بقلم : عبد النبي الشعلة
شهد الأسبوع الماضي حدثين بالغي الدلالات والعبر هزّا مشاعرنا نحن البحرينيين وتوغّلا في أعماق وجداننا.
الأول كان الاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ 93 الذي حمل هذا العام شعار “نحلم ونحقق”، والذي تم الاحتفاء والاحتفال به في مملكة البحرين على المستوى الشعبي بشكل ملحوظ، فقد شاركنا، كالعادة، أشقاءنا السعوديين بهجتهم وفرحتهم، وتوشحنا باللون الأخضر، ووزّعنا الورود والحلوى، ورقصنا معهم، وغنينا معًا مرددين من السلام الوطني السعودي “سارعي للمجد والعلياء، مَجِّدِي لِخَالِقِ السَّمَاء وارفعِ الخفاق أخضر”، فمجد السعودية وعلياؤها هو مجد وعلياء لنا نحن البحرينيين، وكان لاحتفالات هذا العام بُعد وأهمية خاصة؛ فقد جاءت في خضمِّ جملة من المنجزات الوطنية الشاهقة التي حققتها المملكة العربية السعودية على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والحضارية، والتي استقطبت إشادة وانبهار وتقدير المجتمع الدولي.
وبعدها بأيام قليلة جدًّا، داهمتنا أخبار استشهاد وإصابة عدد من رجال قوة الواجب التابعة لقوة دفاع البحرين أثناء تأديتهم الواجب الوطني المقدّس للدفاع عن الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية الشقيقة ضمن قوات التحالف العربي المشاركة في عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وبطبيعة الحال فقد فُجِعْنا وخيّم علينا جميعًا الحزن والأسى، ورأينا أشقاءنا السعوديين يشاركوننا المشاعر والأحاسيس ولوعة الألم، لكننا كنا في الوقت نفسه نشارك قيادتنا الحكيمة ونشارك أسر الشهداء والمصابين إحساسهم بالفخر والاعتزاز لما قدمه شهداؤنا من تضحية وفداء في سبيل الدفاع عن تراب الوطن الغالي وتجسيد وحدة المصير المشترك للشعبين الشقيقين البحريني والسعودي.
إن الأرواح التي أُزهقت والدماء الطاهرة التي أُريقت على تراب الحد الجنوبي ستروي جذور وعروق التضامن والمحبة والإخاء بين الشعبين الشقيقين، ونحن البحرينيين نؤمن في صميم أعماقنا بأن المملكة العربية السعودية أرضًا وقيادة وشعبًا تستحق أن نبذل لها كل ما نستطيع أو نملك، وأن نقدم لها دماءنا ومهجنا وأرواحنا فداء لكل ذرة من ترابها، فالسعودية عمقنا الاستراتيجي جغرافيًّا، ووجداننا الإيماني إسلاميًّا، وقلبنا العروبي قوميًّا.
وقد نسج الآباء والأجداد وشائج القربى والمودة والاندماج والتلاحم فيما بيننا، وأصبح لحكام البحرين من آل خليفة الكرام مكانة متميزة وموقع خاص في قلب المؤسّس الملك عبدالعزيز رحمه الله وقلوب أبنائه البررة من بعده، فاندمجت القلوب والأحاسيس والمشاعر وتلاشت الحدود وأصبحت حدود البحرين تصل إلى أسوار الدرعية، وحدود السعودية تصل إلى بوابات قصر الصخير.
ونحن في البحرين ندين للسعودية بالشيء الكثير، ولا ننكر أو نتنكّر لأفضالها كما يفعل البعض، ولن ننسى أبدًا موقفها الأخوي المشرّف عندما وقفت معنا بكل صلابة وشجاعة وحزم في محنة العام 2011، وأرسلت أبناءها إلينا ضمن قوات درع الجزيرة؛ ليكونوا السياج والدرع الواقي لنا من أي عدوان، وليحموا مرافقنا ومنجزاتنا ويدعموا أمننا واستقرارنا.
والسعودية ما تزال واقفة على أهبّة الاستعداد للدفاع عنا ولدعمنا وإسنادنا عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، وإن أوجه وأشكال التعاون والدعم الاقتصادي الذي تقدمه السعودية للبحرين متنوعة ومتعددة؛ ويقف جسر الملك فهد كأحد الشهود العدول على ذلك، كما أن من بين أبرز هذه الأوجه التدفق السياحي اليومي للأشقاء السعوديين الذين يشكّلون بدورهم أنصع صور التلاحم والتواصل الأخوي بين الشعبين الشقيقين، إلى جانب أن الأسواق السعودية مفتوحة للبحرينيين للعمل أو التجارة أو الاستثمار، وجامعاتها توفر المنح الدراسية لمن يرغب منهم، ومرافقها الصحية المتطورة تقدّم لهم العلاج عند الحاجة، إنني أعرف أشخاصًا بحرينيين كتبت لهم الحياة من جديد بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل ما تلقّوه من علاج في السعودية، وهم اليوم أحياء يرزقون يتنفسون برئات سعودية نقلت اليهم، أو كلى سعودية أو غيرها من أوجه العلاج المتطور.
وقد كانت السعودية وما تزال في مقدمة المتصدين للأطماع التوسعية في المنطقة، وعندما تعرّضت دولة الكويت الشقيقة لعدوان واحتلال نظام صدام حسين في العام 1990م، وصارت الدول العربية الخليجية عرضة لابتزاز وتهديد ذلك النظام كانت السعودية أول من هبّ لمواجهة تلك التهديدات ولنجدة وتحرير الكويت؛ ففتحت حدودها وبيوتها للنازحين الكويتيين وقتها، وسخّرت كل إمكاناتها ومواردها ودفعت بأبنائها إلى ميادين حرب التحرير، إلى أن تم دحر العدوان واستعادت الكويت كرامتها وسيادتها واستقلالها.
هذا مجرد غيض من فيض؛ فعطاء السعودية وأفضالها ومواقفها المشرفة تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير على مساحات واسعة وعلى النطاق الخليجي والعربي والإسلامي والدولي، فتحية للمملكة العربية السعودية الشقيقة في يومها الوطني، وتحية إلى جنودنا البواسل وأبطالنا الأشاوس من رجال قوة الواجب التابعة لقوة دفاع البحرين المرابطين على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية الشقيقة، والتحية المقرونة بمشاعر الفخر والاعتزاز إلى أرواح شهدائنا الأبرار مع الدعاء إلى الله العلي القدير بأن يتغمّد أرواحهم بالرحمة والمغفرة والثواب الجزيل، لقد قمتم بواجبكم وأديتم الأمانة ورفعتم رؤوسنا بما قدمتموه من تضحية وفداء في سبيل الدفاع عن تراب الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية التي تستحق أن نبذل لها الدماء والمهج والأرواح.