بقلم : عبدالنبي الشعلة
الأيام القليلة الماضية شهدت جملة من التطورات الإيجابية على صعيد الأداء الاقتصادي والإداري لمملكة البحرين، وكان من أبرزها التقرير المتعلق بنتائج الأداء الاقتصادي ومعدلات النمو للدولة للعام الماضي، والآخر الانتهاء من إعداد مشروع قانون الميزانية العامة للدولة للسنتين الماليتين 2023-2024 وإحالته إلى مجلسي الشورى والنواب لمناقشته وإقراره.
إن مشروع الميزانية للعامين 2023-2024 يحمل بين طياته روح التفاؤل والإيجابية، ويعكس بكل وضوح عزم الحكومة وإصرارها وجديتها في الاستمرار على طريق تحقيق التوازن المالي والنمو الاقتصادي وضبط المصروفات وتطوير مصادر الدخل، وتتوقع الحكومة تضاعُف الإيرادات غير النفطية بمعدلات غير مسبوقة أسوة بأداء العام الماضي، كما قدرت الإيرادات للسنتين الماليتين بـ 6.5 مليار دينار على أساس تقدير سعر برميل النفط بـ 60 دولاراً للسنتين؛ وهو تقدير متحفظ لكنه عملي وحصيف في الوقت ذاته.
أما المصروفات فقد قُدرت بـ 7.142 مليار دينار متضمنة 1.5 مليار دينار فوائد الدين العام، وبذلك فإن الميزانية ستسجل عجزاً قدره 569,610,000 دينار لفترة العامين والذي سينخفض من 493,579,000 دينار في العام 2023 إلى 76,031,000 دينار في العام 2024.
وقد جاءت هذه الميزانية، بنَفَسِها الإيجابي، بعد أن أَسعَدنا كثيراً وأثلج صدورنا وعزز ثقتنا التقرير الذي نُشر قبل أيام أيضاً عن نتائج الأداء الاقتصادي لمملكة البحرين للعام 2022.
هذا التقرير أظهر أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نمواً بنسبة 4.9 % بالأسعار الثابتة في العام الماضي وبنسبة 12.9 % بالأسعار الجارية، وهو الأعلى منذ العام 2013.
كما أكد التقرير تسجيل مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 83.1 % وهي الأعلى في تاريخ البحرين؛ وقد تزامنت هذه النتيجة مع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 6.2 % بالأسعار الثابتة محققاً أعلى نسبة نمو منذ العام 2012 ومتجاوزاً بذلك نسبة النمو المستهدفة ضمن خطة التعافي الاقتصادي والبالغة 5.0 %.
هذه الإنجازات المشرفة تحققت على الرغم من التحديات والصعوبات والمعوقات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من تداعيات جائحة كورونا، وقد تحققت هذه الإنجازات نتيجة لمبادرات ومساهمات القطاعين العام والخاص.
وفي الواقع فإن هذه النتائج ما كانت لتتحقق لولا الجهود المضنية المخلصة التي بذلتها بشكل خاص الأجهزة الرسمية المعنية، ولولا التعاون والتنسيق فيما بينها عن طريق اللجنة الوزارية للشؤون المالية والاقتصادية والتوازن المالي وتحت إشراف وزير المالية والاقتصاد الوطني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، وبالروح الإيجابية لفريق البحرين بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حفظه الله، وبتوجيهات سديدة من صاحب الجلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه.
هذا وقد حسم الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم العلاقة العضوية الوثيقة والمباشرة بين الأمن وتحقيق النمو الاقتصادي عندما قال في سورة البقرة: “وَإِذْ قال إِبرَاهيمُ ربِّ اجعل هـذَا بلداً آمِناً وَارزُق أهلهُ من الثَّمراتِ” فجعل، جلّت قدرته تحقيق الأمن والأمان شرطاً مسبقاً لتحقيق النمو، وظلت هذه القاعدة الإلهية راسخة ومؤكدة ثبتتها النظريات العلمية وأثبتتها الممارسات والتجارب الإنسانية؛ فأصبح الأمن والاستقرار هما دون منازع أهم الأسس والعناصر والمقومات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإذا أراد العدو أن يلحق الضرر بأي أمة، ما عليه إلا أن يعبث بأمنها ويعمل على زعزعة وتقويض استقرارها.
من هنا لابد من الإشادة بعطاء المواطن البحريني وما قدمه من جهد وتضحيات، ثم التأكيد على دوره في تحقيق هذه النتائج الطيبة بفضل ما وصل إليه هذا المواطن من مستوى متقدم جداً من الدراية والإدراك والوعي بأهمية المساهمة والعمل على استتباب الأمن والابتعاد عن كل ما يعكر صفو الاستقرار السياسي والمجتمعي والالتزام بقيم ومنظومة المسؤولية الوطنية والأخلاقية، وتبعاً لذلك فقد بات علينا جميعاً المحافظة على هذا الإنجاز والارتقاء به وحماية مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير والبناء، وعلينا مواصلة البذل والعطاء، وأن نظل يقظين ونشدّ على أيدي القائمين والساهرين على ضمان سلامة هذا الوطن واستقراره وتقدمه وازدهاره.
إن ضمان ترسيخ وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المجتمع ستمكن الدولة من الاستمرار في تحقيق مثل هذه الإنجازات وهذه المعدلات العالية للنمو؛ وبالنتيجة ستتمكن من أن تكفل للجميع مقومات الحياة الكريمة وأن ترفع من مستوى أدائها وتطوير جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وأن توفر لهم فرص عمل لائقة، وخدمات متطورة للرعاية الصحية، ونظاماً تعليمياً مواكباً لاحتياجات سوق العمل، وأن تحرص على الاستمرار في إيصال المياه العذبة النظيفة والتيار الكهربائي لكل المنازل والمصانع والمشروعات الأخرى دون انقطاع، وتواصل مد شبكات الصرف الصحي والشوارع والجسور وتشييد كل مرافق البنية التحتية الأخرى وصيانتها والمشاريع الإسكانية والتنموية ووسائل التنقل والراحة والترفيه بحيث يستطيع المواطن أن يعيش حياة كريمة.
إن استتباب الأمن والاستقرار يجعل كل واحد منا قادراً على بذل المزيد من الجهد والعطاء والإنتاج، ويجعلنا نحس بالاطمئنان على أنفسنا، نستطيع أن نخرج من بيوتنا ونعود إليها سالمين، ويذهب أطفالنا للمدارس والمنتزهات ويعودون بسلام، فقد رأينا كيف تفتتت قلوب أشقائنا في دول مجاورة عندما فقدوا الأمن والاستقرار ففقدوا بالنتيجة أطفالهم ورجالهم ونساءهم وأرزاقهم وأوطانهم؛ إن استتباب الأمن والاستقرار في وطننا الغالي نعمة يجب المحافظة عليها والعض عليها بالنواجذ، “رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات” إنك سميع مجيب.