بقلم : عبد النبي الشعلة
في لقاء مطول، بالمركز الرئيس للشركة، مع القبطان وليد العلوي الرئيس التنفيذي لشركة طيران الخليج، استُكملت لدي حلقات قصة بقاء ونجاح ناقلتنا الوطنية (طيران الخليج).
وليد العلوي يصر على أن أول وأهم مسؤولياته هي ضمان سلامة المسافرين على متن طائرات الشركة؛ وجعل من شعار “السلامة أولًا وقبل كل شيء” العقيدة التي يجب أن يؤمن ويلتزم بها ويقدسها كل من يعمل في الشركة.
إن فكرة إنشاء شركة طيران خليجية إقليمية كانت، كما هو معروف، قد انطلقت من البحرين قبل أكثر من 73 سنة لتضم 5 من دول وإمارات الخليج العربية، ولتكون أول تجربة للعمل الخليجي المشترك وأول شركة للطيران لهذه الدول والإمارات، وكانت البداية متواضعة ولكن النمو والتطور كان لافتًا ومبهرًا ومواكبًا للتطور الذي كانت تشهده الدول المالكة ودول المنطقة بشكل عام، وقد ساهمت طيران الخليج في تحقيق هذا النمو والتطور، وأصبحت وما زالت جزءا لا يتجزأ منه.
ومع إطلالة العقد الأخير من القرن الماضي بدأت الشركة تعاني من اختلالات إدارية أدت إلى تكبدها خسائر متراكمة، ربما كانت ناتجة عن تذبذب القرارات الناتج بدوره عن انقسام وتقاسم الأدوار الإدارية العليا وتنقلها بشكل دوري بين ممثلي الدول المالكة دون أي اعتبارات تجارية أو مهنية أو استراتيجية، بالإضافة إلى أن طيران الخليج لم تكن استثناء؛ فكانت كغيرها من شركات الطيران العريقة تتكبد خسائر مؤلمة فرضتها تقلبات أسواق السياحة والطيران وارتفاع أسعار الوقود، فكانت معظم شركات الطيران تتكبد خسائر تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويًا؛ ولم يكن ثمة خيارات للدول المحتضنة أو المالكة لها سوى مساندتها ودعمها.
ومع أن كلا من الدول المالكة تتحمل نصيبها من المسؤولية عن التراجع الذي صارت تعاني منه الشركة؛ نظرًا لمشاركة هذه الدول المباشرة في إدارتها عن طريق تقاسم وتبادل الأدوار الإدارية العليا بشكل دوري كما ذكرنا، إلا أن هذه الدول قررت الواحدة تلو الأخرى التخلي عن الشركة في أحلك الظروف، وإنشاء شركات منافسة لها تابعة لهذه الدول.
لقد صمدت طيران الخليج على الرغم من تخلي الشركاء عنها في الظروف الحرجة، وذلك بفضل التزام ومساندة ووقوف مملكة البحرين الشريك الأم ومهد الولادة إلى جانب الشركة، فقد تمسكت البحرين بدعم الشركة وتحملت التضحيات واحتضنتها لأسباب استراتيجية واقتصادية وإنسانية منها حماية وظائف آلاف الموظفين من البحرينيين وأسرهم بما مكن الشركة من الاستمرار في أداء دورها ناقلةً وطنية، وأحد رموز سيادة الدولة، ورافدا مهما من روافد الاقتصاد الوطني، وداعما للقطاع السياحي، ومن أكبر المتعاملين والمشترين للبضائع والخدمات من السوق المحلية، ومنبعا للوظائف المجزية التي تتهافت عليها الأيدي العاملة البحرينية الباحثة عن فرص العمل.
لقد توالت الصعاب والتحديات التي واجهها قطاع السياحة وصناعة الطيران في العالم، وكان آخرها وربما أصعبها جائحة كورونا التي أقعدت وشلت حركة الطيران والسياحة في دول العالم كافة، وأغلقت الأجواء والمطارات في وجه خطوط الطيران، وقضت على العديد من شركات الطيران والمرافق السياحية، لكن شركة طيران الخليج حافظت على الحد الأدنى من حركتها ولم يتعرض موظفوها من البحرينيين للفصل كما حدث بالنسبة إلى معظم شركات الطيران، وانضمت طيران الخليج إلى جهود الدولة ضمن “فريق البحرين” لمواجهة الجائحة؛ فقامت بنقل الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لمكافحتها، كما قامت بنقل وإعادة البحرينيين العالقين في الخارج، بما في ذلك في الدول التي كانت أكثر تعرضًا للجائحة.
واليوم تعيش ناقلتنا الوطنية مرحلة النهوض لاستكمال مسيرتها؛ وما يزال التزام الدولة بدعمها ثابتًا بل أشد وأقوى من ذي قبل، والشركة تحظى اليوم باهتمام دائم ومتابعة حثيثة من لدن الربان صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وفقه الله، ويتربع على قيادتها وإدارتها علمان من أعلام الإدارة والقيادة؛ ففي المقدمة يقف رئيس مجلس إدارتها زايد بن راشد الزياني الذي جلب معه حس وتراث العقل التجاري الذي ورثه من أسرة تجارية عريقة ناجحة، وروح الشباب والحماس والتجديد، وخبرة راسخة في الإدارة اقتناها من ممارسته التجارية، وفي القيادة اكتسبها من الفترة التي قضاها على رأس وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، أما المسؤوليات التنفيذية فيضطلع بها القبطان وليد العلوي الذي ظل معاصرًا ومشاركًا في مختلف مراحل تطور الشركة، فجاء لمركزه الإداري الأول متأبطًا خبرة عملية طويلة وكفاءات فنية متخصصة في مجال صناعة الطيران ما جعل الاثنين يكملان بعضهما، ومكنهما من تحمل المسؤولية بكل كفاءة واقتدار، ونقل الشركة من حالة التراجع إلى حالة التقدم، ومن مرحلة الخسائر المتزايدة إلى مرحلة السيطرة على الخسائر والحد منها والتدرج في تخفيضها وتقليصها إلى أدنى قدر ممكن للانتقال بعدها إلى مرحلة تحقيق الأرباح، إن شاء الله.
إن قصة طيران الخليج أصبحت تمثل روح الإصرار والتحدي والمقاومة التي تتميز بها الإرادة البحرينية؛ ولذا وحيال كل هذه الإنجازات والتحديات فإننا جميعًا مدعوون ومن خلال وسائلنا الإعلامية وممثلينا في المجلس الوطني إلى أن نساند هذه الشركة وأن نتفهم ظروفها، وأن نشد على أيدي القائمين عليها وندعو لهم بالنجاح والسداد والتوفي