بقلم :عبدالنبي العكري
تتطور ظاهره الاعتصامات المناصره لفلسطين والمطالبه بوقف فوري لحرب الاباده ضدغزه ,والمناهضه للتحالف الصهيوني الأميركي في اهم الجامعات الاميركيه بدءا من جامعه كولمبيا في نيويورك والتي امتدت لعدد من الجامعات الاميركيه المرموقه مثل هارفارد ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وبرنارد وايمرسون وماريلاند وميشجن والمدرسه الجديده وجامعه نيويورك وروتجر وتافت وفاندربلت وواشنطن وييل وبرنستون وبنسلفانيا ونيوميكسكو وميشجن ستيت وكولرادو وبيركلي وبولدر , وعشرات من الجامعات الاميركيه, حيث تنظم المزيد من الجامعات الى شبكه الاعتصام لطلبه الجامعات الاميركيه في ظاهره لاسابق لها في التاريخ الأميركي المعاصر.
كشفت حرب الاباده الصهيونيه ضد الشعب الفلسطيني في غزه وباقي فلسطين المحتله عن دعم أميركي لامحدود للكيان الصهيوني في هذه الحرب يصل الى حد التطابق والشراكه قي هذه الحرب عسكريا واقتصاديا وسياسيا . ولقد انحازت جميع مؤسسات الدوله الاميركيه والطبقه السياسيه والنخب السياسيه والاكاديميه والاعلاميه الى جانب الكيان المحتل .
وبالمقابل عارضت اقليه من النخب السياسيه في الكونحرس وخارجه ونخب اكاديمه واعلاميه المشاركه الاميركيه في حرب الاباده وطالبت بوقف الدعم الأميركي لحرب الاباده ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع ووقف الحرب على غزه.
ظاهره الاحتجاجات الجامعيه
مثلت الجامعات الاميركيه الفضاء الأبرز التي انطلقت منها الاحتجاجات ومثل الطلبه الجامعيون ابرز شرائح المجتمع الأميركي الذين بادروا لحشد وتنظيم الاحتجاجات بعدانطلاقه طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 والذي دخل شهره السابع . انطلقت الاحتجاجات من جامعه هارفرد ارقى واشهر جامعه اميركيه والتي تضم النخبه من الاكاديميين والطلبه والباحثين في امريكا ,ثم امتدت لتشمل العشرات من الجامعات الاميركيه من شرقها في ماسشوتس الى غربها في كاليفورنيا ومن شمالها في ميتشجن حتى جنوبها في لويزيانا .
لقد تشكل في غمار تطور هذه الاحتجاجات تحالفات عريضه تتفاوت من جامعه الى أخرى ولكن القاسم المشترك فيها هو الطلبه والمنظمات الفلسطينيه والعربيه والأميركيين التقدميين ,مواطنين ومقيمين وغيرهم ,من مختلف الانتماءات والاتجاهات و الأديان ومنهم يهود يجمعهم العداء للصهيونيه التي تخترق جميع مناحي الحياه الاميركيه وتوظف امكانيات الدوله والمجتمع الأميركي لصالح الكيان الصهيوني,وكذلك معارضتهم لنظام الابارثايد (العزل العنصر) للكيان الصهيوني وحرب الاباده ضد الشعب الفلسطيني ,والشراكه الاميركيه للكيان الصهيوني.
ان الحركه الاحتجاجيه قد تطورت في الوعي من معارضه السياسات الاميركيه الشريكه للكيان الصهيوني الى ادراك طبيعه بنيه النظام الأميركي وتاريخه القائم على الحروب والنهب والضم في الخارج الى الاستغلال والتحكم والتضليل في الداخل. ومن هنا اعاده الاعتبار للاطروحات الجذريه لمفكرين مثل أستاذ اللسانيات نعوم شيموسكي والسياسين مثل عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندس.تنبع اهميه هذه الحركه الاحتجاجيه كونها حركه من أوساط النخب الاميركيه الميسوره من أبناء الطبقه السياسيه والماليه والاكاديمه والاعلاميه التي تحكم اميركا ,وابنائهم الجامعيين المحتجين هم من سيلتحق بهذه الطبقه ويقود الدوله والمجتمع مستقبلا.
ومنذ البدايه اتخذت الدوله الاميركيه بمختلف سلطاتها والقوى النافده في المجتمع والحركه الصهيونيه النافذه في اميركا موقفا مناهضا لحركه الاحتجاجات الاميركيه ,مشهره في مواجهتها اسلحه ايدلوجيه مثل معادات الساميه وكراهيه اليهود وسياسيه مثل تاييد حماس (الارهابيه) وإجراءات عقابيه مثل طرد الطلاب المحتجين وحل تنظيماتهم الطلابيه واخيرا إجراءات قمعيه لاسابق لها في تجريم وقمع الاحتجاجات بالقوه من قبل قوى الامن .
