DELMON POST LOGO

مصائد الجواسيس وحبائل المخابرات الدولية عرض كتاب "التجنيد الاستخباراتي" - 21

- الإفراط في تصديق العميل ساهم في جر دول إلى حروب استنزفتهم ودمرت حياة الـكثيرين

- رئيس وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية الأمريكية صدق المنشق السوفيتي غوليتسين حد الخطر بعد ابتلاع انغلتون الطعم

- وقع عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية في دائرة الشك، وكان أبرزهم "وايف مورفي" رئيس قسم الشؤون السوفيتية

- قررت الإدارة أن العلاج الشافي لكل هَذِهِ الشكوك يكون بحل قسم الشؤون السوفيتية والبدء بطاقم جديد من الضباط

- كشفت الصحافة عن الجاسوس الفرنسي (عاصم) بينما كان يحاول اختراق خلية جهادية في برشلونة

- الجَاسُوس القبرصي "أنطونياديس" جُنِدَ لصالح بريطانيا، وبينما كَانَ في مهمة مع جنود بريطانيين، تعرضوا لكمين فجائي من قبل منظمة "إيوكا" القبرصية فانكشف أمره

- العميل البريطاني "كروك" كان وسيطا بين "اسرائيل" وحماس، قبض الكيان على محضرين لاجتماعاته مع الفلسطينيين، وجد الصهاينة أنه يصف اسرائيل بـ"الاحتلال"، فانتهت مهمته وكشفت الصحافة امره

إن عالم َ الاستخبارات عالم سري يتقبله الناس لأنهم لم يعرفوا واقعَ هَذِهِ الأجهزة ليقارنوا بين النظرة المثالية والواقع المر، وقد تسكت عن هذا الواقع أجهزة المخابرات إن رأت أن ذلك سوف يصب في مصلحتها لترسيخ الصورة والهالة حولها.

في هذه الحلقات سوف نعرض بعض القصص التجسسية بين الدول او داخل الدولة الواحدة التي وردت في الكتاب، من واقع حقيقي سُجل في مذكرات هؤلاء لمعرفة خطورة الجاسوس على أمن البلد، ونقل المعلومات للاعداء وحبائل المخابرات في اصطياد ضعاف النفوس..وهنا الحلقة  الواحدة والعشرين.

80

الإفراط في تصديق العميل ساهم في جر ِ دول إلى حرب استنزفتهم ودمرت معها حياة الـكثيرين. أحيانا، الإفراط في تصديق العميل قد يؤدي بالجهاز السري نفسه أن تُفقدَ الثقة بين المنتسبين إليه فلا يعود هنالك ثقة بين أفراده، مثل قصة المنشق السوفيتي "غوليتسين" الذي احتضن من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية وتمت المبالغة والاحتفاء به وتصديق ما يقوله مثل ما حصل مع رئيس وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية الأمريكية "انغلتون" الذي صدقه ووصل بتصديقه إلى مرحلة خطرة على الجهاز نفسه، فقد ابتلع انغلتون السنارة، وسمح لغوليتسين بالاطلاع بحرية على ملفات وكالة الاستخبارات المَرْكَزِبة  حَيْث بدأ بتسمية الخونة عشوائيا على ما يبدو، وغالبا ما كَانَ يعجز عن تبرير قراراته على أي أساس صلب.

وكانت النتائج مأساوية ، وأدت إلى المزيد من الإفراط في الأحكام الخاطئة. ووقع عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية في دائرة الشك، وكان أبرزهم وايف مورفي رئيس قسم الشؤون السوفيتية، وتدمرت حياتهم العَمَلِّية. وفي النهاية مع تزايد عدد الضباط المشبوهين بسبب استنتاجات غوليتسين لدرجة أن ساء الوضع كثيرا في وكالة الاستخبارات المَرْكَزِية، فقررت الإدارة أن العلاج الشافي لكل هَذِهِ الشكوك يكون بحل قسم الشؤون السوفيتية والبدء بطاقم جديد من الضباط. وكان من آثار تلك الحملة التطهيرية شل عمليات CIA الأمريكية ضد روسيا على مدى عقد من الزمن حتى  السبعينيات.

