بقلم : علي صالح
اتصل بي صديق عاتبا : أنت لست في هذا العالم الذي يموج بالاحتفالات ' احتفال وراء احتفال وإنت نائم في العسل..
- عن أي احتفالات تتحدث ؟
- احتفالات عيد العمال وبعده بيومين عيد الصحافة ، هذين العيدين الشعبيين الا يستحقان منك ككاتب ان تشارك الدولة في الاحتفال بهما وابراز مكاسب العمال والصحافيين بل والشعب فيهما .
- تقصد المكاسب التي فقدها الشعب على مدى العشرين سنة الأخيرة بالتزامن مع فقدانه للديمقراطية التي هي حاضنة لجميع الحقوق الشعبية ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحق العمالي بالاحتفال العام والمفتوح بعيد العمال في الأول من مايو واحتفال الصحافيين بيوم الصحافة العالمي في الثالث من مايو وذلك بكتاباتهم وحديثهم ونقدهم لحرية الصحافة في بلادهم ..
- حال الديمقراطية يا صديقي تجسد هذا العام مثل الأعوام العشرين السابقة في اقتصار اتحادي العمال على الاحتفال بتكريم عدد من العمال في فندق خمس نجوم ، وتصنيف منظمة مراسلون بلاحدود لحرية الصحافة في بلادنا برقم 173 من عدد 180 دولة أي الثانية في ذيل القائمة عربيا وعالميا ومن ثمة بيانات وتصريحات رسمية تشيد بما وصلت اليه حرية الصحافة عندنا !!
- إذا عن ماذا تنوي الكتابة هذا الأسبوع ؟
- انوي الكتابة عن موضوع اهم وأغلى كثيرا عن شهية المليار دينار
- هذه الحكاية بدأت منذ 16 عاما أي مع الإعلان عن رؤية البحرين الاقتصادية 2030 وهو الإعلان والاحتفال الذي جرى في 2008 .
- فعلى عكس توجهات تلك الرؤية وجدت الحكومة أنها بحاجة للحصول على مليار دينار على الأقل أثناء دورة كل ميزانية عامة أي كل عامين وأنها ستعمل على توفير الظروف الطبيعية التي تخلق العجز وبالتالي الحاجة للاقتراض لسداد هذا العجز وهذا لتوجه لن يتعارض مع الرؤية 2030 ولا مع التغني بها ولا مع أهدافها النبيلة .
- وهكذا انطلقت شهية المليار دينار فعلى سبيل المثال عجز الميزانية العامة في عام 2004 كان صفرا ومع ذلك ارتفع الدين العام في عام 2005 إلى 617 مليون دينار وقفز إلى 1.348 مليار دينار في عام 2009 مع ان العجز كان في ذلك العام 446 مليون دينار فقط .
وفي ميزانية 2012 كان العجز 30 مليون دينار والدين العام زاد بمبلغ مليار دينار ، وفي ذلك العام سأل جمال فخرو في مجلس الشورى وزارة المالية عن سبب اقتراض مليار دينار لتغطية عجز بمبلغ 30 مليون دينار وماذا ستفعل الحكومة بمبلغ 970 مليون دينار الإضافية فردت عليه الوزارة : سنصرفها بالطبع ..!
أهداف الحصول على المليار دينار تعددت وتطورت أساليبه ومجالاته ففي البداية عملت الحكومة على تضخيم مبالغ الدعم ، ففي ميزانية 2013- 2014 كان الدعم يتكون من قسمين دعم غير مباشر ويخصم كرقم واحد من اجمالي ايرادات النفط والغاز وهو يختص بالغاز والمشتقات النفطية وقد بلغ في هذه الميزانية ما مجموعه للسنتين 1.839 مليار دينار ودعم الغاز بين 570 و 610 ملايين دينار .
ولأنه دعم مفتعل وغير حقيقي انخفض في ميزانية العامين التاليين إلى 208 ملايين و189 ألف دينار أما الغاز فقد خرج تماما من الدعم وأصبح له سعر محدد .
الدعم الثاني في الميزانية 2013-2014 هو الدعم الحكومي المباشر وهو في تلك الميزانية يشمل جميع المجالات والقطاعات التعليمية والحياتية ، مجموع هذا الدعم في العامين المذكورين بلغ 1.407 مليار دينار والمجالات التي يشملها مذكورة مرة أخرى في بند المصروفات المتكررة .
