بقلم : عبد النبي العكري
منذ 18 سبتمبر 2023 , تنعقد في مقر الأمم المتحده في نيويورك ,الجمعيه العامه في دورتها 78 حيث جرى انتخاب دينس روس رئيسا للجمعيه العامه في جلسه سابقه.
وكالعاده افتتح الأمين العام للامم المتحده أنطونيو جوتيرش هذه الدوره, وشعارها "اعاده بناء الثقه واعاده احياء التضامن العالمي لتسريع العمل بشان ألاستراتيجه الكونيه 2030 واهداف التنميه المستدامه وتحقيق الازدهار والتقدم والعداله للجميع" .وقد خصص يومي 18و19 سبتمبر للتنمية المستدامه , وتلى ذلك الجلسات الافتتاحيه المخصصه لرؤساء الوفود حتى 25 سبتمبرويتبعها بدأ بــ 27 سبتمبر جلسات مناقشه جدول اعمال الدوره. كماعقدت في ذات الفتره اجتمعا ت رفيعه المستوى لمناقشه قضايا عالميه محدده مثل تمويل التنميه والوقايه من الجوائح وقمه المناخ والتحضير لقمه المستقبل والازاله الكامله للاسلحه النوويه .. واهم ثمان قضايا يتم استعراضها في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، استعرضنا في الحلقة الأولى القضية الأوكرانية ، وفي هذه الحلقة نستعرض القضية الفلسطينية واخر التطورات حولها وأخيرا الذكاء الاصطناعي .
سادسا : فلسطين ,قضيه في ضمير العالم
رغم تراجع الاهتمام بالقضيه الفلسطينيه لاسباب عديده ,الا ان عمليه التطبيع مع الكيان الصهيوني برعايه اميركيه كانت حاضره وبقوه وبالمقابل فان عددا من البلدان المتمسكه بحقوق الشعب الفلسطيني قد تصدت لاطروحات التطبيع وفضحت كلا من إسرائيل وحليفتها أمريكا وازدواجيه الغرب في تعامله مع قضيه فلسطين وقضيتها المشروعه بموجب الشرعيه الدوليه.طرح رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتينياهو بوضوح ان ماكان يعتبر مستحيلا قبل سنوات قد تحقق وهاهي اربع دول أخرى وهي الامارات والبحرين والمغرب والسودان تطبع مع إسرائيل بموجب اعلان ابراهام برعايه اميركيه وتنظم الى مصر والأردن السباقتين في التطبيع.ثم فجر المفاجاه وهي ان الحدث القادم هو السلام مابين السعوديه وإسرائيل والذي سيترتب عليه شرق أوسط جديد والذي سيكون له انعكاسات ايجابيه لعلاقات إسرائيل والبلدان العربيه والاسلاميه الاخرئ.كما ان هذا يعني مصالحه الإسلام واليهوديه ومصالحه مكه والقدس ومصالحه أبناء اسحق وأبناء اسماعيل .وبعدها طرح نتينياهو التطور الحاسم نتيجه لذلك وهو المشروع الذي اقرفي قمه العشرين في نيودلهي مؤخرا باقامه ممر يصل الهند بحرا بابوظبي ثم يعبر برا السعوديه والأردن ليصل الى ميناء حيفا في فلسطين المحتله ومنها ينطلق الممر البحري الى اليونان ليتفرع منها الى اوربا .واكد نتنياهو ان أسرائيل هي في قلب المشروع ضمن اندماجها الكامل في الشرق الأوسط كلاعب اقتصادي وسياسي أساسي.
وفي اشاره استصغار للشعب الفلسطيني نصح الفلسطينين بالقبول بالامر الواقع لانه في صالحهم مستدركا ان الفلسطينين يمثلون 2% من تعداد العرب والمشروع في صالح ال 98%.وعرض نتنياهو خرائط تظهر عزله إسرائيل عند قيامها في 1948 وتطبيع الدول العربيه المحيطه بها حاليا وكذلك الممر الاستراتيجي المتفق عليه في قمه العشرين بنيودلهي ليربط الهند باوربا عبر الجزيه العربيه و"إسرائيل".ووصف المقاومه الفلسطينبه للاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب.
