بقلم :عبدالله جناحي
نشر الدكتور محمد آل عباس مقالاً بعنوان (أزمة «توشيبا» كانت في الحوكمة). يحلل فيه الأسباب الحقيقية لانهيار الشركة اليابانية العملاقة، وخروجها من معظم بورصات العالم. يقول آل عباس (إن فضيحة "توشيبا" ليست فضيحة محاسبية كما قرأها الإعلام، أو كما حاولت "توشيبا" أن تزيفها، بل إنها كارثة في عالم الحوكمة، ولم تسجل حالات بهذا السوء. إن اللجان المختصة بالتحقيق في مشكلة "توشيبا" أشارت إلى أن الثقافة السائدة في "توشيبا" هي التي أوجدت هذه المشكلة الخطيرة جداً، فالرئيس التنفيذي الجديد الذي يصبح في الخط الدفاعي الأول يرشحه دائماً الرئيس التنفيذي السابق له، والرئيس السابق لا يخرج من الشركة، بل ينتقل إلى الخط الدفاعي الثاني "الرقابي".
كما أن الشركة لا تتخلى عن الرؤساء السابقين، بل يبقون في إدارة الشركة على شكل "مستشارين"). هذه العملية الإدارية البعيدة عن معايير الحوكمة من جهة، وارتباطها بالفساد الإداري الذي يؤدي إلى فساد مالي وإرهاق في موازنة الشركة من جهة أخرى. قد تركت لتنمو وتترعرع في جسد "توشيبا" كورم سرطاني خبيث. لقد أدت تلك الفضائح "المحاسبية" إلى خفض تصنيف "توشيبا" في بورصة طوكيو، وأشار آل عباس إلى أن (إدارة "توشيبا" طوال سبعة أعوام كانت تعمل على إخفاء خسائر بلغت قيمتها أكثر من مليار دولار ناتجة عن قرارات خاطئة اتخذتها الإدارة العليا، وأن المدهش حقا قدرة ثلاثة رؤساء تنفيذيين لـ"توشيبا" على اقتراف 12 حالة، ما بين 2009 والعام المالي 2013، تركزت حول تأجيل سافر للاعتراف بالخسائر، والتلاعب الفج في نسب إنجاز المشروعات، من أجل تأجيل الاعتراف بالتكاليف).
ومع تدخل الحكومة اليابانية في محاسبة ومعاقبة المفسدين، ومع مطالبة المستثمرين العالميين في توشيبا بتغيير ثقافة الشركة وزيادة المساءلة، (فقد امتثلت "توشيبا" وعينت أعضاء مجلس إدارة مستقلين غير يابانيين، وذلك لأول مرة في محاولة لتحويل ثقافة الشركة، وامتثالاً للمساءلة، والحوكمة، لكن ذلك كان مجرد على الورق). ذلك أن الرؤساء التنفيذيون المتهمين بالفساد تمكنوا من رشوة المسؤولين الحكوميين الذين كلفوا بالرقابة والتأكد من صحة انتخابات الجمعية العمومية لتوشيبا. وخلاصة الأمر (أن ما ظهر وكأنه مجرد تلاعب محاسبي، كان يخفي مشكلة حوكمة عميقة وخطيرة جداً). لقد انتهت شركة "توشيبا" اليوم (لكنها جعلت المستثمرين الأجانب غير متأكدين بشأن الاستثمار في الأسهم اليابانية، ما يجعل الأمر لا يمثل مشكلة "توشيبا" فحسب، بل مشكلة لسوق الأسهم اليابانية بأكملها).
الوزراء يتحولون إلى مستشارين مدى الحياة:
من الممكن أن نقارب ما حدث في توشيبا من تلاعب إداري، وتدوير الرؤساء التنفيذيين، وبقائهم كمستشارين في الشركة لمدى الحياة، وما يؤدي ذلك إلى تضخم الجهاز الوظيفي، وإهدار الميزانية من خلال إرهاق الباب الأول الخاص بالرواتب والأجور.
نقول، نقاربه بما يحدث في بعض الحكومات من تعيين الوزير المعفي كمستشار، أو تأسيس أجهزة وهيئات ومجالس ومراكز فرعية وتعيينه أميناً عاماً عليها. الأمر الذي سيؤدي-ومن الممكن قد أدى- إلى تضخم حكومي بدل تحويلها إلى حكومة مصغرة، رشيقة، غير مكلفة.
وسيساهم ذلك في تخفيض العجز في الموازنة، وتعزيز الحوكمة الصحيحة، والشفافية، ومن ثم الجاذبية للاستثمار الأجنبي. نقول هذا الكلام لتلك الحكومات التي تتعامل مع إدارة الدولة باعتبارها شركة تجارية، تنتظر في نهاية العام مقدار الفائض من الأرباح، فالأولى لها أن تتعلم من فضيحة شركة "توشيبا" التي عمرها ١٤٥ سنة، وها هي تفارق الحياة!.