بقلم : محمد الانصاري
إختلفت الأرقام الرسمية لتوظيف البحرينيين في عام ٢٠٢٢ ميلادية بين الإحصاءات المنشورة من قبل وزارة العمل على لسان وزيرها السيد جميل حميدان والتي أكدت توظيف ٢٩ ألف بحريني ، وبين الأرقام التي اعلنت عنها هيئة التأمين الاجتماعي على موقعها الرسمي والتي تقل عن ٦ آلاف بحريني، أدى هذا الاختلاف الكبير في الاحصاءات الى ان يقوم السيد جمال فخرو النائب الأول لرئيس مجلس الشورى إلى الاستغراب والتعجب والسؤال حول دقة الأرقام المتضاربة ، من خلال تغريدة اثارت ضجة في وسائل الاعلام بشأن مصداقية الأرقام وصحتها.
صدق جمال فمعه كل الحق في تساؤله وهو رجل خبير في الأرقام ، وصدق جميل في جوابه حيث ان أرقام التأمينات الاجتماعية تشير لعدد البحرينيين الذين اشتغلوا لأول مرة ، في حين أرقام وزارة العمل تشير الى عدد الفرص الوظيفية الجديدة التي حصل عليها البحرينيون وقد ذهبت بعضها للعاطلين و بعضها الاخر ذهبت لأشخاص كانوا يعملون في وظائف وانتقلوا لوظيفة أخرى.
لكن هذا لا يعني أن الامور مرضية في ملف البطالة ، فبغض النظر عن كيفية عرض أرقام المتوظفين ، وأعداد العاطلين ، لابد من تفسير مسألة البطالة و كشف أسبابها الحقيقية ، حيث باعتقادي انها تكمن في أسباب ثلاث محورية ، و سوف لن تحل هذه المشكلة ما لم تتضافر لجهود لعلاج جذور الأمر وهي الآتي:
اولاً : تخلي جهاز الخدمة المدنية عن دور رئيسي من أدواره ، حيث ان الجهاز أصبح لا يهتم في توطين وظائف الخدمة المدنية بحجة ان علاج مشاكل البطالة وعملية توطين الوظائف من مهام وزارة العمل والتي أساساً ليس لها سلطة على وزارات وهيئات الدولة ، وقد أدت هذه السياسة الى التسبب في شغل حوالي خمس الوظائف العامة بالأجانب، و الكارثة نتائجها أكبر مما نظن بعدما تأَسَّت المدارس الخاصة بخطى وزارة التربية التعليم وقامت بجلب آلاف المدرسين الأجانب من خارج البحرين كما فعلت الوزارة.
ثانياً : تلاعب الشركات الكبرى في نسبة البحرنة الحقيقية لديها ، حيث ان هذه الشركات لا يتجاوز نسبة البحرنة الفعلية فيها ٤٠٪ في حين انها تعلن ان نسبة البحرنة لديها تجاوزت ٩٠٪ ، ويعود ذلك لقيام هذه الشركات الكبرى بخصخصة مهام و أعمال جوهرية مستدامه لديها و تسليمها لمقاولين آخرين ، وهؤلاء المقاولين ومنذ سنوات طويلة جداً لا يتجاوز نسبة البحرنة لديهم عن ١٠ ٪ ، عمليات الخصخصة تلك لم توفر اي شئ للشركات ، والمستفيد منها فقط عدد صغير من هوامير المقاولين الذين أصبحوا أكثر ثراءً على حساب آلاف البحرينيين الباحثين عن عمل ، فاذا اخذنا النسبة المتوسطة للعاملين الفعليين بشكل مستمر ويومي في اي شركة من الشركات الكبرى لوجدناها لا تتجاوز في احسن الظروف ٤٠ ٪ ، مع العلم ان الوضع كان مختلفاً في السابق قبل تبني فكرة الخصخصة.
ثالثاً : تخلي البحرين رسمياً عن مشروع التوطين خلافاً لما هو جار في باقي دول الخليج ، وخلافاً لقواعد الاستخدام في كل دول العالم ، حيث ان هيئة تنظيم سوق العمل فرضت رسوما على جلب الأجنبي لأخذ وظيفة مناسبة و جاذبة من المواطن ، وتركت الخيار في مسألة سيادية حساسة لصاحب العمل دون ضوابط ، وبذلك فقد المواطن ضمانة دستورية وقانونية أعطته الأولوية في التوظيف ، وقد صيغت هذه المعادلة من منظور مادي قصير الأمد ثبت عدم جدواها بعد أكثر من عقد ونصف من العمل بها وبتعديلاتها ، وقد آن الأوان لمراجعتها بشكل جذري.
ختاماً
١- كي نحل مشكلة البطالة يجب ان نقوم بإحلال البحرينيين مكان الأجانب في القطاع العام كما فعلت السعودية و تفعل الآن الكويت ، كما يجب قصر المهن العليا ذات المردود العالي في البنوك و الشركات الكبرى على المواطنين ، فاذا كان المواطن يقبل ان يعمل في محطة بترول مقابل ٣٠٠ دينار سوف يقبل ان يعمل في الشركات الكبرى اي وظيفة اذا كان اجرة ٦٠٠ دينار.
٢- هناك مشكلة أصبحت تتفاقم في ادارة التوظيف بوزارة العمل حيث ان الإدارة الموجودة تتجه لتضخيم إنجازاتها عبر التساهل في غلق ملفات العاطلين بدل توظيفهم ، هذه العقلية لا تصلح ، ومن الضروري إصلاحها وتوجيهها ومراقبتها.
٣- رغم كل إنجازات وجهود جهاز الخدمة المدنية الا أنها لم توفق في تحديد أولويات الجهاز ودوره في توطين الوظائف، ولا بد للجهاز من ان يتعاون مع وزارة العمل لتوظيف قوائم العاطلين وإحلالهم بدل الاجانب والبدء بوزارة التربية والتعليم.
٤-المعالجات والحلول التي تطرحها هيئة تنظيم سوق العمل لن تحل شيئاً الا عبر رؤية وطنية يشترك فيها الجميع ومن ضمنهم التجار والعمال ، اما الأفكار المطروحة من الشركات الاجنبية التي عفى عليها الدهر أصبحت غير مفيدة .