هذا الدعم تم تفتيته في ميزانية 2015-2016 وتم الإبقاء على دعم الأسر محدودة الدخل التي انخفضت من 115 مليون دينار في عام 2015 إلى 80 مليون دينار في عام 2016
وقبل تضخيم هذا الدعم المباشر وغير المباشر وبعدهما فقد حافظت حكومتنا الرشيدة على نهج فريد لاتسلكه أي حكومة اخرى ويتمثل في ثلاثة جوانب :
أولها : الإصرار على ميزانية العامين ،
وثانيها : عدم صدور الميزانية في موعدها أي إصدارها بعد أربعة شهور أو ستة شهور أو حتى سنة كما حدث عام 2015.
والجانب الثالث : هو ان المصروفات المتكررة ترتفع في كل عام عن الذي قبله بغض النظر عن انخفاض أو ارتفاع الإيرادات العامة.
وهذه الجوانب الثلاثة تعمل كلها على تمكين الحكومة من إصدار ميزانية بعجز وبالتالي طلبها الاقتراض من اجل تغطية هذا العجز !
وعن الزيادة المضطردة للمصروفات المتكررة قالت وزارة المالية في أعقاب تقديم ميزانية 2015-2016 ( على الرغم من انخفاض الإيرادات فقد أبقينا على حجم المصروفات المتكررة دون تغيير عن الميزانية السابقة حفاظا على مكتسبات المواطنين ) ! لكن ما حدث ان المصروفات المتكررة ارتفعت عن حجمها في الميزانية السابقة ، فهذه الزيادة مستمرة بسبب وبدون سبب.
من المبررات التي وظّفتها الحكومة لاقتراض المليار دينار وزيادة حجم الدين العام تمويل تنفيذ برنامج الحكومة ، هذا ما قاله البنك المركزي أثناء مناقشة تعديل قانون سندات التنمية بزيادة مليار دينار ، ولما قال له النواب ان برنامج الحكومة ليس به ارقام للتمويل ، ردت عليهم وزارة المالية : ارقام التمويل ستجدونها في الميزانية العامة التي ستقدم لكم بعد موافقتكم على برنامج الحكومة .
شهية الحكومة في الحصول على المليار دينار تمثلت في السنوات الأخيرة في تضخيم الباب الأول في الميزانية العامة والمتعلق بحجم رواتب موظفي الحكومة وعدد الوزارات والهيأت والمستشارين برتبة وزراء..
الدول المتقدمة والنامية تحرص على تحقيق التوازن المالي من خلال تخفيض المصروفات المتكررة بصفة عامه ومصروفات الرواتب والأجور ، فتجد ان عدد الوزارات في هذه الدول يتراوح بين 9 و13 وزارة وبالتالي إبقاء مبلغ الصرف على الوزراء والوزارات وموظفيها عند نسبة 2 % و4 % من الناتج المحلي الإجمالي ، أما نحن في البحرين فقد ذكرت الرؤية 2030 ان هذه النسبة بلغت 10 % وطلبت تخفيضها إلى النسبة العالمية التي لاتتجاوز 4 % ولكن عدد الوزارات أخذت في التزايد منذ عام 2008 حتى اليوم ليصبح عددها حوالي 40 وزارة وهيئة و 80 مستشار برتبة وزير، فحكومتنا لاتسمح بتقاعد الوزير وإنما تحوله إلى مستشار برتبة وزير ! .
ولأن هؤلاء يبقون في مناصبهم سنوات طويلة لا تحصى فمخصصاتهم المالية تتضخم وتتضخم معها المخصصات المالية للباب الأول في الميزانية العامة وتتسبب في حدوث عجز الميزانية وبالتالي في مسارعة الحكومة إلى طلب اقتراض المليار دينار لسد هذا العجز وادعاء تحقيق التوازن المالي الذي بات مثل بيض الصعو ! .
شهية المليار دينار جاءت بعد ما حققت الميزانيات المتعاقبة من عام 2000 حتى 2008 فوائض زادت على المليار و600 مليون دينار لكنها تلاشت ومعها كذلك مبالغ دعم برنامج التنمية الخليجي التي زادت على 2.6 مليار دينار .
أما الدين العام فأخذ في الارتفاع كل عامين بأكثر من مليار دينار حتى وصل اليوم إلى حوالي 17 مليار دينار بالإضافة إلى 3 مليارات دينار اقترضتها بعض الوزارات بعلم وزارة المالية ، دين لا احد يدري أين يذهب ولا متى يمكن ان يسدد أو حتى يخفض بعد ان بلغ 120 % من الناتج المحلي الإجمالي وهو الأعلى بين جميع الدول العربية ، لكنه يشبع شهية المليار دينار .
بقيت الإشارة إلى ان هذه الشهية دفعت الحكومة كذلك إلى ان تمد يدها إلى أموال التأمينات الاجتماعية والى علاوة المتقاعدين والى صندوق الأجيال وصندوق التعطل وغيرها.