من المعروف ان الجامعات والمؤسسات التعليميه والاكاديميه في أمريكا تتمتع بحقوق مسلم بها من قبل الدوله والمجتمع وفي مقدمتها الحريات الاكاديميه واستقلاليه هذه المؤسسات وحرمه الحرم الجامعي من تدخل قوات الامن وحق الطلبه في تشكيل منظماتهم الطلابيه والعلميه ,وحريه البحث العلمي وتنظيم نشاطات مختلفه من قبل الطاقم الاكاديمي والجسم الطلابي ومنها المسيرات والاجتماعات الاحتجاجيه والتي تندرح في اطار حريه التعبير التي كفلها التعديل الأول للدستور الأميركي .
لكن الذي حدث هو انه وفي ظل تصاعد وتوسع الحراك الطلابي المناهض للتحالف الأميركي ألاسرائيلي الصهيوني في حرب الاباده ضد الشغب الفلسطين وجسامه جرائم الاباده البشريه التي كانت تعرض كل يوم عبر الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي رغم التضليل والتعتيم الاعلامي,فقد اضحى هذا التحرك يطرح قضايا جوهريه تتعلق بطبيعه النظام الأميركي المعادي لمصلحه الشعب الأميركي ويقود نظاما دوليا معاد للبشريه ,حيث الحركه الصهيونيه في قلب هذا النظام ,وكذلك الطبيعه العنصريه الفاشيه والرجعيه للكيان الصهيوني ,حيث التحالف الأميركي والغربي والصهيوني والإسرائيلي وعلى مدى اكثر من خمسه وسبعين عاما اسفر عن اغتصاب الوطن الفلسطيني وارتكاب مجازر ضد الشعب الفلسطيني وتهجير غالبيه الفلسطينين وحروب متتاليه ضد الشعوب العربيه المحيطه بفلسطين ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى" ,في انتهاك صارخ للقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير المصير ولا شرعيه الاحتلال .ثم عمدت امريكا والغرب الى العمل على فرض الكيان الصهيوني بمشروعه التوسعي على حساب العرب ,والتسليم بشرعيته في العالم كاستثناء للقانون والشرعيه الدوليه باقامه دوله عنصريه يهوديه استنادا لاساطير توراتيه على حساب الوطن الفلسطيني والشعب الفلسطيني مع التسليم له بالتوسع والاحتلال والحصانه من ايه محاسبه مهما ارتكب من جرائم ضد الانسانيه وانتهاك القانون والاتفاقيات الدولية والقيم الانسانيه.
هذه القضايا الجوهريه وغيرها أضحت محل حوارات و نقاشات عميقه في أوساط المحتجين وفي الجسم الاكاديمي والطلابي الجامعي وانعكست على الشعارات التي يرفغها المحتجون, الذين اضحوا يطرحون الى جانب شعاراتهم الأولى بوقف الحرب فورا وغيرها, قضايا جوهريه مثل تصفيه الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين واقامه دوله فلسطينيه ديمقراطيه علمانيه لحميع أبنائها,ومواحهه الحركه الصهيونيه ومؤسسات اللوبي الإسرائيلي والتنظيمات الاخطبوطبه اليهوديه في الجامعات الاميركيه والمجتمع الأميركي ككل والتي تتحكم بالدوله الاميركيه والمجتمع الأميركي لصالح الصهيونيه و"إسرائيل" خلافا لمصلحه الشعب الأميركي والعالم اجمع .وشعارهم المشهور "من النهر الى البحر ’فلسطين ستكون حره" وأوقفوا حرب الاباده وغزه ستنتصر وفلسطين حره.
من هنا جاء تحرك سلطات الدوله والمنظومه السياسيه والاقتصاديه والاكاديميه والاعلاميه هذه ضدهذا الحراك الطلابي الجامعي لئلا يتجذر ويتوسع ويصبح حركه جماهيريه تحدث تغييرا في بنيه النظام والمجتمع وتتحول الى حركه سياسيه تفرز ممثليها في بنيه النظام والمجتمع الأميركي ونسوق بعض الامثله على ذلك:
1-العمل ان تتولى إدارات الجامعات علي احتواء الحركه الاحتجاجيه باجراءات عده ومنها فصل الطلاب النشطاء وحل المنظمات الطلابيه الفاعله ,ومنع الاحتجاجات.
