بقلم : عبد النبي الشعلة
تحية إكبار وتقدير إلى البنوك أو المصارف البحرينية، التي لا تكتفي ولا تحصر رسالتها ودورها في دعم الحركة الاقتصادية والنشاط التجاري في البلاد، وخلق المزيد من فرص العمل المجزية للمواطنين، وتقديم التسهيلات والقروض وتوفير الخدمات المصرفية بمختلف أنواعها، وعلى أعلى مستويات الجودة والكفاءة والمهنية والإتقان لكل قطاعات المجتمع، من مستثمرين ورجال أعمال وتجار ومستهلكين، ولكنها تسعى أيضًا وتعمل بكل جدية وقناعة على تأكيد دورها والتزامها ومسؤولياتها تجاه المجتمع؛ وذلك عن طريق رعاية ودعم وتبني مختلف البرامج والمبادرات الخاصة بـ “المسؤولية الاجتماعية للشركات” (CSR)، والتي تهدف إلى تحقيق التواصل، والتفاعل، والتماسك المجتمعي بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وتحقيق التوازن بين الربح المادي وخدمة المجتمع وسلامة البيئة، وهو نهج مهني يساهم بقدر كبير في تحقيق التنمية المستدامة.
وكما هو معروف، فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات هي وسيلة للشركات لفعل الخير في المجتمع، وهي المساهمة الاختيارية للشركة أو المنشأة في تشجيع نمو وتطور المجتمع وتحقيق التنمية المجتمعية، من خلال تقديم مساهمات نقدية و/ أو عينية لتنفيذ المشاريع والبرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها في الدولة.
ومن دون الدخول في التفاصيل، فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات تنقسم أو تتوزع على ثلاثة محاور أساسية، وهي المحور الاقتصادي والمحور البيئي والمحور الاجتماعي، وقد أصبح مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات ركنًا أساسيًا ومهمًا في حياة المجتمع البحريني.
إن جميع المصارف البحرينية تحرص على الالتزام بقيم وأهداف المسؤولية الاجتماعية، إيمانًا وتطبيقًا، وتعمل على المساهمة وتقديم الدعم والإسناد المادي السخي للمشاريع والمنظمات والجمعيات التطوعية والخيرية والمهنية والثقافية والاجتماعية والرياضية والجامعات والمعاهد التعليمية، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني الأخرى المعنية بسلامة البيئة ورعاية ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، ودُور رعاية الطفولة والمسنين، كما أنها تدعم وتحتضن السياسات والمؤسسات التي تعمل على تمكين المرأة وتقدمها.
إن كل مواطن بحريني يشعر بالفخر والاعتزاز، وهو يرى أن المسؤولية الاجتماعية للشركات قد أصبحت عقيدة وأولوية لمجالس إدارات المصارف البحرينية وأجهزتها الإدارية التنفيذية، بعد أن أدركوا دور مؤسساتهم في مساندة جهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة، وإسناد الفئات الضعيفة في المجتمع، وتحسين مستوى معيشة المواطن وإعداده للاستفادة من الفرص المتاحة، بما في ذلك فرص العمل، ومكافحة التلوث، والمساهمة في حل مشكلة الإسكان والمواصلات وغيرها، بحيث تصب كل هذه الجهود والمبادرات في صالح المجتمع لتحقيق مستقبل أكثر تطورًا وازدهارًا.
إن الحالات والأمثلة التي تؤكد ما ذكرناه كثيرة ومتعددة يصعب استعراضها في هذا الحيز الضيق؛ وسنكتفي بالتطرق بإيجاز واقتضاب شديدين إلى واحدة منها فقط؛ فهذا بنك البحرين الوطني، وهو أول بنك بحريني أسس في العام 1957؛ وقد أطلق منذ تأسيسه “برنامج الهبات والتبرعات” الذي يعمل من خلاله على تخصيص نسبة 5 % من صافي أرباحه السنوية لدعم مبادرات الرعاية الاجتماعية والصحية وبرامج التعليم والشباب، إلى جانب البرامج الرياضية والبيئية والحوكمة. كما يحرص على تبني مبادرات من شأنها أن تُعزز من تكافؤ الفرص وتساهم في المحافظة على انتعاش الأنشطة الثقافية في وطننا الغالي. وفي العام الماضي قام البنك بدعم 81 منظمة شملت المؤسسات المجتمعية والخيرية والمدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية، والفعاليات الرياضية وما شابه، إلى جانب حرصه على تحقيق رفاهية موظفيه، وتمكينهم من خلال برامج التعليم المستمر، وتهيئة البيئة المهنية الملائمة لهم.
