمر ومشوار فني طويل سواء ضمن عملنا في فرقة النادي الأهلي الفنية، أو في أعمال مسرح أوال مثل "خميس وجمعة" مع الراحل الفنان إبراهيم بحر. عموماً هذا ما كتبته واستحضره هنا الآن، وعذراً لأنه توقف عند تلك السنوات مت تأليف ذاك السفر.
عبد الله السعداوي: لا يعرف الكثيرون اسمه الحقيقي سوي لقبه الفني وهو عبدالله السعداوي، ولربما لا يُعرف الكثيرون أو المعجبين به، كيف اختاره أيضاً. هو من مواليد عام 1948، وبدأ حياته الفنية عام 1964. وأول مسرحية مثلَ بها كانت عام 1970 هي "انتيجونا" لمسرح الاتحاد الشعبي. ساهم بعدها مهاجراً، في تأسيس مسرح السد في قطر مع غانم السليطي، ومبارك خميس، ومريم راشد. ومثَّل مع الفنانين المسرحيين هناك في مسرحيات عدة، منها (بيت الأشباح، خلود، مشاكل بالجملة)، وغيرها. وبما أنه الفنان القلق الذي لا يعرف الاستقرار في حياته الفنية، فقد انتقل من قطر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1975، وهناك شارك في تأسيس مسرح الشارقة مع عبدالله المناعي ومحمد عبدالرحمن، وعلى خميس. وبقي معهم ممثلاً في العديد من المسرحيات مثل (المضحك المبكي، شمس النهار، الفريج)، وغيرها. ونهلت شخصيته من المَعين الفني لكل من إبراهيم جلال، ود. عوني كرومي، في خلال الحلقات المسرحية التدريبية. وسرعان ما عاد إلى البحرين عام 1984، وبدأ بتأسيس مختبر مسرحي مهم جداً في نادي مدينة عيسى الثقافي والرياضي. وقدم في خلال هذا المختبر؛ أولي تجاربه المسرحية في البحرين عام 1986، "الرجال والبحر"، من إعداد: د. عوني كرومي. كما شارك كممثل في العديد من الأعمال الفنية، مسرحياً، إذاعياً، تلفزيونياً، بل وحتى سينمائياً. ومن أعماله المسرحية مع مسرح أوال ممثلاَ: (بنت النوخذة، السوق)، وغيرها. هو الفنان الذي يُعدُّ صاحب رؤية ومدرسة فنية خاصة به، تعتمد على التدريب الجسدي والذهني الطويل النفس، حتى أوجد له مجموعة من المسرحيين المُدمنين على عروضه المسرحية، كما وصفه أحد الصحفيين.
• له كمُخرج أعمالاً مسرحية تُعدُّ علامات بارزة في مسيرته الفنية ضمن الحراك المسرحي البحريني خلال أكثر من عشرين عاماً. مثل (الصديقان- 1987، الجاثوم- 1989، الرهائن- 1990، اسكوريال- 1993، الكمامة- 1994، القربان- 1996، وكانت تُعرض لأول مرة في موقع قلعة عراد التاريخية، والطفل البريء – 1999، والساعة 12 ليلاً - 2004).
- أسس مع عدد من الفنانين المسرحيين البحرينيين، مسرح الصواري عام 1991.
تم تكريمه في أكثر من مناسبة فنية، ومن قبل أكثر من جهة حكومية وأهلية في البحرين وخليجياً وعربياً. ومنها خليجياً، في المهرجان الخليجي المسرحي للفرق الأهلية بدول مجلس التعاون الخليجي في دورته الثامنة بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2003. كما حصل على عدة جوائز في الإخراج، كان أهمها عالمياً، جائزة أفضل إخراج مسرحي عن مسرحية "الكمامة" في مهرجان المسرح التجريبي الدولي السادس في القاهرة- سبتمبر عام 1994.
وهذا غيض من فيض في مسيرة هذا الفنان الراحل، فهل نقول وداعاً لمن هو حاضرٌ بيننا في شتى أعماله وحراكه الفني؟