من الطبيعي ان يعبر الرئيس الأميركي بايدن عن تبنيه الكامل لاطروحات نتنياهو في كلمته في ذات اليوم في الجمعيه العامه فقداكد ان أمريكا شريك في عمليه تطبيع الدول العربيه مع إسرائيل بموجب اتفاق ابراهام داعيا الاخرين بالانضمام اليه كما تفاخر بالدور الأميركي في تبني مشروع الممر من الهند الى اوربا عبرالجزيره العربيه و"إسرائيل" في عمليه تشكل شرق أوسط جديد.كما لقي هذا المشروع تنويها من قبل الهند بالطبع التي استضافت قمه العشرين حيث اطلق المشروغ.
القى رئيس السلطه الفلسطينيه محمود عباس كلمه فلسطين فاكد على مايتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات قاسيه وشامله ,لكنها لاتلقى اهتماما من المجتمع الدولي . واكد على ان مايطالب به الفلسطينيون من جلاء الاحتلال الإسرائيلي واقامه الدوله المستقله ذات السياده وعاصمتها القدس وعوده اللاجئين الفلسطينين لديارهم بانه يستند الى قرارات الشرعيهة الدوليه للأمم المتحده لكن أيا منها لم ينفذ .واكد عباس ان الشعب الفلسطيني متمسك بالمقاومه السلميه والتي كررها عده مرات.كما طالب بمحاسبه امريكا وبريطانيا لدورهما في قيام إسرائيل واحتلالها لفلسطين . ودعى لتكريس 15 مايو كيوم لاحياء ذكرى النكبه في 1948 وتجريم انكارها حيث ترتب عليها احتلال معظم فلسطين وتشريد نصف شعبها. كما دعى لمؤتمر دولي برعايه الأمم المتحده لتنفيذ حل الدولتين واكد بقاء الفلسطينيين على ارضهم.
من المؤسف ان القليل من الدول امتلك الشجاعه الاخلاقيه ليتصدى لاطروحات نتنياهو العنصريه والخادعه ليس ضد الفلسطينيين فقط بل ضد العرب والمسلمين والبشريه عموما .من الدول القليله التي عبرت بشجاعه عن موقفها المبدأي الى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعه ودحض اطروحات نتنياهو الرئيس الكولمبي جوستافو بيدرو والذي نوه الى انه في حين يتم التأكيد لحل سلمي في أوكرانيا وفلسطين فانه لايتم أي شيء لتحقيق ذلك في فلسطين . اما ممثل فنزويلا فقد طالب بحق تقرير المصير في فلسطين كما حال بلدان أخرى تشهد احتلالا اجنبيا. الرئيس الإيراني رئيسئ شدد على استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لمده 75 عاما وهو اطول احتلال في التاريخ ودعى للاعتراف بحقوق الفلسطينين المتاصله ومنها حقه في أقامه دوله مستقله ذات السياده الكامله وعاصمتها القدس .وفضح رئيسي هذا التواطئ الدولي بعدم مواجهه الكيان الصهيوني ونصره فلسطين مما أتاح له التطبيع مع عدد من الدول وانها لن تساهم في نيل الفلسطينيين لحقوقهم . كما ان رئيس ماليزيا أنور إبراهيم ادان نفاق العالم في التعامل مع القضيه الفلسطينيه حيث الاحتلال الإسرائيلي يرتكب الجرائم الوحشيه ضد الفلسطينين من قتل وهدم وحصار والاستيلاء على الأراضي الفلسطينيه المحتله لصالح الاستيطان الإسرائيلي مما يقوض حل الدولتين. وطالب المجتمع الدولي لفرض الشرعيه الدوليه في فلسطين, وهو ماطالبت به سوريا والجزائر والكويت.
كما ان عددا من الدول اكدت دعمها لقيم دوله فلسطينه مستقله ذات سياده ضمن حل الدولتين لكنها لم تطلب اتخاذ إجراءات عقابيه ضد "إسرائيل" التي اجهضت قيام دوله فلسطينيه طوال 75 عاما ومن هذه امريكا كندا والاتحاد الأوربي وعدد من الدول العربيه والاجنبيه .
سابعا : الذكاء الاصطناعي
طرحت قضيه الذكاء الاصطناعي كتطور نوعي في سياق ثوره التكنولوجيا الرقميه.وكما يحمل الذكاء الاصطناعي في طياته فرصا عظيمه لتطور البشريه بتطبيقاته العلميه والعمليه في جميع مناحي الحياه , فانه يحمل أيضا مخاطر عظيمه في استخداماته في مجالات مضره بالإنسان والبشريه مثل استخدامه في الحروب والعمليات الاستخباريه اوازاحته للعنصر البشري في مختلف الاعمال . اما ماهو اخطر فهو ان يتجاوز الذكاء الاصطناعي سيطره البشر المسيره له ويتخذ قررارته منفردا ومنها إعطاء الأوامر بشن عمليات عسكريه ومنها النوويه . طرح الموضوع من قبل عدد من المتحدثين وكان هناك توافق بان توضع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحساسه تحت رقابه الدوله وان لاتترك للشركات او الاجهزه السريه لاستخدامها , لكن المشكله تكمن في تحديد الحساسيه والخطوره.
