بقلم : عبد النبي الشعلة
اختتمت أمس الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات النيابية والبلدية لدورة العام 2022؛ تلك الانتخابات التي تميزت منذ بدايتها بالشفافية والحيوية والحماس والمشاركة الواسعة من أطياف ومكونات المجتمع البحريني كافة، وبعد اختتام هذه الجولة وإعلان النتائج النهائية سننتقل إلى المراحل الإجرائية والقانونية الأخرى التي تبدأ اليوم، والمؤدية إلى استكمال مكونات البنية التحتية لمؤسساتنا الدستورية للدورة القادمة مثل إعادة تشكيل مجلس الشورى، وانعقاد المجلس الوطني، وتشكيل الحكومة الجديدة وغيرها من الإجراءات اللازمة لتنفيذ استحقاقات الإرادة الشعبية التي عبر عنها الناخبون خلال الحملات الانتخابية.
إن إنجاز ونجاح هذه الجولة الحاسمة بسلاسة وكفاءة، وما أفضت إليه من نتائج جاءت مُتوِّجة لممارسة ديمقراطية وطنية واعية، وملحمة حضارية معبرة عن عمق الحس الوطني والإحساس بالمسؤولية لشعب أبى إلا الاستمرار في دفع مسيرة النمو والتطور.
وقد اختلفت انتخابات هذه الدورة عن سابقاتها من حيث أنها أصبحت تشكل علامة فارقة ومحطة فاصلة في مسيرتنا الديمقراطية مشبعة بالكثير من المعاني والدلالات، وسيكون لها الكثير من الإرهاصات والإسقاطات المؤثرة إيجابيًّا على مسيرتنا مستقبلًا. وكانت تجربة مميزة خرج الجميع منها بحصيلة من العبر والخلاصات والقناعات التي ستشكل الأسس والقواعد التي بدورها ستمكننا من ترسيخ مكتسباتنا والانطلاق بنا بكل ثقة وتفاؤل إلى آفاق المستقبل.
فقد شهدت انتخابات هذه الدورة انهزام الأفكار السلبية الداعية للتخلف والمقاطعة وشق الصف الوطني، وشهدت فشل الأدوات والأساليب والمفردات والشعارات القديمة المستهلكة التي أثبتت عدم صلاحيتها وجدواها والتي تتعارض ولا تتفق مع روح العصر أو تتفاعل مع المستجدات والتطورات والتحولات الداخلية والإقليمية والعالمية التي فرضت أجندتها على الواقع المحلي بشكل أصبح من الصعب إعادته إلى مساره السابق.
إن شعب البحرين أصبح الآن أكثر من أي وقت مضى مقتنعًا ومؤمنًا بالمبادئ والممارسات الديمقراطية التي لا تؤمن بغير مرجعية الشعب، وصار ملتزمًا بقيم الأخوة والوحدة الوطنية وبأسلوب التدرج في تحقيق الأهداف المتفق عليها، ولم يعد مستعدًا للاستماع إلى أصحاب رسائل المواجهة والتفرقة بمختلف اتجاهاتها ومنابعها.
وبغض النظر عن حسن أو سوء نواياهم فقد بات على أصحاب هذه الرسائل التخلي عن محاولات دفع قطاعات المجتمع إلى الانشقاق والتصادم أو إلى التقوقع والانعزال، وعلى أصحاب النوايا الحسنة منهم الانصهار في الركب الوطني والانضمام إلى صفوف المنادين باستمرار التطوير والإصلاح بقيادة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، الذي يحرص على تدعيم المؤسسات الدستورية لتكون معقلًا ومنطلقًا للمزيد من التطوير والإصلاح.
إنني واثق، وإن شئت فإنني أعتقد أو آمل أن تتبلور تجربتنا النيابية وعبر استمرار الممارسة والتطبيق والتطوير إلى نظام حكم ديمقراطي متميز يفي بمتطلبات العصر، ويستمد استقامته من تجارب الآخرين، ويبقى في توافق ووئام مع تراثنا وخصوصياتنا، مازجًا الممارسات البرلمانية الحديثة المتمثلة في مجلس نواب منتخب مع مفهوم ومبدأ الشورى المتمثلة في الغرفة الثانية المعينة من بين ذوي الخبرة والعلم والكياسة وحسن التدبير أو من نَصفهم في تراثنا بأهل الحل والعقد؛ بحيث يتحقق التعاون المنشود بين المجلسين في تشريع وصوغ القرار الوطني.
وكنت ولا أزال أتلقى، مثل غيري من البحرينيين، الكثير من الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية التي تتبادلها مجموعات الوتس أب أو التي ترسل وتتبادل بواسطة مختلف الوسائل الرقمية تتضمن التهاني والتبريكات والدعوات الصادقة بالنجاح والتوفيق لمسيرتنا الديمقراطية من الأصدقاء والأشقاء من دول الخليج العربية الذين عبروا أيضًا عن تقديرهم وإعجابهم بالتجربة الديمقراطية البحرينية أو بصيغة النظام النيابي الذي تبنته البحرين واعتبروه نظاما متميزًا وأنموذجًا ناجعًا وصالحًا لأن تقتدي به دول المنطقة.
نبارك للبحرين قيادةً وحكومةً وشعبًا على هذا الإنجاز الحضاري المشرف، ونعبر عن عظيم فخرنا واعتزازنا بالموقف الشجاع لصاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه وعزيمته وتصميمه على الوفاء بالعهد والاستمرار في قيادة ودفع المسيرة الوطنية الديمقراطية، ونبارك أيضًا إلى صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله وإلى حكومته الرشيدة على الإدارة الحكيمة والمقتدرة التي جعلت هذا الإنجاز ممكنًا بفضل ما تم توفيره من استعدادات وتسهيلات ومرافق وظروف مواتية وتنظيم محكم وتغطية إعلامية واسعة ورقابة أمنية فاعلة.
حفظ الله البحرين ومنَّ عليها برعايته وبركاته.