ونتيجة لجهود هذا البنك في تبني نهج شامل يتضمن مختلف المبادرات، التي من شأنها أن تعزز قيم وممارسات المسؤولية الاجتماعية، فقد نال بنك البحرين الوطني وبكل جدارة لقب “أفضل بنك في مجال المسؤولية الاجتماعية في البحرين” ضمن جوائز “يوروموني للتميز للعام 2023” وللعام الثالث على التوالي، وفي الوقت نفسه فقد برزت بشكل لافت مساهمة البنك في رعاية وإسناد “مهرجان البحرين السينمائي للعام 2023”، ما أكد اهتمام البنك ودعمه للحراك الثقافي والفني في البلاد.
ولم تتخلف البنوك البحرينية الأخرى أو تقل مساهماتها كمًا ونوعًا عن بنك البحرين الوطني في مختلف مجالات المسؤولية الاجتماعية؛ ويأتي على رأسها بنك السلام وبنك البحرين والكويت وبنك البحرين الإسلامي والبنك الأهلي المتحد وبنك البحرين للتنمية وغيرها.
وفي الفترة الأخيرة، بادر عدد من البنوك البحرينية لإطلاق حملات إعلامية وإعلانية بالتعاون مع دور النشر الوطنية، ومن خلال مطبوعاتها ومنصاتها الرقمية، فشكلت هذه الخطوة إضافة إيجابية في سجل مساهماتها، ودعمًا ماديًا قيمًا لهذه الدور، التي هي في أمسّ الحاجة إليه.
أما البنوك الأجنبية العاملة في البحرين فلا خبر جاء ولا وحي نزل، فهي لا تساهم بالقدر نفسه ولا أقل منه، ولا يبدو أنها مهتمة بالمشاركة في رعاية المجتمع الذي تعمل فيه، بل تبدو للجميع وكأنها معنية ومهتمة فقط في جني وتعظيم الأرباح وتكديسها ثم إرسالها إلى بلد المنشأ.
إن البنوك الأجنبية وإن لم تكن بحرينية، فهي ليست مجرد كيانات اقتصادية تهدف إلى جني الأرباح؛ وهو أمر طبيعي ومشروع، ولكنها أيضًا كيانات ترتبط بقوة بالبحرين وبالمجتمع البحريني الذي تعمل فيه، ولا يمكن لها أن تبقى بعيدة عن قضاياه وتطلعاته وطموحاته ولا تشارك بالمساهمة في بعض جوانب تطوره ونموه أسوة بالبنوك البحرينية.
إن المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد مسألة مجتمعية أو اقتصادية، بل إنها قضية أخلاقية؛ وليس من مصلحة هذه البنوك التجرد منها والتنكر لها، فهذه البنوك إن لم تكن مسؤولة قانونًا لأداء دورها تجاه المجتمع فإنها مسؤولة ومساءلة أخلاقيًا.
والبحرين من الدول القليلة النادرة التي لا تجبي ضرائب على الأرباح التي تحققها البنوك الأجنبية العاملة في أراضيها، والأغرب بل والأمَرُّ من ذلك أن هذه البنوك تدفع ضرائب لخزائن الدول التي تنتمي إليها على الأرباح التي تجنيها في البحرين، وتساهم بكل سخاء في دعم مشاريع المسؤولية الاجتماعية في تلك الدول، إننا لا نحاول هنا استخدام أساليب أو مفردات الإثارة أو التشهير والتجريح، ولا نقصد الإساءة إلى هذه البنوك، وندرك تمامًا دورها الفعال في دعم الاقتصاد الوطني وأهمية وجودها في البلاد وضرورة المحافظة عليها لضمان استمرار هذا الوجود؛ لكن واجبنا يحتم علينا قرع الأجراس، ولفت الأنظار بكل احترام وتقدير، وطرح الأسئلة، منها: إلى متى ستظل هذه البنوك متنكرة لدورها الأخلاقي وواجبها الاجتماعي، ولا تنهض للمساهمة في تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع البحريني الذي تعيش بين ظهرانيه؟