2-تدخل الكونجرس بشكل لاشرعي في شؤؤن الجامعات واداراتها ياستجواب قيادات هذه الجامعات التي تشهد احتجاجات مثلما حدث لجامعات هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساشوستس وغيرها والضغط عليها لاتخاذ إجراءات قمعيه ضد الاحتجاجات وعقابيه ضد المحتجين بما فيها الفصل .وترافق ذلك مع حمله تشهير وترويع من قبل موسسات السلطه واللوبي الصهيوني والقوى المهيمنه في المحتمع وترتب عليه اما استقاله قيادات هذه الجامعات كما حدث في هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماسشوستس او الخضوع والتعاون مع هذه القوى والضغوط كما حدث لرئيسه جامعه كولمبيا د.نعمه شفيق (مصريه الأصل)
3- قيام محافظي المدن وحكام الولايات التي تقع فيها هذه الجامعات باعطاء الأوامر لقوات الامن بقمع هذه الاحتجاجات خارج وداخل الحرم الجامعي .
4-قيام بعض ممولي الجامعات الني تشهد احتجاجات طلابيه بقطع تمويلها لهذه الجامعات مالم تستجب لمطالبهم بانهائها ومعاقبه نشطائها وقطع المنح الطلابيه وعقود التدريب عن هؤلاء النشطاء .
وهناك إجراءات أخرى اعادت الى الذاكره الحقبه المكارثيه في الخمسينيات وقمع الحركه الطلابيه الاحتجاجية ضد حرب فيتنام, ولكن من الواضح انها اقسى هذه المره. لكن المفارقه هي ان الحراك المؤيد "لااسرائيل " والصهيونيه من قبل الطلاب "الإسرائيليين" واليهود الصهاينه واليمينين المؤيدين "لإسرائيل" وحليفتها أمريكا والصهيونيه لايتم التعرض لها بل تحضى بالتمويل والرعايه والحمايه من إدارات الجامعات والسلطات السياسيه والامنيه وتتمتع بتغطيه اعلاميه ايجابيه ويستدعى ممثلوها الى جانب ممثلي منظمات اللوبي "الإسرائيلي" والحركه الصهيونيه لتقديم افاداتهم في جلسات الاستجواب في الكونجرس وفضاءات الاعلام.
وفي اطار الدعم الرسمي الأميركي للكيان الصهيوني في حربه ضد الشعب الفلسطيني , اقر الكونجرس مساعدات عسكريه واقتصاديه بملغ 17 بليون دولار لعام 2024 فقط وقد صدق الرئيس الأميركي بايدن على ذلك ,وهو مبلغ هائل ويعني دعما اميركيا مطلقا للكيان الصهيوني وحرب الاباده .وقد عارض القانون 21 عضوا في مجلس الشيوخ و58 في مجلس النواب مما يعني ان الحركه الاحتجاجيه لها تاثير على أعضاء الكونجرس وسيزداد هذا التاثير على مؤسسات وقيادات الدوله والمجتمع مع اتساعها.
الاعتصامات كتطور لحركه الاحتجاجات الجامعيه
في تطور نوعي للحركه الاحتجاحيه الطلابيه الجامعيه جاءت حركه الاعتصامات في الجامعات بدات في جامعه كولمبيا في نيويورك المطالبه الى جانب المطالب المعروفة بانهاء دور الجامعه في دعم الكيان الصهيوني , ثم انتشرت الى العديد من الجامعات الاميركيه التي تشهد حراكا طلابيا. قدمت رئيسه الحامعه د. نعمت مينوشيه شفيق نمودجا للخضوع لاملاءات المؤسسية الحاكمه واللوبي الصهيوني . اثناء مثولها امام لجنه التعليم في مجلس النواب اكدت انها ترفض ايه نشطات معاديه للساميه وانها فصلت 70 طالبا من النشطاء وبعض المدرسين.ورغم ذلك فان رئيس مجلس النواب ايريك جونسون هدد بانه مالم تضع د.شفيق حدا للاعتصام فانه يتوجب على الحرس الوطني اقتحام الجامعه واجلاء المعتصمين بالقوه . وبالفعل فقد طلبت د. شفيق من الشرطه اقتحام حرم الجامعه وتفريق المعتصمين حيث اعتقل اكثر من ماءه من الطلاب المحتجين .وانذرت د. نعمت الطلاب المعتصمين حتى الجمعه لازاله خيمهم والاستزال بالقوه .
