DELMON POST LOGO

بَ بِ بُ = بطة

بقلم – خالد جناحي

في معظم الدول العربية يقول "البعض" وربما يكون لديهم "بعض البعض" الحق وربما لا طبعا، يقولون أن المنتقدين دائما للأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية  في أي مكان ربما يكونوا "متفلسفين" ليسوا أكثر، وأنهم دائمو الانتقاد "بلا حلول" أو رؤية للحل، وفي حقيقة الأمر أن الحلول كثيرة ومتنوعة وليست بالأمر الصعب أو المستحيل وخاصة على المتمرسين وأصحاب الخبرة، وفي بعض الأحيان يراها الجميع أمام أعينهم رؤية الحق المبين بلا اعوجاج أو انكسار، ولكن المشكلة دائما ليست في الحلول ولكن في تنفيذ هذه الحلول وتطبيقها، ووضع القواعد الثابتة الراسخة التي نؤسس عليها للحل السليم الواضح الفعال.

 الحل أو تطبيق الحل يلزمه في حقيقة الأمر الوقوف على الحل الأول وهو "قواعد ثابتة راسخة" إما أن نبني عليها أو نسقط دونها، هذه القواعد يتم البناء فوقها حتى يكون البناء سليما مستقيما بغير اعوجاج ولا ميل، وتكون الحلول ناجعة "لها مفعول" أو ناجحة "مثمرة"، يمكنك أن تختار بينهما ما يحلو لك.. الحل الأول هو الأساس الذي سيبنى عليه كل ما دون ذلك أو لا شيء ولا حلول على الإطلاق.

وبذكر "القواعد" وبما أنني رجل قد بلغت من العمر عِتياً كما يقولون ومثلي كثيرون من أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات الذين تلقوا تعليمهم في مدارسنا الحكومية الجميلة، وكانت المناهج الدراسية تأتي غالبا من الشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية في عهد خالد الذكر "أبو خالد" الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وجميعها ذكريات لم تمر على أجيال "التشيكن ناجترز" الذين تلقوا تعليمهم على أيادي الخواجات والمتخولجين والفرنجة والمتفرنجين، فقد تذكرت القاعدة الأولى في دروس اللغة العربية عندما فتحنا كتاب المطالعة في الصف الأول ابتدائي وينطلق المعلم بأعلى صوته يدرسنا با بي بو بطة "بَ بِ بُ بطة"، وقولت في نفسي أن الآوان قد آن للعودة إلى القواعد إذا أردنا الإصلاح حقا ، ووضع الحلول محل التنفيذ.

إن الطريق للحلول وخاصة الاقتصادية منها يلزمه عمل متقن، وجهد كبير مبني على العلم والخبرة، ويلزمه أيضا قواعد، والحل الأول لإرساء حلول اقتصادية صحيحة تمر بأربعة مراحل:

أولاً .. أن نعترف جميعا بأن هناك "مشكلة"، هذه المشكلة بالطبع ليست في البحرين بل في أغلب الدول العربية التي باتت تعاني اقتصاديا بشكل واضح للجميع، وإذا لم توجد مشكلة باعتراف الجميع فلا داعي أبدا للبحث عن حلول، وهذا الاعتراف الجماعي لابد أن يشمل الجميع شعبا وحكومة ومسئولين حتى يساهم الجميع في الحل كل بدوره ولا يتواجد الطرف الذي يلعب دور "العائق" أو "المعوق" عندما يبدأ الجميع في الحل.

ثانياً.. أن نحدد وبكل وضوح وحياد وشفافية وتجرد من هي " الجهة أو الجهات المسئولة" عن هذه المشكلة، أيا كان وضع هذه الجهة أو الجهات، وأيا كانت الأشخاص التي ترأسها أو وراءها أو تحميها، وهنا لا يهمني بالطبع الإعلان عن هذه الجهات أو التشهير بها، بقدر ما يهمني تحديدها لتوصيف مواطن الخلل التي تسببت في المشكلة، وتلافي الأخطاء مستقبلا.

ثالثا.. استبعاد أسباب "المشكلة" من "منظومة الحل"، بمعنى أن جميع الأشخاص أو الجهات التي تسببت في عمل أو إيجاد المشكلة التي حددناها جميعا، واعترفنا بها جميعا (في المرحلة الأولى) ثم حددنا المسئول عنها (في المرحلة الثانية) لا يجب أن يكونوا هم أنفسهم جزءا من الحل (في المرحلة الثالثة)، لا يستقيم الأمر أبدا إذا شارك من هم مسئولون عن المشكلة أو سببا مباشرا فيها في وضع الحلول لأنهم بكل تأكيد سيكونون عقبة أمام وضع الحلول أو تنفيذها، لأن حل المشكلة هي إدانة لهم وأكبر دليل على فشلهم، ومن هنا فإن استبعادهم يكون حتميا غير قابل للمجاملة أو المداهنة أو أنصاف الحلول.

رابعاً.. احترام القانون وتطبيق القانون وسيادة القانون، وأن لا أحد فوق القانون مهما كانت سلطته أو منصبه أو من ورائه، إذا طبق القانون بهذا القدر من الاحترام والشفافية والعدالة سيكون الطريق دائما للحل سهلا ميسورا منبسطا أشد انبساط بلا عوج أو انحرافات.

لذلك فأنني أقول لهؤلاء "البعض" في جميع دولنا العربية الذين لا يحبون "المتفلسفين" و"المنتقدين"، اضمنوا لهولاء المتفلسفين بيئة صالحة للحل مبنية على قواعد سليمة عادلة تعترف بالمشكلة وتحدد أسبابها ومن هم مسئولون عنها وتستبعد الفشلة من المشهد فعليا، وتطبق القانون بكل عدالة ونزاهة وشفافية وتجرد، وسيقدمون لكم بدل الحل مائة حل، وبدل الدواء مائة دواء ، بل ويضمنون لكم الشفاء بإذن الله.

وإلا فأسكتوا "البعض"يرحمنا ويرحمكم الله