ثامنا : مترتبات الحروب والكوارث والفشل
لاشك انه ترتب على الحروب والنزاعات المسلحه وكوارث الطبيعه وفشل الدوله والفساد والاستبداد نتائج كارثيه على امتداد العالم لكن الخسائر الكبرى تصيب الدول الناميه لاسباب معروفه.لقد لخص الأمين العام للأمم المتحده في كلمته اخطر هذه المترتبات ومنها خسائر مروعه في الأرواح والاصابات البشريه وارتفاع هائل في عدد اللاجئين الى حد موت عشرات الالاف غرقا ,وخسائر هائله بحيث تسبب في عدم انجاز سوى 15% من اهداف التنميه المستدامه في منتصف المسافه الزمنيه ,والتخلف عن معالجه التغير المناخي وتدهوراليئه .وفي حين ان اغلب من تحدثواعن ذلك عالجوا الموضوع انطلاقا من مواقف دولهم السياسيه والمصلحه الذاتيه فان قليلين عالجوها برؤيه كونيه وشموليه وموضوعيه.
من هؤلاء السفير روبرت لي ممثل كندا الذي أشار الى ان مجموع اللاجئين التقريبي في العالم بلغ108 مليون لاجئ في 2023 وأعطى ارقاما لاكثرالبلدان احتضانا للاجئين.وعرض تجربته الشخصيه اثناء تفقده للا جئين في كولمبيا في بدايه رحله المعانه باتجاه حدود اميركا مع المكسيك .كما عرض البعض أوضاع اللاجئين الفلسطينين والسورين والسودانيين والروهنكا والارمن وغيرهم.ان تدفق اللاجئين تجاه بلدان الجوار او البلدان الغنيه مثل اوربا وأميركا وأستراليا وغيرها قد اسهم في تصاعد العنصريه ضد المهاجرين في بلدان المرور واللجؤ الى حانب الشرور الأخرى مثل المتاجره بالبشر.
من ناحيه أخرى فان الحروب والتوترات تتسبب في توجيه موارد الدول والمجتمع البشري نحو الحروب وتطلق سباق التسلح وذلك على حساب تكريس هذه الموار للتقدم الحضاري والإنساني بمختلف جوانبه الماديه والانسانيه .كما ان هذه الحروب والنزاعات تتسبب في نشر الكراهيه والتعصب والقطبيه في علاقات الدول وتراجع التكامل والتعاون المتعدد الأطراف المطلوب لمواجهه التحديات الكونيه . وهو مااثبتته حرب أوكرانيا والحروب في الوطن العربي واسيا افريقيا وأميركا اللاتينيه.
من الواضح في ظل هيمنه الغرب المنفرده على العالم فعليها المسؤؤليه الأساسية ويشمل ذلك الكيان الصهيوني التوسعي ويتحمل اتباعها والانظمه الاستبداديه والقوى المتطرفه المسؤؤليه ايضا . أشار الى ذلك عدد من المتحدثين ,وبالمقابل فقد وضع مندوبون غربيون المسؤؤليه على روسيا لما اعتبروه كسر قواعد النظام الدولي الذي ارسي بقيام الأمم المتحده بعد الحرب العالميه الثانيه .لكنهم يتجاهلون ان نهايه هذه الحرب مثل بدايه لسلسه حروب شنتها أمريكا وحلفائها . والأخطر اعتبار من يقاومون الحروب العدوانيه بانهم ارهابيون من فيتنام الى فلسطين.
بالطبع فان هناك الكثير من القضايا ذات الطابع الوطني والإقليمي والعالمي التي تتناولها مناقشات الجمعيه العامه والاجتماعات التخصصيه , ومن الواضح ان هذه القضايا مترابطه ومتشابكه وليس هناك من حلول سحريه . واذا لم يحدث تحول جذري في سياسات الدول والسياسات العالميه فلن يحدث اختراق جدي لمعالجه هذه القضايا.