وفي حركه تضامن واقتداءا بالاعتصام في جامعه كولمبيا وما تعرضت له من قمع امتدت حركه الاعتصام الى العديد من الجامعات التي شهدت احتجاجات ومنها هارفارد ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وبرنارد وايمرسون وماريلاند وميشجن والمدرسه الجديده وجامعه نيويورك وروتجر وتافت وفاندربلت وواشنطن وييل وبرنستون وبنسلفانيا ونيوميكسكو وميشجن ستيت وكولرادو وبيركلي وبولدر اضافه الى استمرار الاحتجاجات التي تتوسع عبر الولايات المتحده , مطالبه بوقف فوري لحرب الاباده "الاسرائيليه" في غزه وفلسطين المحتله عموما وإيقاف الدعم العسكري ألاميركي "لإسرائيل" وكافه المساعدات ,ووضع حد للنظام العنصري الصهيوني واقامه دوله فلسطينيه ديمقراطيه لجميع أبنائها.كما يطالب المحتجون بانهاء علاقات جامعاتهم مع الجامعات "الاسرائيليه" وسحب استثماراتها من الكيان الصهيوني .اما التطور المهم الأخر فهو انضمام الاساتذه والاكاديميين الجامعيين الى الحركه الاحتجاجيه وتعرضهم لإجراءات عقابيه كالفصل او الاعتقال وغيرها.
بالطبع فقد تسابق قاده مؤسسه الحكم والنفوذ في أمريكا وفي مقدمتهم قاده المؤسسات واللوبي الصهيوني لادانه هذه الاعتصامات ويصفونها بانها معاديه للساميه واليهود وبانها فوضويه, ويدعون إدارات الجامعات الى فصل الطلبه والاساتذه المحتجين وانهاء الاحتجاجات والاعتصامات بكل الوسائل بما في ذلك قمعها من قبل قوات الامن والحرس الوطني.
.وقد تدخل قاده الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم رئيس وزراء العدو نتنياهو بادانه حركه الاحتجاجات الطلابيه الجامعبه واعتبرها معاديه للساميه وتهديدا لليهود قي اميركا وعدائيه لدوله "إسرائيل " ومؤيده لمنظمه حماس "الارهابيه " واعتبرها خطرا على "إسرائيل" وأميركا وطالب بقمعها ..ولم يعترض مسؤؤل أميركي عليه باعتبار تصريحاته تدخلا في الشأن الداخلي الأميركي.
في هذه الأجواء المتشنجه عمد عدد من إدارات الجامعات الاميركيه الى اجراءات قاسيه ضد الطلبه المحتجين بما في ذلك طرد طلاب نشطاء او مدرسين انتقاديين ومؤيدين للحراك ,كما تدخلت الشرطه والحرس الوطني وهم بتحهيزات قتاليه وبعظهم يمتطون الخيول, لانهاء الاعتصامات الاحتجاجات بالقوه واعتقال المحتحجين ,وهو ماحدث في جامعات اوستن بتكساس ولوس انجيلوس بكاليفورنيا وايمرسن في ماسشوستس وايميري في جورجياعلى سبيل المثال لاالحصر.
احتمالات المستقبل
من الواضح ان حركه الاحتجاج والاعتصام تتوسع كل يوم وينضم الاف الطلبه الجامعيين اليها وان الإجراءات الانتقاميه القاسيه لن تخيف المحتجين وتضع حدا لاحتجاجاتهم . من التطورات الايجابيه انضمام الاساتذه والاكاديميين الجامعيين الى الحركه الاحتجاجيه.وكما ان هناك تنظيمات ومنظمات وقيادات سياسيه وغيرها في الدوله والمجتمع تناهض الحركه الاحتجاجيه ,فان هناك بالمقابل من يدعم هذا الحراك ويدافع عن حريه المحتجين في التظاهر والاعتصام والاحتجاج ضمن الحق في حريه التعبير وهو مايكفله الدستور والقوانين الاميركيه وستتسع دائره هذا الدعم .ومع استمرار الحركه الاحتجاجيه فان هناك احتمال تحولها الى حركه احتجاج جماهيريه واسعه تنظم اليها منظمات العمال والمهن التخصصيه والاكاديميين وغيرهم لتتحول الى تيار جديد في الحياه السياسيه يعمل لاحداث تغيير جذري في الدوله والمجتمع ومنه مواجهه النفوذ الصهيوني واللوبي "الإسرائيلي" والتحالف ألاميركي "الإسرائيلي" الغربي والانتصار لقضيه فلسطين العادله.