81

قد تكون التصريحات الِسيَاسَّية أو المداهمة المباشرة دون توفير أدلة جانبية سببا ً في كشف العميل ثم  تصفيته من قبل الجهة التي كَانَ يعمَلُ على اختراقها، أو على الأقل ستودي به يقينا ً نحو التعطل أوالتقاعد المبكر. كحال سكاباتيتشي والذي كَانَ اسمه الرمزي في التجسس لصالح البريطانيين في حربهم مع الجيش.

"ستيكانيف"، الذي أدى دور الجيش الجمهوري الإيرلندي، فقد كُشِفَ أولًا بين دوائر الشرطة بعد تصادم عدة وحدات من الاستخبارات البريطانية في الحرب مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، وتَّم الاتفاق على تسليم من قبل وحدة وتابع صدارة القيادة لشرطة أولستر الملكية، وقد كَانَ "ستيكانيف" مجند أبحاث القوة  "فْرو".

ولكن  قواعد صدارة الشرطة فرضت على (فْرو)  إبلاغ شرطة أولستر الملـكية عنه، وحتى السماح لكبار ضباط شرطة أولستر الملـكية بمعرفة هويته. وكان من المفترض أن يبقى السر مع رئيس الفرع الخاص لشرطة أولستر الملـكية فقط، ولـكنه بالطبع تسرب إلى الرتب الأدنى، وبعد انتهاء الحرب كشفت بعض التقارير الصحفية عن هويته علنا.

82

أحياناً تكشف الصحافة عن جواسيس لا يزالون في الخدمة، وهذا تجدهُ جليًا في قصة الجَاسُوس الفرنسي عاصم المعروف برمز F1 )) والمعني باختراق خلية جهادية في برشلونة، عندما ذهب إليهم ووافق على العمل معهم، توَّرَط معهم؛ إذ كَانَ من المقرر أن يقوموا بعملية في الصباح التالي وقد اختير معهم، فما كَانَ له إلا أن يتصل بمشغليه من ضباط الاستخبارات الفرنسية ويخبرهم بهذا الخبر العاجل، وعلى إثر ذلك اقتحم حرس الحدود الإسباني المكان واعتقل الجميع بعد سويعات من الإنذار.

وبعد أسبوعين من القبض على الخلية احتلَ خبرُ وجودُ جاسوس فرنسي في خلية إرهابية في برشلونة واجهة الأخبار في إسبانيا، فبفضل وكالة أخبار ذكرت أن جهاز الاستخبارات الفرنسية حَّذرَ بِشَكل عاجل من وجود "مؤامرة إرهابية" في برشلونة، وأرسل عميلًا إلى  المدينةً ومنذ ذلك الوقت فصاعدا أصبح عاصم مكشوفا ً، فقد كَانَ معروفًا باسمه الحقيقي، ثّم إنه اعتُقل معهم وأصبح من الواجب امتثاله للمحاكمة.

لقد تسببت هَذِهِ الحادثة نزاعا بين اسبانيا وفرنسا بسبب طريقة التعامل فيها، حَيْثُ أدت إلى انكشاف هذا  الجاسُوس وبالتالي إنهاء حياته التشغيلية.

83

كذلك مكافأة الجواسيِس علنا في بيئة غيرِ مستقرة قد تكون سببا ً في كشفه؛ كما صنعت بريطانيا في تكريمها لعملائها البلجيكيين الذين تعاونوا معها في الحرب العالمَّية الأولى ونقلهم لتحركات الجنود الألمان، كما ساعدوا في وضع تصور لترتيب القتال. لقد ارتكبت بريطانيا خطَأ جسيما عندما كرمت علنا ما يزيد على 700 من العملاء وقدمت الميداليات وغيرها من أوسمة الشرف، مما عرضهم كلهم للخطر عندما غزا الألمان مرة أخرى في الحرب العالمية الثانية.

84

التصرف العاجل والسريع يؤدي أيضًا لانكشاف الجواسيس، مثل ما حصل مع الجَاسُوس القبرصي "أنطونياديس" الذي جُنِدَ لصالح بريطانيا داخل قبرص، فبينما كَانَ في مهمة مع جنود بريطانيين، تعرضوا لكمين فجائي من قبل منظمة "إيوكا" القبرصية المناوئة للاحتلال البريطاني لقبرص وقُتِلَ أحد الجنود في هذا الكمين، وأصيب آخر وهو صديق العميل أنطونياديس واسمه "سايفري"،  فقام "أنطونياديس" فورا بسحبه بمساعدة رجل آخر إلى مكان آمن، فاتضح أمام الجميع أن أنطونياديس الذي كَانَ يعمل مع "إيوكا" لم يكن في الحقيقة إلا عميلا للإنجليز. وهكذا أصبح أنطونياديس الذي كَانَ حينها يعمل مع البريطانيين علانية أحد أهداف "إيوكا" الَّرئِيِسَّية. فلو لم يصطحبه الإنجليز معهم في الدورية لما اكتشِفَ أمره. 85

أما العميل البريطاني "كروك" الذي أرسل إلى كولومبيا وأفغانستان وغيرها في مهام استخباراتية، فقد انتهى به المطاف كمفاوض مستقل بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل من أجل الهدنة وإيقاف إطلاق النار، وبعد اجتياح إسرائيل لقطاع غزة في يونيو 2002 ، تم العثور على محضرين كانت في حوزة حركة فتح وقد صادرتهما إسرائيل وفيهما تفاصيل اجتماع "كروك" مع الشيخ أحمد ياسين أحد كبار قادة حركة حماس. ووفقا للمحضريَن، بدأ كروك اجتماعه مع حماس بتأكيد "إننا جميعا نمر حاليا في فترة صعبة، وليس فقط في فلسطين بل في المنطقة كلها والمشكلة الَّرئِيِسَّية هي الاحتلال الإسرائيلي". تسببت هَذِهِ الجملة بالتشكيك بحياديةِ كروك في المحادثات، فما كَانَ من إسرائيل إلا أن تنتقمَ من هذا الذي ظهر عليه الانحياز إلى أعدائها. كَانَ من المحتوم أن يكشَفَ شخص ما في مرحلة من المراحل خلفية كروك الاستخباراتية. ليس واضحا من سَّرَب المعلومة، ولـكن في أغسطس 2002 في نبذة عنه في الصحيفة الإسرائيلية معاريف، و صف كروك لأول مرة في حياته المهنية كموظف في جهاز الاستخبارات السِرِّية؛ وهو حدث نادر بالنسبة إلى ضابط لا يزال في الخدمة أو حتى متقاعد.

وبدأت الصحف الإسرائيلية تتسلى بالموضوع. واقتبس كلام ضابط استخبارات إسرائيلي قال عنه: لا تدعْ مظهره يخدعك. فأنت لا تريد أن تلتقيه في زقاق مظلم في منتصف الليل. اسأل المجاهدين في أفغانستان أو تجار المخدرات في كولومبيا « .

86

احيانا ً يكون الخطأ في التصريحات الرسمية، كما حصل مع المجَّند الذي عمل مع الاستخبارات الغربية ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وقام ببعض الخدمات داخل التنظيم لصالح الوكالات الغربية والتي ساهمت في تنفيذ سلسلة ضربات من طائرات بدون طيار.

ففي 7 مايو 2012  أعلَمَ جون برينن رئيس قسم مكافحة الإرهاب في عهد أوباما ومدير وكالة الاستخبارات المَرْكَزَّية لاحقا عدة خبراء في التلفزيون بأن المؤامرة لم تشكل أي تهديد كبير قط بفضل وجود سيطرة دَاِخلِّية، وفسِرَ هذا بِشَكل صحيح على أنه يشير إلى وجود عميل، ثم صرح ريتشارد كلارك وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض: "إن الحكومة الأمريكية تقول إن العَمَلِّية لم تشكل أي خطر قط لأن لديها معلومات داخلية أو سيطرة  داخلية وهذا يلَّم لى وجود شخص في الداخل لم يكن ليسمح بحصول ذلك"، كل هذا أدى إلى انكشاف  العميل، والأرجح أنه تقاعد بسرعة ويعيش الآن تحت الحماية.